في خضم الحملات التي تقوم بها الأحزاب المغربية استعداداً للانتخابات العامة التي تجرى في 8 سبتمبر (أيلول) الجاري، تطرح تساؤلات حول مدى تأثير الولاء الحزبي أو الولاء الشخصي في تحديد الجهة التي يصوت لصالحها الناخب المغربي، بالتالي هل تشكل القناعة بالبرنامج الانتخابي الحزبي أم العلاقات الشخصية المحدد الأساسي لقرار المواطن خلال عملية التصويت؟
وتعرف الانتخابات العامة عدة خصوصيات تتمثل في استمرار تداعيات جائحة كورونا، إضافة إلى التعديلات التي عرفها القانون الانتخابي، كاعتماد القاسم الانتخابي، وإلغاء العتبة إضافة إلى إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية والجهوية لأول مرة في آن واحد.
ظروف خاصة
تجرى الانتخابات العامة في المغرب في ظل ظروف استثنائية فرضتها جائحة كورونا، حيث خففت التدابير الصحية الاحترازية المرافقة لها من وتيرة الحملات الانتخابية، إضافة إلى العطلة الصيفية والدخول المدرسي التي من شأنها الزيادة في تراجع الاهتمام بالانتخابات، يشير محمد العوني المرشح عن الحزب الاشتراكي الموحد، أن انتخابات الثامن من سبتمبر تجرى في ظل استمرار الجائحة التي أثرت بشكل سلبي على جو الانتخابات، حيث عملت على إعاقة سير الحملات الانتخابية بشكل جزئي، عبر الحد من وتيرة الحركة الاعتيادية للناس بمن فيهم المرشحين، مشيراً إلى احتمال تأثير تلك الجائحة كذلك على نسبة المشاركة في الانتخابات، بالتالي يرى العوني أنه كان من الأولى تأجيل الانتخابات لضمان وجود عملية انتخابية تسهم في تعزيز الانتقال الديمقراطي.
ولاء حزبي أم شخصي؟
تعرف الانتخابات المغربية منذ عقود سيطرة الاعتبار الشخصي في تحديد وجهة التصويت على حساب عامل الولاء الحزبي، يشير رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، جواد الشفدي، أن التصويت على الأشخاص بدل البرامج الحزبية لا يزال السلوك الأكثر ممارسة في الانتخابات في المغرب، موضحاً أن غالبية الأحزاب تعتمد على الأعيان والنافذين في المجتمع من أجل ضمان المقعد الانتخابي.
من جانبه، يشير المحلل السياسي المغربي، عبد الفتاح نعوم، أنه لم تكن هناك روابط في السابق بين الأحزاب و الناخبين بالشكل الموجود في الدول الأوروبية مثلاً، إلا أنه في المقابل كانت هناك روابط قائمة بين الناخبين والمرشحين بشكل مباشر بدوافع عائلية أو قبلية أو مصلحية، موضحاً أنه مع مرور الوقت أصبحت تحاول الأحزاب استقطاب ناخبين يقومون بالتصويت لاعتبار أيديولوجي، كما هي الحال بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، أو لاعتبارات تخص البرنامج الانتخابي، لكن من خلال جعل ذلك البرنامج أكثر واقعية، عبر وضع وعود مباشرة وقابلة للتحقيق، باعتبار أن الناخبين المغاربة لم يعودوا يهتمون بالشعارات العامة، مضيفاً أن هناك حالياً ميل تدريجي لتبني المواطن علاقة مع الأحزاب.
ويعتبر نعوم أن التعديلات التي طالت الترسانة القانونية للانتخابات من شأنها الإسهام في تقوية الرقابة على العملية الانتخابية، إضافة إلى جعلها أكثر شفافية، وكذلك جعل المنافسة بين الأحزاب حقيقية، وهو ما يصبغ العملية الانتخابية بطابع المصداقية، ويمنح الناخب الشعور بالتواجد في قلب الصراع السياسي بين الأحزاب.
ويشير الطاهر مساعدي، الذي يعمل صباغاً، أن مستواه الدراسي البسيط لا يسمح له بفهم البرامج الانتخابية وتوجهات الأحزاب بشكل عام، بالتالي تبقى المعرفة الشخصية بالمرشح وبسمعته المعيار الأساس في تحديد وجهة تصويته في الانتخابات، معتبراً أن ظاهرة استعمال المال في الانتخابات من شأنها تمييع المجال السياسي والزيادة من حدة العزوف السياسي.
