في بداية كلمته المطوّلة للحديث عن تطورات أفغانستان بعد قمة مجموعة الدول السبع التي شارك فيها، أشاد الرئيس الأميركي جو بايدن بموافقة مجلس النواب في الكونغرس الأولية على خطة الإنفاق بنحو 3.5 تريليون دولار.
وقال الرئيس بايدن إن أعضاء مجلس النواب "اتخذوا خطوة مهمة على طريق إنجاز استثمارات تاريخية ستغير وجه أميركا بخفض الضرائب على الأسر المتوسطة، وتضع الاقتصاد الأميركي على طريق نمو طويل الأمد إلى حد بعيد".
وجاءت موافقة مجلس النواب في الكونغرس على طرح الإطار العام لموازنة الإنفاق على الخدمات الاجتماعية ومشاريع الاقتصاد الأخضر بعد أيام من الجدل والخلاف داخل الحزب الديمقراطي.
وفي النهاية تمكنت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي من التوصل إلى تفاهم مع الكتلة المعتدلة في الحزب على الانتهاء من التصويت على حزمة الإنفاق على البنية التحتية بقيمة تريليون دولار في 27 سبتمبر (أيلول)، في مقابل عدم اعتراض نواب الكتلة على بدء طرح الإطار العام لموازنة الإنفاق.
وكان مجلس الشيوخ وافق على خطة الإنفاق على البنية التحتية وأعادها إلى مجلس النواب، لكن الكتلة التقدمية الراديكالية في الحزب الديمقراطي هددت بالتصويت ضد خطة الإنفاق على البنية التحتية ما لم يتم الإسراع في تمرير موازنة الإنفاق على الخدمات الاجتماعية.
ولأن أغلبية الحزب الديمقراطي، حزب الرئيس جو بايدن، في مجلس النواب بسيطة ولاعتراض الحزب الجمهوري على خطة الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والاقتصاد الأخضر فيمكن لنحو 10 نواب من الديمقراطيين أن يوقفوا تمرير الموازنة، إذا امتنعوا من التصويت بنعم عليها.
شهر مشاحنات وموازنات
يتوقع أن يكون سبتمبر (أيلول) مشحوناً بالمفاوضات والمناقشات والجدل والضغوط والمناورات السياسية، تحديداً داخل الحزب الديمقراطي نفسه، وأيضاً من قبل البيت الأبيض الذي يسعى إلى إطلاق واحدة من أكبر حملات الإنفاق بتريليونات الدولارات، كما يحل في آخر سبتمبر موعد نهاية التمويل السنوي للحكومة الفيدرالية الذي يوافق عليه الكونغرس.
وتسعى وزيرة الخزانة جانيت يلين إلى موافقة الكونغرس على رفع سقف الاقتراض لتتمكن الحكومة الفيدرالية من الالتزام بالمستحقات عليها، ولا تضطر للإغلاق الجزئي كما حدث من قبل في ظل خلافات الكونغرس مع البيت الأبيض، ونتيجة المشاحنات السياسية بين الحزبين.
ويختلف تمويل الحكومة الفيدرالية عن كل خطط الإنفاق التي يجري الحديث عنها، وتستخدم أساساً لدفع رواتب الموظفين الفيدراليين في كل الأدوات الحكومية من الجنود إلى عمال النظافة، وكذلك لتسديد الحكومة الأقساط المستحقة على سندات الخزانة السيادية.
وفي ظل الاختلافات داخل الحزب الديمقراطي الذي يسيطر على مجلس النواب بأغلبية بسيطة، ولا تزيد أغلبيته في مجلس الشيوخ على صوت واحد يعود لنائب الرئيس كامالا هاريس، يمكن للنواب والشيوخ من الحزب الجمهوري أن يجعلوا الموافقة على تمويل الحكومة الفيدرالية قبل نهاية الشهر المقبل في غاية الصعوبة، ناهيك عن أي اتفاق على رفع سقف الدين أو حتى الاستمرار بالسقف الحالي للاقتراض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسيكون على لجان الكونغرس الانتهاء من تفاصيل إطار الموازنة، كل لجنة في تخصصها، قبل إرسال التشريع إلى مجلس الشيوخ الذي يتعين موافقته عليه قبل إعادته لمجلس النواب. وفي حال تمريره من غرفتي المجلس يرسل للرئيس لاعتماده فيصبح سارياً.
