رحب عدد من سكان منطقة سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة "الربيع العربي"، بقرار تولي الرئيس التونسي قيس سعيد السلطة التنفيذية في البلاد، معتبرين أن ذلك "شر لا بد منه"، إلا أن عدداً منهم عبر عن خشية العودة إلى زمن الديكتاتورية، ففي نهاية يوليو (تموز) الماضي قرر سعيد تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطة، مما أثار ردود فعل متباينة في البلاد.
انطلقت شرارة "الربيع العربي" من منطقة سيدي بوزيد حين أضرم بائع الخضراوات محمد البوعزيزي النار في نفسه في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010 احتجاجاً على تعامل السلطات معه، مما أثار انتفاضة اجتماعية واسعة في البلاد، انتهت بسقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
الرئيس التونسي يحظى بالثقة
وخلال السنوات الـ 10 الماضية تراجع منسوب التفاؤل لدى سكان المنطقة بحياة كريمة في مقابل ارتفاع الإحساس بالغضب على طبقة سياسية لم تنجح في تحقيق أهداف الثورة، ومن أهمها التنمية والتشغيل.
وعادت شعارات الثورة من "شغل" و"كرامة" لترفع من جديد خلال الاحتجاجات التي تجددت خلال السنوات الأخيرة في المنطقة، وظهر مطلب جديد ينادي بحل البرلمان.
يقول أحمد العوني (36 عاماً) وهو عاطل من العمل ويجلس في مقهى، "السنوات الـ 11 الأخيرة كانت أصعب من 23 عاماً حكم خلالها بن علي. أغرقنا البرلمان والحكومة في الفقر فليذهبوا"، ويؤكد أن "التونسيين اختاروا سعيد ولدينا ثقة فيه".
يأمل سكان منطقة سيدي بوزيد المهمشة بالرغم من ظهور كثير من المنشآت والمتاجر، بأن يتمكن سعيد من تحسين أوضاعهم المعيشية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويطلب أحمد من سعيد أن "يمضي قدماً" لأن "الشعب معك"، ويرى عبدالحليم حمدي (47 عاماً) وهو عامل في قطاع البناء ويحمل درجة الماجستير في التاريخ، "هي جراحة ضرورية لوقف النزف".
ويضيف المنسق للحركات الاحتجاجية في المنطقة لوكالة الصحافة الفرنسية، "سرق السياسيون في الحكم أحلامنا وآمالنا". وكذلك يعتبر عبد الحميد أن الدستور "صيغ على المقاس ليخدم المصالح الضيقة"، ويقدر مراقبون أن تعليق العمل بدستور 2014 الذي لقي ترحيبا دولياً، أو تعديله أصبح "ضرورياً".
المخاوف تحيط بالبعض
في وسط مدينة سيدي بوزيد وبالقرب من تمثال العربة حيث كان البوعزيزي يبيع الخضراوات، وكتبت عليه كلمة "حرية"، يقف سامي العبدلي (38 عاماً) ويردد، "هذا شر لابد منه لإنقاذ البلاد على الرغم من أن ذلك قد يجرنا نحو نظام سلطوي".
وعادة ما يتحدث سكان سيدي بوزيد بتلقائية وبكل حرية في المسائل السياسية في البلاد، لكن كثيراً منهم رفض الحديث عن قرارات سعيد.
وتقول المدونة والمنسقة في مكتب "المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان" في سيدي بوزيد منيرة البوعزيزي، "نلاحظ أن هناك عودة للرقابة الذاتية، فلم يعد للناس رغبة في التعبير بحرية في ما يفكرون فيه".
وتوضح أن أنصار قيس سعيد "يستخدمون خطاباً عنيفاً ولا يقبلون نقد الرئيس" عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتؤكد يسرى عمدوني (25 عاماً) "تثير فكرة أن شخصاً واحداً يحتكر السلطة التنفيذية الخوف في نفسي". وتوضح طالبة الهندسة أن سعيد "حافظ على الغموض ولم يقدم أي برنامج". وتتابع، "على الرغم من أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي تراجع وانقسمت الطبقة السياسية، كنا على الأقل ننعم بالحرية والديمقراطية".
ومنذ إعلان سعيد قراراته الاستثنائية منع السفر عن كثير من السياسيين ورجال الأعمال، كما صدرت أوامر بالإقامة الجبرية في حق آخرين ضمن حملة "تطهير" لمقاومة الفساد، مما أثار مخاوف حول إمكان تراجع مكسب الحريات في تونس.
ويقول المسؤول في مكتب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان رابح الزعفوري، إن "سعيد يتجه نحو نظام ديكتاتوري لا يسمع سوى صوته". ويضيف، "لم يتخذ إلى الآن سوى قرارات شعبوية وفوضوية تهدد بعمق المسار الديمقراطي وتوقف الحياة السياسية". ويتابع، "لن نسمح بالرجوع إلى ما قبل 17 ديسمبر 2010 و14 يناير (كانون الثاني) 2011".