إعصار "أيدا" قد يبقي آلافا في لويزيانا بلا كهرباء لأسابيع

يُرجّح أن تستغرق إعادة الطاقة الكهربائية إلى آلاف المنازل في مدينة نيو أورلينز الأميركية والدوائر السكنية المحيطة أياماً، لا بل حتى أسابيع، بعدما ضرب إعصار "أيدا" جنوب شرقي ولاية لويزيانا، متسبّباً بتعطيل جميع خطوط النقل الكهربائي الثمانية التي تغذّي المنطقة بالطاقة، بما فيها برج مهمّ بالقرب من نهر ميسيسيبي تعرّض للانهيار.

واستناداً إلى حاكم الولاية جون بيل إدواردز، فإن أكثر من مليون و100 ألف منزل وشركة تجارية، انقطعت عنهم الكهرباء في ولايتي لويزيانا وميسيسيبي، بعدما دمّرت "الأضرار الكارثية" للإعصار أكثر من ألفي ميل (3219 كيلومتراً) من خطوط الكهرباء، و216 محطّة تغذية فرعية بالتيّار الكهربائي كما أكّدت شركة "إنترجي" Entergy، التي تتولّى مدّ معظم مناطق الولاية بالطاقة.

وأعلنت شركة "إنترجي نيو أورليز" Entergy New Orleans، التي تزوّد المدينة بالطاقة الكهربائية وبالغاز، أن "من المحتمل أن يستغرق الأمر أياماً لمسح الأضرار وحصر المدى الذي بلغته على مستوى الشبكة لدينا، وقد نحتاج لوقتٍ أطول بكثير لإعادة نقل الكهرباء إلى المنطقة".

وكان قد تمّ إرسال أكثر من 20 ألف عامل خطوط وصيانة من نحو 22 ولاية أميركية إلى لويزيانا، ونُشروا على امتداد الولاية المنكوبة، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح كم سيتطلّب عملهم من الوقت لإعادة الخدمة إليها، الأمر الذي يُرجَّح معه أن تبقى آلاف المنازل في شبه عتمةٍ كاملة، في وقتٍ يعاني ساكنوها من درجات حرارةٍ مرتفعة ومن رطوبة أواخر فصل الصيف.

وتعاني محطّات الوقود من عدم القدرة على تشغيل مضخّاتها لتزويد المركبات بالمحروقات، فيما تعمل خدمات الهواتف الخلوية بشكلٍ محدود، شأنها شأن محطّات ضخ مياه الصرف الصحّي في المدينة التي لديها قدرة محدودة على سحب مياه الصرف الصحّي من الأحياء والمناطق السكنية.

عمدة نيو أورلينز لاتويا كانتريل، دعت سكّان المدينة الذين تمّ إجلاؤهم، إلى التزام أماكنهم وعدم العودة إلى مساكنهم، مشدّدةً على أن "الوقت الراهن ليس مناسباً بعد للعودة". وأشارت في المقابل إلى أن نحو 200 ألف شخص من سكّان نيو أورلينز لم يغادروا منازلهم.

وخاطبت كانتريل أبناء مدينتها خلال إحاطةٍ إعلامية أجرتها يوم الاثنين الفائت قائلة: "أكرّر مرّةً أخرى، إذا كنتم قد غادرتم مكان سكنكم، فابقَوا حيث أنتم. سنخبركم متى تصبح عودتكم إلى المنزل آمنة".

أما سينثيا لي شينغ رئيسة أبرشية "جيفرسون باريش" (لويزيانا هي الولاية الوحيدة التي تطلق على دوائرها تسمية أبرشيات، ويعود ذلك إلى انتمائها للمذهب الكاثوليكي خلال فترة حكمها من جانب فرنسا وإسبانيا) التي تمتدّ لتشمل الضواحي المحيطة بمدينة نيو أورلينز وتصل إلى الساحل، فأبلغت الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الاثنين بأن سكّان دائرتها هم الآن "بلا كهرباء ومن دون اتّصالات".

وأكّدت خلال اتّصالها معه أن "أنظمة المياه لدينا معطلّة، وقد فقدنا القدرة على ضخّها". وتوقّع أن "تكون الأمور صعبةً لفترةٍ من الوقت".

