اتفقت مصر وإسرائيل على تعزيز التبادل التجاري وتعميق الاتصالات والعلاقات الثنائية بين البلدين، في ختام الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، التي التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتعد الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي لمصر منذ أكثر من عشر سنوات.
وكالعادة، سيطرت مواجهة التهديدات الأمنية على مساحة "التفاهم المشترك" الذي تحدث عنه الجانبان في ختام اللقاء النادر الذي استمر لساعات، إذ جدد البلدان العزم على مواصلة "التنسيق الأمني والتفاهم الدبلوماسي" القائم منذ سنوات لمكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية المشتركة، فضلاً عن دفع جهود تثبيت التهدئة في قطاع غزة وإعادة إعماره، وفقاً للمبادرة المصرية والخطة التي أعلنتها تل أبيب عشية الزيارة التي جاءت بناء على دعوة القاهرة، التي تتحرك خلال الأسابيع الأخيرة لاستئناف مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية.
وذكرت الرئاسة المصرية، في بيان أمس، أن اللقاء حضره وزير الخارجية سامح شكري، ورئيس المخابرات العامة عباس كامل، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي آيال هولاتا، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء الفريق أول آلي جيل، والسفيرة الإسرائيلية بالقاهرة أميرة أورون.
العلاقات الثنائية تطغى على الملفات التقليدية
تاريخياً، مرت العلاقات بين مصر وإسرائيل من بوابة "السلام" بعدما خاضت الأولى خمس حروب ضد الأخيرة منذ نشأتها عام 1948 وحتى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وصولاً إلى معاهدة السلام عام 1979، وبعدها باتت القاهرة طرفاً رئيساً في رعاية عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، طوال مراحل الصراع الممتد بين الجانبين، لكن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مصر صبغتها رغبة مشتركة في تعزيز العلاقات الثنائية بين الجارتين، بعد عقود من التموضع في حالة "السلام البارد" التي وعد الرئيس المصري في صيف 2016 بتحولها إلى سلام "أكثر دفئاً" بمجرد حل القضية الفلسطينية.
وذكر بيان للرئاسة المصرية، "أن الزيارة التي استغرقت عدة ساعات، شملت عقد جلسة مباحثات ثنائية بين الجانبين تم خلالها بحث تطورات العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، فضلاً عن مستجدات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، بخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية". وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه بحث مع الرئيس المصري "سلسلة من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية وسبل تعميق العلاقات وتعزيز مصالح بلدينا".
وقال الرئيس المصري، خلال اللقاء، "تحدثنا بصراحة وبشجاعة مثلما يقول رئيس الوزراء وسنتكلم أكثر من أجل بلدينا والمنطقة". وأوضح، "تحدثنا عن قطاع غزة وأهمية الحفاظ على السلام ووقف إطلاق النار، وأهمية الاستقرار، ودعم الاقتصاد للقطاع، وتحسين أحوال الناس سواء في الضفة الغربية أو في القطاع".
ويرى عماد جاد، البرلماني المصري والباحث المتخصص بالشؤون الإسرائيلية، "أن الزيارة تأتي استكمالاً للقمة الثلاثية بين مصر والأردن وفلسطين، لترتيب الأوضاع الفلسطينية بما في ذلك تثبيت التهدئة في غزة وملف إعادة الإعمار وتبادل الأسرى والسجناء، والتمهيد لعقد مؤتمر للتسوية السياسية، لكن الأبعاد المتعلقة بالعلاقات الثنائية كانت أكثر وضوحاً خلال تلك الزيارة النادرة".
