يأمل المغرب منذ سنوات في اكتشاف النفط في أراضيه، وذلك بعد العديد من الدراسات التي قامت بها شركات التنقيب العالمية، لكن حتى الآن لم يتم العثور على أي مخزون للبترول.
مخزون ضخم
بعد عقود من الحديث عن اكتشافات متتالية لحقول نفط في مناطق مختلفة بالمغرب، أعلنت شركة "يوروبا أويل آند غاز" Europa Oil and Gas البريطانية عن اكتشاف مخزون نفط في منطقة إنزكان بالجنوب المغربي، على مساحة تفوق 11 ألف كيلومتر مربع، وبسعة ملياري برميل، وربطت الشركة احتواء المنطقة على كميات هائلة من النفط بوجودها في خط جيولوجي على طول الساحل الغربي لأفريقيا الغني بالغاز والبترول، مؤكدة أن فرص استكشاف النفط في تلك المنطقة عالية جداً، وبحسب الاتفاق بين المغرب والشركة البريطانية، تستغل الأخيرة 75 في المئة من الحقل المكتشف، فيما يحصل "المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن" الحكومي على حصة 25 في المئة.
من جانبها أكدت المديرة العامة لـ "المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن"، أمينة بنخضرة في تصريح صحافي أن الأشغال الجيولوجية وتحليل المعطيات المتعلقة بالنشاط الزلزالي ثنائي وثلاثي الأبعاد، وأيضاً الآبار القديمة المنجزة بالمنطقة، مكّنت من تحديد عدة احتمالات تقدر مواردها من قبل شركة التنقيب عن النفط البريطانية بملياري برميل.
اكتشافات محتملة فقط
شدد متخصصون على أن الإعلان عن اكتشاف مخزون النفط في منطقة إنزكان لا يعدو أن يكون مجرد احتمال وليس أمراً مؤكداً، وأشار المتخصص المغربي في المجال الاستراتيجي، محمد الطيار أن "إعلان شركة التنقيب عن النفط البريطانية يدخل فقط في إطار الاحتمالات، بل إن المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بالمغرب أفاد في بلاغ عقب الإعلان المتداول أن ما أعلنت عنه الشركة المعنية يتعلق فقط بموارد محتملة وليس باحتياطيات مؤكدة".
واعتبر الطيار أن البلاغ المذكور بمثابة نفي لما روجت له الشركة البريطانية التي لم تبن تنبؤاتها على أي دراسات تقنية ولا مؤشرات ملموسة، مرجحاً أن تكون الخطوة التي أقدمت عليها الشركة تهدف فقط إلى تجاوز مشكلاتها الداخلية وإنعاش أسهمها في البورصة التي عرفت تراجعاً كبيراً.
من جانبها، أكدت أمينة بنخضرة أن تقييم شركة التنقيب تؤكده بيانات المكتب الوطني، لكنها تبقى موارد محتملة وليست احتياطات مؤكدة، معتبرة أنه لإثبات هذه الاحتياطات، يجب القيام بأعمال تكميلية محددة، بما في ذلك عمليات حفر إضافية، مضيفة "كنا نرغب في إنشاء هذه الآبار قبل إجراء أي اتصال، لكن شركاءنا الذين غالباً ما يكونوا شركات نفط أجنبية مدرجة في البورصة، ملزمون بإصدار إعلانات عامة في مراحل مختلفة من اكتشافاتهم ولا يمكننا منعهم من القيام بذلك".
انتعاش اقتصادي
يرى باحثون أنه في حال تأكد وجود احتياطي نفطي في المغرب فإن ذلك من شأنه خلق انتعاش اقتصادي، ويعتبر الباحث المغربي في مجال الاقتصاد وعلوم التدبير، حمزة أعناو، أنه في حال تأكد صحة التقارير المنجزة من طرف شركة "يوروبا أويل أند غاز" عن وجود أكتر من ملياري برميل على مساحة تقدر بـ 11228 كيلومتراً مربعاً، فإن المنطقة ستعرف انتعاشاً اقتصادياً مهماً، موضحاً أن هذا الانتعاش يتمثل أولاً في عائدات إنتاج البترول، بحيث ستستفيد ميزانية الدولة المغربية من عائدات بيع البترول، كما سيمكن هذا من خلق رواج اقتصادي مهم بخصوص إنتاج المواد المشتقة، بحيث ستعرف المنطقة نشاطاً مهماً، وسيستقطب المغرب مجموعة من الفاعلين في الصناعات البترولية، وكذلك في الخدمات مثل النقل والصيانة والتوزيع.