في ضاحية لابلاس المتضرّرة بشدّة من الإعصار والواقعة ما بين نهر مسيسيبي وبحيرة بونتشارترين، تمكّن رجال الإنقاذ من إخراج الناس من المنازل التي غمرتها المياه بصورةٍ شبه كاملة. ومن هؤلاء ديبي غريكو وزوجها وابنهما، الأسرة التي غمرتها مياه العاصفة في لابلاس مع والدي غريكو.

وقد ارتفع منسوب المياه بنحو قدم (30.48 سنتمتر) ما فوق نوافذ الطابق الأول للمبنى الذي تقطن فيه الأسرة، وأغرقت هذا الطابق بعمق مترٍ و20 سنتمتراً (4 أقدام)، بمجرّد فتح الباب الخلفي. واضطُّر أفرادها إلى الصعود إلى الطابق الثاني، في وقتٍ تسبّبت فيه رياح العاصفة بانهيار سقف المبنى فيما حطّمت الأمواج فناءه الأمامي.

إلا أنه أمكن أخيراً إنقاذ أفراد العائلة بالاستعانة بقارب، بعدما انتظروا في بقعة جافّة كانت الوحيدة في المكان، وهي مهبط درج المبنى. ويقول فريد كارموش والد غريكو البالغ من العمر 85 سنة والذي عاش طيلة أعوام حياته في المنطقة: "عندما أنتهي من إعادة بناء هذا المكان، سأغادر المنطقة نهائياً. إن العيش بعد اليوم في ولاية لويزيانا، لم يعد وارداً بالنسبة إليّ".

في المقابل، انعكس ما لا يقلّ عن 18 انقطاعاً في نظام المياه في مختلف أنحاء الولاية، سلباً على أكثر من 300 ألف منزل، فيما تمّ تنبيه قرابة 329 ألف شخص إلى وجوب غلي المياه قبل شربها، بحسب ما أفاد مكتب حاكم الولاية. وتحدّثت وزارة الصحّة في الولاية عن افتقار أكثر من 440 ألف منزل لخدمة المياه بشكلٍ كامل.

في غضون ذلك، تدرس أبرشية "جيفرسون باريش" مسألة إذا كان سيتمّ إجلاء سكّان تلك النواحي تلك عبر حافلات.

وقال الرئيس الأميركي بايدن إن "الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ" Federal Emergency Management Agency (FEMA) (أنشأها الرئيس الأسبق جيمي كارتر ومهمّتها الأساس تنسيق الاستجابة للكوارث التي تتعدّى طاقة سلطات الولايات ومواردها) أرسلت 200 مولّد كهرباء إلى لويزيانا، وسيصل إليها المزيد.

ووفقاً لما أكّده حاكم الولاية، فإنه مع عودة التغذية بالتيّار الكهربائي، ستُعطى الأولوية للمستشفيات ومراكز غسل الكلى وغيرها من المراكز الطبّية الأساسية. وقد أدّى الإعصار إلى إخلاء أربعة مستشفيات، فيما اعتمدت خدمات وأنظمة صحّية أخرى في جنوب شرقي لويزيانا على طاقة المولّدات، على الرغم من أن هذا البديل قد ينحسر.

وكانت التقديرات الأولية للأضرار التي تلت الإعصار في ضواحي مدينة نيو أورلينز، قد تحدّثت عن اقتلاع للأشجار، وعن تناثر حطام في أرجائها، ووقوع أضرار في سقوف المنازل، إضافةً إلى انهيار بعض المباني، على الرغم من أن المدينة كانت قد نجت من الفيضانات الجماعية التي عقبت إعصار "كاترينا" في عام 2005، عندما فشلت السدود الفيدرالية في صدّ المياه التي غمرت المدينة خلال هبوب العواصف. إلا أن نظام الحماية من الفيضانات الذي استُحدث بقيمة 14.5 مليار دولار أميركي في الأعوام التي تلت إعصار "كاترينا"، نجح في الصمود أمام القوّة الغاشمة لإعصار "أيدا".

وقال حاكم الولاية إدواردز يوم الاثنين: "إذا كان هناك من جانبٍ مشرق، تصعب اليوم رؤيته، فهو أن أنظمة السدود لدينا تعمل بصورةٍ جيّدة للغاية".

