تجاهلت الحكومة العراقية كل الاعتراضات القانونية والبرلمانية بشأن قانون شركة النفط الوطنية الذي أُقر في عام 2008، لتعقد أول اجتماع لها برئاسة وزير النفط إحسان عبد الجبار، على الرغم من نقض العديد من فقرات القانون المذكور من قبل المحكمة الاتحادية وعدم إجراء تعديلات عليه.
وفي مارس (آذار) 2018، صوت مجلس النواب العراقي في دورته السابقة على قانون شركة النفط الوطنية وبأغلبية كبيرة، لكن يبدو أن التصويت لم يصمد كثيراً أمام الاعتراضات والانتقادات حول فقرات القانون وخطورتها على مستقبل العراق، حتى تم نقض بعض المواد من قبل المحكمة الاتحادية في يناير (كانون الثاني) 2019، تتعلق بطريقة اختيار الإدارة وإلحاق شركة تسويق النفط الوطنية بها والتصرف بإيراداتها المالية ومساهمتها في دعم القطاعَين الزراعي والصناعي.
وأُهملت مسألة تعديل القانون من قبل الحكومة العراقية السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، التي كان لها اعتراضات كبيرة على القانون ورفضت فك ارتباط الشركات النفطية العراقية بوزارة النفط، وجعل الأخيرة مجرد جهة استشارية ولا دور فعالاً لها في صناعة النفط العراقية، مستبعدةً أي فكرة لتفعيل الشركة من جديد.
عام على التعديلات
لكن هذا الإهمال لم يستمر لفترة طويلة، إذ وافق مجلس الوزراء العراقي في سبتمبر (أيلول) 2020 على تعديلات المواد التي نقضتها المحكمة الاتحادية وأحالتها إلى البرلمان للمصادقة عليها، حيث تمت قراءة التعديلات بشكل أولي. لكن البرلمان العراقي الحالي المعروف بقلة جلساته وعدم تحقيق النصاب فيه، لم يناقش خلال عام كامل، القراءة الثانية للتعديلات الخاصة بقانون شركة النفط الوطنية على الرغم من مرور عام على إرسالها من قبل الحكومة، التي يبدو أنها توصلت إلى قناعة بالعمل وفق القانون المشرع وتجميد الفقرات التي نقضتها المحكمة الاتحادية إلى حين موافقة مجلس النواب الجديد على تعديلات القانون.
خطة خمسية لتطوير قطاع النفط
وناقش الاجتماع الأول الذي عقدته شركة النفط الوطنية العراقية برئاسة وزير النفط إحسان عبد الجبار، الخطة الخمسية لنشاط الاستكشاف والإنتاج والتطوير والطاقات المُتاحة للتصدير.
ونقل بيان لوزارة النفط العراقية عن وكيل الوزارة حامد يونس، أن "الاجتماع ناقش ثلاثة محاور مهمة هي خطة إنتاج النفط الخام والتصدير، وخطة إنتاج الغاز واستثماره، وخطة تعظيم النشاط الاستكشافي".
وأوضح يونس أن "الخطة تضمنت التأكيد على ضرورة تطوير الحقول التي تُدار بالجهد الوطني خارج جولات التراخيص وإعادة النظر في خطط التطوير وإجراء المسح الزلزالي الثلاثي للحقول التي لم يُنفذ لها هذا المسح وبما يضمن زيادة الطاقات الإنتاجية للنفط والغاز".
البحث عن احتياطات جديدة
من جانبه، قال مدير عام شركة الاستكشافات النفطية بالوكالة، باسم محمد خضير، إن "شركة الاستكشافات النفطية قدمت في هذا الاجتماع خطتها الخمسية التي تضمنت محورين أساسين، الأول هو خطة المسح الزلزالي الثنائي والثلاثي الموسعة من المحافظات الشمالية إلى الجنوبية وخطة الحفر الاستكشافي، التي تستهدف إضافة احتياطيات جديدة واعدة للنفط والغاز. وأضاف خضير أن "الخطة أشارت إلى ضرورة العمل الجماعي المشترك لتوفير المتطلبات التي تحقق الأهداف المرجوة، أبرزها رسم خريطة الطريق، والتزامات الشركات الاستخراجية وشركة الاستكشافات النفطية".
خطط جديدة لاستكشاف الغاز
بدوره ذكر مدير عام "شركة نفط الوسط" قدوري عبد السلام أن "الاجتماع أكد ضرورة تنسيق خطط زيادة الإنتاج المستقبلية مع متطلبات السوق النفطية العالمية والحاجة المحلية بالتعاون مع شركة تسويق النفط"، مشيراً إلى أن "شركة النفط الوطنية ستعقد ورشة عمل شاملة لمناقشة خطط الاستكشافات للحقول الغازية في عموم العراق، ومنها الصحراء الغربية التي تضم مخزوناً جيداً من الثروة الغازية".