واعتبر "أن مصر تتحرك حالياً في سياستها إزاء إسرائيل انطلاقاً من القضايا والمصالح المصرية، بمعنى أنها تتحرر من أعباء القضية الفلسطينية من دون التخلي عنها"، لافتاً إلى "أن العديد من ملفات المصالح الاقتصادية المشتركة بين الجانبين وعلى رأسها التعاون في ملف غاز شرق المتوسط كان من بين أبرز الملفات محل النقاش، لا سيما أن مصر لديها مقر منظمة غاز شرق المتوسط". وعلى الرغم من اعتراض مصر وست دول عربية على انضمام إسرائيل الشهر الماضي كمراقب في الاتحاد الأفريقي، يقول جاد، "إن هناك توجهاً جديداً بعدم الاعتراض على الوجود الإسرائيلي في أي منظمة إقليمية، سواء كان الأمر يتعلق بشرق المتوسط أو الاتحاد الأفريقي أو حتى تكتل دول البحر الأحمر مستقبلاً"، مشيراً إلى إمكان تبادل الدعم الدبلوماسي في تلك المحافل، "لا سيما مع وجود علاقات إسرائيلية متنامية مع الدول الأعضاء بتلك التجمعات الإقليمية".
"تفاهم مشترك" حول سد النهضة وأمن المنطقة
وعلى هامش المباحثات، أكد الرئيس المصري "وجود تفاهم مشترك مع الجانب الإسرائيلي بشأن العديد من قضايا المنطقة، بما في ذلك أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا"، وأضاف "تناقشنا عن سد النهضة ووجدت تفاهماً مشتركاً بهذا الشأن، وأخبرته أننا نحاول أن نعالج هذه القضية في إطار من التفاوض والحوار وصولاً إلى اتفاق"، واصفاً إياها بـ"موضوع مهم بالنسبة إلينا ونعتبره حياة أو موتاً".
وبدوره يرى الباحث المتخصص بالشؤون الإسرائيلية، "أن العديد من الملفات الضاغطة بالنسبة إلى الجانبين يمكن أن تكون محل تفاهم أوسع خلال الفترة المقبلة"، مشيراً إلى "إمكان التوافق حول دعم إسرائيل موقف دولتي المصب من ضرورة وجود اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي لتجنب الصراع وعدم الاستقرار بالمنطقة، التي تشهد بالفعل اضطرابات متصاعدة، لا سيما منذ اندلاع الحرب بين إقليم تيغراي وحكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد".
وجاءت زيارة "بينيت" بعد يوم من إعلان الجانب الإسرائيلي خطة "الاقتصاد مقابل الأمن" لتنمية قطاع غزة المحاصر منذ الانسحاب الإسرائيلي منه عام 2005، وقدم وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، يوم الأحد، الخطة التي قال إنها "سياسة ضرورية" لمشاركة تل أبيب في إعمار غزة خلال مؤتمر بجامعة هرتسليا، موضحاً أن كلاً من "بينيت" ووزير الدفاع بيني غانيتس يدعمان خطته.
وبدوره، أشار الرئيس المصري، خلال اللقاء، إلى "أهمية دعم المجتمع الدولي جهود مصر لإعادة الإعمار بالمناطق الفلسطينية، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، خصوصاً مع تحركات مصر المتواصلة لتخفيف حدة التوتر بين الجانبين بالضفة الغربية وقطاع غزة"، مؤكداً دعم مصر كل جهود تحقيق السلام الشامل بالشرق الأوسط، "استناداً إلى حل الدولتين وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية، بما يسهم في تعزيز الأمن والرخاء لكل شعوب المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال "بينيت" خلال الزيارة إنه بعد مرور أكثر من أربعة عقود على إبرام معاهدة السلام بين البلدين لا تزال تشكل حجر أساس في أمن الشرق الأوسط واستقراره، مؤكداً "الدور الملموس الذي تلعبه مصر في الحفاظ على الاستقرار الأمني في قطاع غزة وفي إيجاد حل لقضية الأسرى والمفقودين".