وبضيف أنه من جهة أخرى ستعرف منطقة سوس حركة مهمة قد تسهم في إنعاش التنمية وتشجيع التشغيل على كافة المستويات، فبالإضافة إلى كون المنطقة قطباً سياحياً مهماً، ستصبح جهة سوس ماسة، جهة غنية مما سيؤدي إلى تسريع إنجاز مخطط التنمية الجهوي وتوفير البنى التحتية اللازمة لتشجيع الاستثمار والبحث العلمي الذي يرافق هذا الاكتشاف.
فيما يشير المتخصص الاقتصادي المغربي، المهدي فقير، أن المغرب إذا أصبح بلداً منتجاً للنفط والغاز سيمكنه ذلك من تحقيق اكتفائه الذاتي من الطاقة، وسيمكنه أيضاً من ضبط الموازنة العامة، موضحاً أن الاعتمادات المالية من العملة الصعبة الموجهة سابقاً لاستيراد الطاقة يمكن استثمارها في تنمية قطاعات أخرى، ويوضح فقير أن اكتشاف الغاز في المغرب من شأنه توفير مادة غاز الطهي الذي تشكل مادة أساسية بالنسبة للمستهلك المغربي، التي تحرص البلاد على توفيرها للمواطنين، ودعمها في إطار نظام المقاصة، موضحاً أن توفر المغرب على صناعة مرتبطة باستخراج الطاقات الأحفورية، سيعد نقلة نوعية بالنسبة لقطاع الصناعة المحلية، وسيسمح له تكثيف وتيرة الإنتاج وتوسيع نطاق التصدير نحو الخارج، بالتالي سيدعم ذلك خطط المغرب في مجال الانتقال الطاقي، عبر استخدام الغاز في إنتاج الطاقة الكهربائية، بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي.
عملية معقدة
أشارت مديرة الوكالة الوطنية للكربوهيدرات والمعادن أن عملية التنقيب عن النفط طويلة الأمد ومكلفة ومحفوفة بمخاطر جمة، مؤكدة أنه حتى في حالة الاكتشاف، فإن عمليات التقييم والعديد من عمليات التنقيب الأخرى ضرورية لتقدير وإثبات الاحتياطات الموجودة قبل البدء في مرحلة التطوير، مضيفة أن هذه المراحل المختلفة يمكن أن تستغرق عدة سنوات بحسب طبيعة ونوع المناجم قبل الدخول في مرحلة الإنتاج، وأن "أكثر من 97 في المئة من الاستثمارات ينفذها شركاء أجانب يتوافرون على تراخيص التنقيب الخاصة بهم، كما تتوافر عدة مناطق على إمكانيات برية وبحرية، بخاصة أن الأحواض البحرية تغطي ما يقرب من 300 ألف كيلومتر مربع وتشمل 42 بئراً محفورة فقط".
وأشارت كذلك أن هناك مناطق عدة قبالة سواحل مدن: الرباط-سلا والصويرة وأكادير وطرفاية وبوجدور تتوافر على أنظمة بترولية نشطة، مضيفة "نحن واثقون من إمكانيات النفط والغاز لبلدنا، هناك أمثلة كثيرة لدول استغرقت وقتاً كبيراً وكثفت جهودها لتحقيق اكتشاف كبير"، معتبرة أن نموذج موريتانيا والسنغال، اللذين يتوفران على أنظمة جيولوجية شبيهة بالمغرب، تظهر أن المثابرة تؤتي أكلها دائماً، وأشارت بنخضرة أنه سيستمر اعتبار المغرب دولة معرضة للمخاطر الاقتصادية للتنقيب عن النفط والغاز، طالما لم يتم تحقيق أول اكتشاف مهم، والذي سيكون له تأثير في انخراط الشركات العالمية.