اجتماع غير دستوري وغير قانوني
وترى لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب أن الاجتماع الذي عُقد للشركة "غير قانوني وغير دستوري"، داعية إلى وقف جميع إجراءات تشكيل الشركة التي اتخذها وزير النفط. وقال عضو اللجنة غالب محمد، إن "اجتماع شركة النفط الوطنية الذي ترأسه وزير النفط لا يوجد له أي أسس دستورية أو قانونية لعدم وجود قانون يستند إليه عمل الشركة". وأضاف محمد أن "أي تعاقدات تقوم بها الشركة، غير رسمية ما لم يصدر القانون الذي لم تكتمل تعديلاته بعد في مجلس النواب"، لافتاً إلى أن "ما جرى فقط هو قراءته قراءة أولى، وبالتالي فإن أي تشكيل للشركة غير قانوني".
وأشار محمد إلى أن "وزير النفط أعطى صلاحيات واسعة للشركة لأنه يطمح أن يكون رئيساً للشركة كون عمل الحكومة شارف على الانتهاء، وقد لا يكون وزيراً للنفط في الدورة المقبلة"، معتبراً أن "تحركات وزير النفط غير قانونية ولا تستند إلى قوة قانونية، لا سيما أن القانون لم يتم إقراره في مجلس النواب".
وقت التعاملات
وتابع عضو لجنة النفط والطاقة البرلمانية أن "تشكيل الشركة لم يستند إلى قانون تعمل به، وبذلك فإن تأسيسها غير قانوني"، لافتاً إلى أن "أعضاء الشركة هم وكلاء الوزير الذين تم تعيينهم من دون سند قانوني لأن القانون هو الذي يضع الهيكلية والتفصيلات لمجلس إدارة الشركة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبموجب القانون المعدل للشركة فإن شركات "الاستكشافات النفطية"، و"تسويق النفط" (سومو)، و"الحفر العراقية"، و"نفط البصرة"، و"نفط الشمال"، و"نفط ميسان"، و"نفط الوسط"، و"نفط ذي قار"، و"شركة ناقلات النفط العراقية" سيتم فك ارتباطها بوزارة النفط وإلحاقها بالشركة المزمع تشكيلها لتكون الجهة الحصرية في إدارة ملف النفط العراقي.
القانون والموازنة يشرعان الشركة
من جهته، لفت نائب رئيس لجنة النفط والطاقة الأسبق عبد الهادي الحساني إلى أنه "ليس من حق الشركة طلب أي موازنة أو التوقيع على عقود ما لم يتم إقرار الموازنة"، مشيراً إلى أنه "من غير الممكن إعطاء الشركة صلاحيات واسعة تفوق صلاحيات وزارة النفط". وأضاف الحساني أن "قانون الشركة لم يكتمل في مجلس النواب، ويجب أن تكون شركة قابضة تنافس الشركات الأجنبية في جولات التراخيص"، مشدداً على ضرورة تشكيل الشركة بعد إقرار تعديلات القانون في البرلمان على ألا تُعطى صلاحيات واسعة تفوق صلاحيات الوزير.
وتابع الحساني أنه "من المفترض تحديد رأس مال للشركة يُثبت بالقانون وبعد ذلك يكون تمويلها ذاتياً"، لافتاً إلى أنه "من الصعب إقرار القانون قبل التعديل لأنه أعطى صلاحيات واسعة، وهذا ما لم يرد في قوانين الشركات العالمية الأجنبية. ويجب أن تكون الشركة مستقلة مالياً وإدارياً وتكون مدعومة مالياً حين تأسيسها".
خطوة تحضيرية
في السياق، قال الباحث في مجال النفط حمزة الجواهري إن "الاجتماع يهدف إلى التحضير لعمل الشركة المستقبلي، ووضع الأسماء الذين سيكونون الكادر القيادي لها وليس البدء بالعمل". وأضاف الجواهري "أن كادر شركة النفط الوطنية سيكون من وزارة النفط ولن تكون هناك إضافة لعناصر جديدة"، مرجحاً أن يكون هدفهم من الاجتماع هو "التحضير لأمور جديدة وبرنامج كبير استراتيجي لعمل الشركة والأولويات والضرورات، ولا أعتقد أن هناك مشكلة في هذا الاجتماع".
وأشار الجواهري إلى أن "الكادر القيادي في شركة النفط الوطنية سيكون من ضمن كوادر وزارة النفط"، لافتاً أنه "تم وضع هيكل تنظمي مع الأسماء التي ستكون من وزارة النفط، ليكونوا جاهزين عند تشريع القانون وإعطاء الصفة القانونية للشركة".
ومنذ حل شركة النفط الوطنية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي من قبل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 إعادة الحياة لشركة النفط الوطنية العراقية لكنها اصطدمت بالخلافات بين الأحزاب الشيعية والكردية حول صلاحيات عمل الشركة وتعيين أعضاء مجلس إدارتها وعدم الاتفاق على قانون النفط والغاز، فظل الحديث عنها مجرد تصريحات عابرة لأكثر من 14 سنة.