إلا أن الانقطاع الواسع للتيار الكهربائي كشف عن مشكلات جدّية عالقة تعاني منها شركة "إنترجي" للطاقة، التي وجّه السكّان والجهات المنظّمة للشركة انتقاداتٍ إليها، بعد وقوع إعصاراتٍ سابقة، لجهة عدم ترقية شبكة الكهرباء وتعزيز خطوط الإمداد وتطويرها، على نحوٍ يقوّي قدرتها على التصدّي للعواصف العاتية. وقد تعهّد أعضاء مجلس مدينة نيو أورلينز، وهي الجهة المنظّمة لشركة "إنترجي نيو أورلينز" بفتح تحقيق في حالات انقطاع التيّار الكهربائي في مرحلة ما بعد انحسار الإعصار "أيدا".

محطّة الطاقة المثيرة للجدل التابعة لشركة "إنترجي" والتي تعمل بالغاز في "نيو أورلينز إيست" (أحدث قسم في المدينة) - بُنيت على الرغم من المعارضة الشديدة من أفراد المجتمع، والمخاوف البيئية واعتراض بعضٍ من أعضاء الحكومة المحلّية في المدينة - كانت قد تعهّدت بأن تكون المنشأة حيويةً وفاعلة في ظروفٍ كتلك التي سبّبها إعصار "أيدا"، عندما يصبح نظام النقل الكهربائي الذي يغذّي المنطقة بالطاقة المولّدة خارج المدينة غير متّصل بالإنترنت. إلا أن هذا لم يحصل.

 "الهيئة الجديدة لإدارة شبكتي المياه والصرف الصحّي في نيو أولينز" New Orleans Sewerage & Water Board - التي تعتمد هي أيضاً على الطاقة من شركة "إنترجي"، إضافةً إلى توربينات توليد طاقة خاصّة بها - تستخدم المولّدات كي تتمكّن من مواصلة تشغيل المضخّات الأساسية لمياه الأمطار.

وقد صارح حاكم الولاية السكّان يوم الاثنين الفائت بقوله: "لا أستطيع أن أخبركم متى سيعود التيّار الكهربائي. لكن يمكنني أن أؤكّد لكم أننا سنعمل بجدّ كلّ يوم لتقديم أكبر مقدار ممكن من المساعدة... وملاحقة شركة "إنترجي" وشركات الكهرباء الأخرى من أجل إعادة الطاقة إلى المنازل بأسرع ما يمكن".

إعصار "أيدا" استجمع خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت قواه المدّمرة والمميتة عبر خليج المكسيك الحار، وعزّز صعوده ليصبح عاصفةً من الفئة الرابعة، مع سرعة رياح تصل إلى 150 ميلاً (241.10 كيلومتر) في الساعة، واقتحم بسرعةٍ فائقة ساحل ولاية لويزيانا المشرذم بفعل تآكل الأراضي الرطبة التي كانت تشكّل حاجزاً طبيعياً يقي الولاية من العاصفة.

ومع انحسار مياه الفيضانات وبزوع ضوء النهار يوم الاثنين، انطلقت طواقم الطوارئ في عمليات بحثٍ وإنقاذ في المناطق المنخفضة، لا سيما منها "أبرشية جيفرسون" وأبرشية "سانت جون ذي بابتسيت"، حيث أفاد مسؤولون فيهما عن تلقّيهم عشراتٍ من المكالمات التي يطالب أصحابها بإنقاذهم، بمَن فيهم عائلات محاصرة في عليّات مساكنها، في وقتٍ كانت المناطق الواقعة في عين العاصفة خارج نيو أورلينز، هي وأنظمة حمايتها من الإعصارات، عرضةً للخطر.

وأكّد الحاكم إدواردز أن رجال إنقاذ محليّين وآخرين تابعين للولاية وفيدراليّين، عملوا على إنقاذ ما لا يقلّ عن 671 شخصاً بحلول ظهر يوم الاثنين، فيما تمّ نقل نحو ألفي شخص إلى 36 ملجأ طوارئ. وقال أخيراً: "قد لا يبدو هناك خروج سريع من المحنة، إلا أن كلّ يوم سيشكّل خطوةً أخرى إلى الأمام".