انشغل الرأي العام المصري في الأيام الماضية بدعوة لنوع جديد من الزواج يُسمّى "بارت تايم" أو الزواج المؤقت، الذي يعني اقتران شخص متزوج بزوجة أخرى مطلقة أو أرملة، مع اشتراط أن يكون مبيته لديها لمدة قصيرة، كأن يكون ليوم واحد في الأسبوع مثلاً.
الدعوة التي أطلقها المحامي أحمد مهران عبر حسابه على "فيسبوك"، تهدف إلى حل مشكلة نحو 2.6 مليون مطلقة في مصر، معظمهن في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، بحسب مهران، الذي أكد في مقطع فيديو نشره على "فيسبوك" أن تلك الدعوة ليست فكرة جديدة أو "اختراعاً" وإنما شكل من أشكال الزواج، معمول به في مصر وكثير من الدول العربية، موضحاً أنه فقط أطلق مصطلحاً دالّاً على ذلك النوع من الزواج، تتنازل فيه الزوجة عن إقامة الزوج معها بشكل كامل.
"مبادرة ثلاثية"
وأوضح مهران أن فكرته إطلاق "مبادرة ثلاثية" تحمل المعنى ذاته تقريباً هي "زواج البارت تايم، زوج سلف، اتجوزها هي وصاحبتها المطلقة"، وتعني دعوة السيدة المتزوجة إلى "إقراض" شريكها لسيدة أخرى مطلقة، كي تتزوجه لمدة يوم أو أكثر في الأسبوع، أو أن يتزوج الرجل صديقة زوجته المطلقة.
ونفى مهران أن يكون زواج "البارت تايم" زواجاً مسياراً أو زواجاً عرفياً أو زنى، معتبراً كذلك أنه لا يخالف مفهوم العدل بين الزوجتين الأولى والثانية، لأنه قائم على "الاتفاق المسبق والتراضي" بموافقة الزوجة الثانية على شرط أن يبيت الزوج لديها لمدة يوم في الأسبوع، ومؤكداً أن الهدف مساعدة المطلقة باعتبارها "إنسانة ومن حقها أن تكمل حياتها"، بحسب تعبيره في تصريحات تلفزيونية.
وقال المحامي إن دعوته موجهة إلى الرجال المتزوجين الذين لديهم حياة مستقرة، لكن ظروفهم المادية والاجتماعية تسمح لهم بالزواج الثاني، بشرط البقاء معها لمدة يوم واحد أسبوعياً.
جدل شعبي
وفور إطلاق الفكرة، وجدت صدى كبيراً في مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدرت قائمة الأكثر بحثاً على الإنترنت، وتباينت الآراء حولها ما بين مؤيد ومعارض، إذ رأى المؤيدون أنها تحل مشكلة اجتماعية هي زيادة نسبة المطلقات، وتيسّر الزواج من دون طلب الكثير من الإمكانات المادية، بينما اعتبره آخرون هدماً لبناء الأسرة ولا يتحقق به الهدف الأساسي من الارتباط وهو الاستقرار وبناء عائلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقدّم أحد المحامين ببلاغ رسمي للمجلس القومي للطفولة والأمومة ضد المبادرة، إذ أكد المحامي أيمن محفوظ أنها تقوم على أسس غير قانونية، ولا يجوز الزواج وفقاً لما تضمنته فكرة "البارت تايم" حتى لا يقع تحت طائلة القانون، وأضاف أن صاحب الدعوة يثير البلبلة ويكدّر السلم العام، وهي تهم من الممكن أن تؤدي إلى الحبس لمدة لا تقل عن خمسة أعوام، إذا دانته المحكمة.
وأثيرت تساؤلات عدة حول موقف الشرع من زواج "البارت تايم"، فرفض أحمد كريمة، أستاذ الفقه في جامعة الأزهر تحريمه طالما عقد الزواج مكتمل الشروط والأركان، موضحاً أن "البارت تايم" ليس زواج متعة، لأن مدة عقد الزواج ليست محددة، وطالما ارتضت الزوجة عدم توفير الزوج مسكناً لها أو مبيته الدائم معها، فإن الزواج يكون مباحاً.
الإفتاء: زواج باطل
لكن دار الإفتاء المصرية حسمت الجدل، أعلنت عدم جواز زواج "البارت تايم"، عبر بيان رسمي قالت فيه: "ما يقوم به بعض الناس من إطلاق أسماء جديدة على عقد الزواج واشتراطهم فيه التأقيت بزمنٍ معيّن، سببان يؤديان إلى بطلان صحة هذا العقد. فالزواج الشرعي هو ما يكون القصد منه الدوام والاستمرار وعدم التأقيت بزمنٍ معيّنٍ، وإلَّا كان زواجاً مُحرَّماً ولا تترتّب عليه آثار الزواج الشرعية".
وطالبت دار الإفتاء بعدم الانسياق وراء ما أسمته "حداثة المصطلحات" في عقد الزواج، التي ازدادت في الآونة الأخيرة، وأوضحت أنها تحمل في طياتها "حب الظهور والشهرة وزعزعة القيم، مما يُحدِث البلبلة في المجتمع، ويؤثّر سلباً في معنى استقرار الأسرة وتماسكها الذي حرص عليه ديننا الحنيف ورعته قوانين الدولة"، بحسب بيان دار الإفتاء.
لكن مهران صاحب الدعوة، ردّ على فتوى دار الإفتاء ببيان نشره على موقع تابع له، قال فيه إنه يتفق تحريم الزواج المحدد بمدة، وزعم أن الفتوى لا علاقة لها بزواج "البارت تايم"، لأن العقد لا يكون مؤقتاً، لكن يقوم على اتفاق بين الزوجين، بعدم وجود الزوج بشكل دائم في المنزل، سوى يوم أو يومين في الأسبوع على سبيل المثال، نظراً إلى أي سبب يمنعه من الإقامة الدائمة مع زوجته، وبذلك تتنازل الزوجة عن حقها في مبيت زوجها معها.
هدم للأسرة
وحول تأثير المبادرة في المجتمع المصري، قالت سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في إحدى الجامعات، إن ترويج تلك الدعوات يهدم الأسر المصرية، ويؤثر في استقرار العائلة وتماسكها، وتقف وراءها رغبة بالشهرة، بحسب تصريحات تلفزيونية.
وكان المحامي أحمد مهران أطلق العام الماضي، دعوة أسماها "زواج التجربة" تنص على وضع شروط للزوجين في عقد مدني ملحق لعقد الزواج، ومن بين الشروط عدم الطلاق لمدة تتراوح بين 3 و5 أعوام، وردّ الأزهر على تلك الدعوة بأنه "اشتراط فاسد لا عبرة به، واشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مدة معينة يجعل العقد باطلاً ومحرّماً"، بحسب بيان رسمي.