قضّت عملية هروب الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع مضاجع القيادة الأمنية الإسرائيلية، وألغت عطلة عيد رأس السنة العبرية ورفعت حال الطوارئ في محاولة لضبط الأسرى من جهة ولكشف سر نجاح خطتهم من جهة أخرى على الرغم من عدة مؤشرات كان يمكنها منع الهروب بدءاً من عملية حفر النفق، التي استمرت ما يقارب السنة، مروراً بتجميع الأسرى في قسم واحد ونقل أحدهم إليه يوماً قبل الهرب، وصولاً إلى صور كاميرات المراقبة، التي أظهرت الستة وهم يخرجون من النفق والهرب من المكان.
ومنذ الكشف عن هروب الأسرى، واصلت قوات أمنية معززة البحث عنهم بمشاركة عناصر من الشرطة وحرس الحدود والقوات الخاصة لتعقب الآثار والجيش ووحدات مراقبة المخابرات وغيرها، حيث انتشرت القوات في منطقة واسعة بدءاً من مرج ابن عامر، المنطقة المحاذية لمدينة الناصرة في الشمال والتي تبعد ما لا يقل عن 20 كيلومتراً من سجن جلبوع، وهي منطقة أخذت الأجهزة الأمنية في حساباتها أن يمر بها الأسرى ضمن هربهم إلى مناطق في الشمال توصلهم حتى سوريا، بعدما كشفت كاميرات المراقبة عن توجه أسيرين باتجاه الشمال.
وفي الطريق إلى الحدود الشرقية، اتجاه الأردن والأغوار انتشرت قوات معززة مسنودة بطائرات من دون طيار تحمل كاميرات مراقبة إضافة إلى مختلف الأجهزة الرقابية.
كما أقامت الأجهزة الأمنية 200 حاجز عسكري أزالت غالبيتها، الثلاثاء، لتبقي على 89 بعد أن تحدث البعض عن الوصول إلى طريق مسدودة للعثور على الأسرى. وأبقت الأجهزة الأمنية على قوات معززة لتفتيش كل مركبة وشخص يمر من المكان، والتحقيق مع أشخاص يُعتقد أن لهم علاقة مع عائلات فلسطينية في الضفة.
وفي مقابل هذا يواصل الجيش مداهمة بلدات فلسطينية مركزاً على مدينة جنين مع اعتقال أفراد من عائلات الأسرى الستة والتحقيق معهم وتهديد البعض بتصفيتهم، إذا لم يكشفوا عن تفاصيل تساعد في ضبط الأسرى.
لكن هذه الجهود باءت بالفشل وأوصلت بعض الأمنيين إلى قناعة بأن يكون الأسرى قد اجتازوا الحدود وفي أغلب الحالات نحو الأردن، إلا أن جهات أمنية تستبعد ذلك باعتبار أن الجيش الإسرائيلي عزز من قواته عند الحدود الشرقية إلى جانب التعاون مع الأردن في ضمان أمن الحدود، وفق مسؤول عسكري.
وعلى الرغم من أن عدم العثور عليهم يشكل فشلاً كبيراً للأجهزة الأمنية، خصوصاً أن المعلومة الأولى عن هربهم وصلت بعد ساعة ونصف الساعة من الهرب، إلا أن نجاح العملية والإخفاقات التي كشفت تضع القيادة الأمنية والاستخبارات ومصلحة السجون أمام مساءلات داخلية قد تؤدي إلى إقالة الكثيرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دعم من الداخل
مع بدء التحقيقات في كيفية نجاح الأسرى في حفر النفق والهرب منه، تكشفت سلسلة إخفاقات تحمّل العديد المسؤولية وتضعهم أمام تساؤلات عدة. فالحديث يجري عن سجن أطلق عليه "الخزنة"، لهندسته الدقيقة التي أعدها وقام بتنفيذها مهندسون إيرلنديون بعد انتفاضة الأقصى، بهدف وضع الأسرى الخطيرين فيه لمنع هروبهم. وعلى الرغم من السرية التي تفرضها إسرائيل على طبيعة سجونها وتقسيماتها إلا أنه، ووفق ما كشف منذ بداية التحقيق، كانت مخططات السجن منشورة على موقع شركة الهندسة المعمارية التي شاركت في البناء، ومتاحة لرؤية الجميع. وفي تقدير مسؤولين أمنيين فإن الأسرى الفلسطينيين الستة استعانوا بالتخطيط الهندسي، الذي تم إلغاؤه بعد الكشف عن هروب الأسرى.
