في 11 أغسطس (آب) الحالي قدم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أسماء حكومته التي صدق عليها البرلمان في الخامس والعشرين من الشهر ذاته، ولأن الأخير يسيطر عليه التيار المتشدد منذ أواخر ولاية الرئيس السابق حسن روحاني، فلم يرفض الأسماء المقدمة التي حصلت بالفعل على موافقة المرشد الإيراني عليها قبل تقديمها إليه كخطوة أخيرة. هنا يطرح التساؤل حول دلالات الأسماء المقترحة، وهل يمكن للحكومة المرتقبة مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية وعلاقة السلطة التنفيذية بباقي مؤسسات الدولة وتوازن القوى؟
تتسم الأسماء التي اختارها رئيسي من أجل تشكيل حكومته التي ستتعاون معه في تنفيذ سياسات إيران الداخلية والخارجية بكون أعضائها من المنتمين للحرس الثوري، والبعض للتيار المتشدد، والأخير من حكومة أحمدي نجاد. ولم تضم الأسماء المقترحة أياً من وزراء حسن روحاني المحسوبين على التيارين البراغماتي ولا الإصلاحي، فضلاً عن عدم وجود أي امرأة في أي منصب حتى الآن، أي إن الجميع يشترك في معاداة الغرب وتبني وجهات النظر المتشددة، والتركيبة العسكرية واضحة بامتياز.
يشمل وزراء حكومة أحمدى نجاد السابقين، الوزراء المعينين لوزارات الخارجية والداخلية والبترول والنقل والطاقة، أما وزير الخارجية المعين فهو حسين أمير عبداللهيان، مستشار الشؤون الدولية لرئيس البرلمان ونائب وزير الخارجية السابق للشؤون العربية والأفريقية والسفير لدى البحرين، وعضو الفريق الإيراني للمفاوضات مع الولايات المتحدة في شأن العراق. كما عين رئيسي رجل الدين إسماعيل الخطيب وزيراً للمخابرات، الذي شغل مناصب استخباراتية وأمنية في الحرس الثوري ووزارة المخابرات ومكتب المرشد الأعلى والسلطة القضائية، أما وزير الداخلية المعين فهو أحمد وحيدي، وهو قائد سابق لفيلق القدس للحرس الثوري (1988-1997) ووزير الدفاع في حكومة أحمدي نجاد، كما أنه مطلوب من قبل الإنتربول منذ عام 2007.
الحكومة الإيرانية الجديدة
تعكس الحكومة المقترحة للرئيس الإيراني تغييراً مهماً بميزان القوى في النظام السياسي الإيراني، وسبق ذلك مؤشرات عدة منها سيطرة المتشددين على مجلس الشورى الإسلامي، ومجيء رئيس متشدد من السلطة القضائية لديه علاقات قوية بالحرس الثوري، ومن ثم الانتهاء بحكومة وزراء ومساعدين ينتمون للتوجه ذاته.
من جهة سيعكس هذا التناغم بين فروع السلطات الرئيسة في إيران إلى تسهيل وتنفيذ السياسات من حيث عدم عرقلة أي من سياسات الجهات الأخرى، على غرار ما حدث مع الرئيس السابق حسن روحاني ومعارضة البرلمان في بعض الأحيان لكثير من قراراته. ومن ثم ستحصل حكومة رئيسي على مزيد من التعاون والدعم من قبل الحرس الثوري. وأكثر مساحات التناغم بينهما ستكون السياسة الخارجية، فنظراً لكون وزير الخارجية الجديد الملم بالشرق الأوسط ويجيد اللغة العربية قريباً من الحرس الثوري، فإن ذلك يعني استمرار إيران في عسكرة سياستها الخارجية الإقليمية، واستمرار محاولات توسع نفوذها الإقليمي بتوظيف أدوات السياسة الخارجية أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يعني هذا أنه خلال فترة روحاني لم يكن هناك عسكرة لسياسة الخارجية الإيرانية، فخلال ولايتيه ازداد تدخل طهران في الميدان العسكري لسوريا والعراق واليمن، لكن خلال فترة رئيسي سيستمر التدخل العسكري دون وجود استياء من جانب السلطة التنفيذية على غرار ما كشفت عنه تسريبات وزير الخارجية المنتهية ولايته جواد ظريف التي كشفت عن تضارب وتداخل صلاحيات وزارة الخارجية والحرس الثوري، لا سيما فيلق القدس.
من المرجح تبني رئيسي سياسة متشددة في الشؤون الداخلية والخارجية، وسيركز أكثر على الأولى والتحديات الاقتصادية المرتبطة بأزمتها ووباء كورونا. وسيسعى بالفعل للحفاظ على التوازنات بين مراكز القوى المختلفة من السلطة القضائية والحرس الثوري والتيار المتشدد عموماً لتأمين حصوله على الدعم لتولي خلافة المرشد الحالي، لا سيما أنه أحد المرشحين بقوة.
مع ذلك، وعلى الرغم مما يبدو بأن علاقات القوى والتوازنات السياسية تبدو لصالح رئيسي، فإن هذا لا يعني قدرته على مواجهة التحديات الداخلية التي تعانيها إيران والمواطن. فالتحديات التي تواجه الحكومة الجديدة متعددة، وتتراوح بين العقوبات الاقتصادية والأزمة الناجمة عنها، وتداعيات تفشي فيروس كورونا، وأزمة الجفاف التي شهدتها محافظة خوزستان، التي تؤشر لسياسة التمييز الحكومي بين الأقاليم الإيرانية، وتهميش الأطراف لصالح المركز، فضلاً عن سوء استغلال الموارد والفساد الذي اتهمت به كل حكومة سابقتها، لكنها أدت إلى تزايد الاحتقان الداخلي واندلاع التظاهرات من وقت لآخر.
كما تتفاقم تداعيات الأزمة الاقتصادية، فموازنة الدولة لعام (2021-2022) تشهد عجزاً حاداً بسبب تزايد النفقات على حساب الواردات، فقد كان من المخطط في الموازنة أن تبيع إيران نحو 2.5 مليون برميل يومياً من النفط حال إحياء الاتفاق النووي، إلا أنه لم تشكل مبيعات النفط في الأشهر الخمسة من العام الحالي سوى نحو 3 في المئة مما كان مقدراً له. كما أنه من غير المرجح قيام الحكومة بزيادة الضرائب لرفع الإيرادات لعدم قدرة شركات الحكومة والقطاع الخاص على تحمل الزيادة نظراً للأزمة الاقتصادية، كما تتلاشى إيرادات الجمارك لضآلة التجارة الخارجية بفعل العقوبات، بالتالي تواجه إيران أزمة حادة في ظل عدم قدرتها على دفع نفقات الرواتب ومعاشات التقاعد والضمان الاجتماعي. وتعكس تلك المؤشرات أزمة اقتصادية حادة لها تداعيات اجتماعية، ما يعني عزم طهران على إحياء الاتفاق مرة أخرى كمنفذ للتخفيف من الوضع الاقتصادي، لكن حتى رفع العقوبات لا يعني كفاءة الحكومة في التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية الناجمة عن أسباب متأصلة على مر العقود منها الفساد وسوء الإدارة.