وستكون مهمة رئيس مجلس النواب نانسي بيلوسي والرئيس جو بايدن في غاية الصعوبة لضمان تكاتف الحزب، بخاصة أن الديمقراطيين يعتمدون في تمرير خطة الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والاقتصاد الأخضر على وسيلة الأغلبية المباشرة لتفادي شرط الثلثين الذي سيمكن الجمهوريين من إسقاط المشروع.
واعترف الرئيس بايدن نفسه بتلك الخلافات داخل حزبه بخاصة بين المعتدلين الليبراليين والتقدميين اليساريين وقال، "كانت هناك اختلافات ومواقف صلبة وآراء قوية، لكن المهم أننا في النهاية توافقنا على تمرير أجندتنا".
كما ستشمل المناورات السياسية سرعة تمرير خطة الإنفاق على البنية التحتية التي وافق عليها مجلس الشيوخ، وحظيت بشبه توافق بين الحزبين بعد تعديلات فيها قلصت من المبلغ الذي كان يطالب به البيض الأبيض في البداية.
وانتهت إلى تمويل إضافي بنحو 550 مليار دولار إلى جانب تمويل لمشاريع أقرت من قبل ليصبح حجمها النهائي 1.2 تريليون دولار.
وكانت إدارة الرئيس بايدن تريد نحو تريليوني دولار في البداية لمشاريع البنية التحتية التي تضم الطرق والجسور وشبكات المياه والصرف الصحي وغيرها.
إنفاق هائل
بهذه الخطوة الأولية للتقدم بمشروع إطار موازنة للإنفاق على الخدمات الاجتماعية والاقتصاد الأخضر بقيمة 3.5 تريليون دولار، تكون إدارة الرئيس جو بايدن صاحبة أكبر إنفاق استثماري نسبياً.
ففي بداية توليه مطلع العام الحالي أقر الرئيس بايدن خطة تحفيز بنحو 1.9 تريليون دولار عبر أمر تنفيذي من دون اللجوء إلى الكونغرس، وكان أهم ملمح فيها هو شيكات الدعم النقدي للأسر الأميركية شهرياً لمواجهة تبعات أزمة كورونا، إضافة إلى خطط تحفيز اقتصادي أخرى.
ثم جاءت الموافقة الأولية على خطة تمويل الإنفاق على مشاريع البنية التحتية بنحو 1.2 تريليون دولار، وهكذا يكون إجمالي الإنفاق الإضافي للحكومة الأميركية في حال الموافقة عليه تشريعياً قبل نهاية العام أكثر من 6.5 تريليون دولار.
وكما أعلنت الإدارة الأميركية فإنها ستسعى إلى تمويل القدر الأكبر من هذا الإنفاق عبر زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء جداً، كما ستلجأ، كما تعهدت، إلى إجراءات محاسبية مختلفة تمكنها من وقف أي هدر وضبط عمليات الإنفاق، لكن كل ذلك لن يكون كافياً بالطبع، وسيتم بقية التمويل بالاقتراض مما سيرفع الدين الإجمالي لواشنطن بشكل كبير.
لكن الحكومة الأميركية ترى أن النمو الواسع والكبير المتوقع في الاقتصاد نتيجة هذا الإنفاق الاستثماري الهائل سيعوض كثيراً من هذا الدين على المدى المتوسط، مع ذلك يرى منتقدو الإنفاق الهائل، بخاصة من الجمهوريين، أن إدارة الرئيس بايدن لا يهمها سوى تحقيق وعود سياسية بدعم الصحة والتعليم وشبكة الأمان الاجتماعي للأسر الفقيرة من دون التفات إلى تأثير ذلك على الاقتصاد الكلي للبلاد.