يعتبر سجن جلبوع وإلى جانبه سجن شطة أكثر السجون تحصيناً، وفي أعقاب أكثر من محاولة هروب لأسرى أمنيين وأيضاً جنائيين تقرر تعزيز أمن وحراسة السجنين، وقبل عام ونصف العام تم بناء جناح خاص في السجن لوضع الأسرى الأمنيين الذين يدرجون ضمن قائمة الخطيرين على أمن إسرائيل، وهناك مخاوف من هروبهم. وذكرت مصلحة السجون في حينه أن أسرى منظمة "الجهاد الإسلامي" ومن اعتبرتهم من الجماعات المسلحة الخطيرة سينقلون إلى الجناح الجديد في سجن شطة، وقد تم نقل العديد من الأسرى، بينهم الأسير زكريا الزبيدي، القيادي في حركة "فتح"، الذي شكل تنسيقه وهربه مع الخمسة الآخرين من "الجهاد الإسلامي" فشلاً لمصلحة السجون، خصوصاً بعد أن تبين أنه طلب قبل الهروب بيوم الانتقال إلى قسم 2 في سجن جلبوع، مع الأسرى الخمسة الذين هربوا من السجن وتمت الموافقة من دون أي تردد أو تأخير.
وأخطر الأسئلة التي تضعها الأجهزة الأمنية في تحقيقاتها هي نجاح هرب الأسرى وإذا ما تم التنسيق بينهم وبين سجانين من مصلحة السجون، والتقديرات بأن نسبة التنسيق عالية جداً حيث هناك العديد من الإخفاقات التي كشفت بعد عملية الهرب تثير أكثر من تساؤل حول كيفية عدم اكتشافها أو سبب وجودها. التقديرات بأن الأسرى قاموا بحفر النفق على مدار فترة تتراوح بين ستة أشهر إلى عام. وخلال هذه الفترة، وعلى الرغم من الحراسة المشددة وتفتيشات المسؤولين لم يتم كشف حفر النفق.
السؤال الآخر كيف تم نقل الزبيدي إلى القسم 2 مباشرة بعد توجيه طلبه، علماً أن مطالب كهذه لا تلبى للأسرى بل توضع أمامها عراقيل كبيرة، وفي هذا الجانب تتعزز الشكوك حول سجانين ساعدوا الأسرى الستة.
وفي يوم الهروب من النفق، كشفت التحقيقات الأولية أن السجانة التي كانت بدورية المراقبة غرقت في نومها ولم تقم بمراقبة المنطقة.
ولم يتواجد السجانون الذين يراقبون الكاميرات بعد منتصف ليل الاثنين عندما خرج أول أسير من النفق، حيث كان هروبهم واضحاً في الكاميرات. وكذلك لم يتواجد الحارس في برج المراقبة، المقام أعلى فتحة النفق عند خروج الأسرى من النفق.
وفي محاولة لتبرير بعض الإخفاقات نُقل عن مسؤول كبير في مصلحة السجون، قوله إن حراس السجن لم يجروا عمليات التفتيش اليومية التي كان من المفترض أن يجرونها لأنهم كانوا يشعرون بالخوف من السجناء الأمنيين، هذا الخوف سمح للفارين بحفر نفقهم من دون اكتشافهم، وفق هذا المسؤول.
وإلى حين التوصل إلى طرف خيط لكشف مصير الأسرى يستمر التحقيق في سلسلة إخفاقات تعكس من جديد أن كل ما تروج له إسرائيل من قدراتها الرقابية والأمنية من أجل ضمان أمنها يبقى في إطار المعلومات والبيانات الصحافية.
وخلافاً لمرات سابقة ترفض فيها إسرائيل الاعتراف بشكل مباشر بالإخفاق والفشل، اعترف مسؤولون هذه المرة بما أحدثته عملية الهروب ونجاح الأسرى من هزة داخل الأجهزة الأمنية. وأمام الغضب العارم بعد الإعلان عن الوصول إلى طريق مسدود لإلقاء القبض على الأسرى واحتمال اجتيازهم الحدود خرجت تعليقات تهكمية أخرى بين الإسرائيليين حول مدى قدرة إسرائيل على الحفاظ على أمنها، واذا ما كانت قادرة على التعامل مع التنظيمات الفلسطينية وعناصرها والأسرى كتعامل دولة اتجاه تنظيمات مقاتلة؟