استعمال المال
تشير بعض الأحزاب إلى وجود مفرط لاستعمال المال في الحملات الانتخابية من طرف أحزاب معينة، بقصد شراء الأصوات وضمان الفوز بأكبر عدد ممكن منها، فيما يشير مراقبون إلى أن تلك الظاهرة من شأنها تكريس التبعية للمرشحين بدلاً من الاقتناع بالبرنامج الانتخابي، ويعتبر رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية أن استعمال المال يعزز من التوجه نحو التصويت للأشخاص، خصوصاً أن هذا الاستهداف يكون موجهاً نحو الفئات الفقيرة والمحتاجة، مشيراً إلى أنه "هنا يأتي دور السلطات العمومية من أجل مزيد من اليقظة وعدم الوقوف عند الحياد السلبي"، موضحاً أنه بإمكان المشاركة المكثفة والواسعة للمواطنين الحد من تأثير استعمال المال على النتيجة النهائية التي ستؤول إليها صناديق الاقتراع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، قد اعتبر أن "استعمال المال لشراء الأصوات وقيام أحزاب معينة باستقطاب مناضلي الأحزاب الأخرى عبر شراء ذممهم، يعد أمراً غير مقبول".
هاجس المقاطعة
يدفع عامل تراجع الثقة في الأحزاب بسبب بعض الممارسات التدبيرية إضافة إلى استخدام بعضها للمال في حملاتها الانتخابية إلى انتشار دعوات لمقاطعة الانتخابات، وذلك باعتبار أن التصويت لن يغير في الأمر أي شيء، من جانبه اعتبر القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، أن المقاطعة حق شخصي لكل مواطن، ويمكن لأي مواطن أن يختار عدم المشاركة لأي سبب من الأسباب، داعياً المطالبين للمقاطعة إلى التريث واستيعاب المعطيات الموضوعية التي يعج بها الواقع، موضحاً أنه موقف سلبي يراهن على أن تنصلح قواعد العملية السياسية، إضافة إلى وجود خزان انتخابي في البوادي والقرى وهوامش المدن، وهناك أحزاب نشأت في أحضان الإدارة قابلة للتحرك لتفشل أي مقاطعة ذات تأثير سياسي.
ويتساءل حامي الدين ماذا بعد المقاطعة؟ معتبراً أنه سؤال لا يجيب عنه دعاة المقاطعة ويكتفون بالدفاع عن ضرورة بعث رسالة لمن يهمهم الأمر وكأن هناك فقر في الوسائل التي يمكن بها بعث الرسائل على أن وضعنا السياسي يحتاج لجرعات إصلاحية قوية، موضحاً أن "هذا الخطاب جربه عدد من قادة الحركة الوطنية منذ الستينيات والتسعينيات ولم يؤد إلا إلى تهميش القوى السياسية المطالبة به، وسمعناه منذ بداية التسعينيات ولم يحصل أي شيء، وسمعنا من يراهن على ضعف المشاركة الانتخابية من إسلاميين ويساريين ولم يحصل ما راهنوا عليه".
تعديلات جديدة
من جانب آخر قامت السلطات المغربية بإجراء تعديلات على القوانين الانتخابية طالت اعتماد القاسم الانتخابي، إضافة إلى إلغاء العتبة، وكذلك اعتماد إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية والجهوية في آن واحد للمرة الأولى، ويهدف المغرب من تلك التعديلات إلى "تطوير قواعد النظام الانتخابي، وتقوية الضمانات الانتخابية، وتخليق العمليات الانتخابية، وتعزيز الشفافية المالية للحملات الانتخابية للمرشحين".
ويشير جواد الشفدي أنه "بعد إقرار دستورية القاسم الانتخابي على أساس المسجلين من قبل المحكمة الدستورية، على الفاعلين الحزبيين اليوم طي صفحة النقاش الذي واكب مناقشة القوانين الانتخابية منذ أول لقاء جمع بين وزارة الداخلية وزعماء الأحزاب السياسية، والتوجه بهدوء نحو الاستحقاقات الانتخابية المقبلة"، معتبراً النقاش الذي استمر في ردهات البرلمان وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لم يواكبه متابعة من قبل المواطن العادي الذي لا تهمه في شيء آلية القاسم الانتخابي، فما يهم المواطن المغربي في الأزمة الوبائية الحالية التي يعرفها العالم هو نوعية السياسات العمومية التي ستنزلها الحكومة للإجابة عن انتظاراته في ما يتعلق بإشكاليات الشغل والصحة والتعليم.
ويضيف أن القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين وإلغاء العتبة سيعطيان حظوظاً متساوية بين الأحزاب الكبرى للفوز بالانتخابات التشريعية المقبلة، معتبراً أن الآلية الجديدة للقاسم الانتخابي لن تفرز أغلبية منسجمة وفق برنامج واضح، كما أن فوز العدالة والتنمية بالانتخابات المقبلة سيعيد بقوة سيناريو "بلوكاج" سنة 2016 (تعطيل إقامة الائتلاف الحكومي)، لا سيما أن الفرق في عدد المقاعد لن يكون كبيراً خلال هذه الاستحقاقات.