توقيت اللقاء
يقول اللواء أحمد الشهابي، المسؤول الأمني السابق ورئيس "المركز الوطني للدراسات" بالقاهرة، "إن وقوع مصر كمحطة ثانية ضمن أول جولة خارجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بعد زيارته العاصمة الأميركية واشنطن، يحمل دلالة واضحة على الأهمية التي تحظى بها مصر في اتجاهات السياسة الخارجية التي يود أن ينتهجها (بينيت)، فضلاً عن ثبات موقعها كطرف يحظى بثقة مختلف أطراف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي"، مبيناً "أنه على الرغم من الأولوية المتقدمة لتثبيت التهدئة في غزة والأراضي الفلسطينية على أجندة المباحثات بين الجانبين، فإن الزيارة تأتي ضمن إطار أوسع للتحركات المصرية التي تستهدف إحياء عملية السلام وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وبما يتضمنه ذلك من خطوات نوعية على صعيد العلاقات الثنائية بين القاهرة وتل أبيب، لتشجيع الجانب الإسرائيلي على جدية الانخراط في عملية السلام وفق الرؤية المصرية والعربية المرتكزة على حل الدولتين".
يضيف الشهابي لـ"اندبندنت عربية"، "إن توقيت مباحثات شرم الشيخ مناسب للغاية من زاوية تسريع بلورة رؤية متكاملة ومحل استجابة من الأطراف المعنية بعملية السلام، في ضوء اقتراب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر الشهر الحالي، وكذا القمة العربية المرتقبة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، إذ سيوفر الحدثان منصة مناسبة للطرح المصري الذي سبقته القمة الثلاثية بين مصر والأردن وفلسطين في القاهرة قبل عشرة أيام من زيارة بينيت".
هل تتجه علاقات مصر وإسرائيل نحو السلام الكامل؟
جاءت الزيارة الأولى لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مصر بعد عشر سنوات على آخر زيارة رسمية قام بها بنيامين نتنياهو إلى شرم الشيخ عام 2011، قبل شهر من رحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة، وقد سجل "بينيت" زيارته الأولى مع مرور العام الأول على اتفاقات ما سمي "السلام الإبراهيمي"، التي وقعتها إسرائيل مع بلدان عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان خلال العام الماضي، وعلى الرغم من مرور عقود على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين القاهرة وتل أبيب، لا تزال تلقى رفضاً شعبياً ومؤسساتياً، في مصر التي يؤكد خطابها دوماً الوقوف الكامل إلى جانب "الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".
ونشرت منصات الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية الناطقة بالعربية وصفحة "رئيس الوزراء الإسرائيلي" على موقع "فيسبوك" تصريحاً في ختام لقائه مع الرئيس المصري في شرم الشيخ، أكد خلاله "بينيت" أن اللقاء كان "مهماً وجيداً"، وركز على "البنية التحتية لإقامة علاقة متينة، تمهيداً لمواصلة الاتصالات بيننا"، لافتاً إلى أن "إسرائيل باتت تنفتح أمام دول المنطقة والأساس للاعتراف الطويل الأمد هذا هو السلام بين إسرائيل ومصر. لذا علينا، في الطرفين، بذل جهود لتعزيز هذه العلاقات وهذا ما قمنا به اليوم".
وبينما حلّق رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى منتجع شرم الشيخ السياحي عبر طيران "إل عال" الإسرائيلي، لا يزال الناقل الوطني في مصر لم يبدأ تسيير رحلاته المنظمة بين البلدين، حسبما تم الاتفاق عليه أخيراً. يقول الدبلوماسي المصري السفير رفعت الأنصاري، الذي عمل لسنوات ممثلاً لبلاده في تل أبيب، في تصريح خاص، إن "العلاقات المصرية-الإسرائيلية يمكن وصفها حالياً بأنها جيدة، لكن في الحدود التي يسمح بها الطرف المصري"، موضحاً "أن هناك نتائج ذات دلالة واضحة لتلك الزيارة وشملت رفع الحظر الأمني على دخول الإسرائيليين إلى سيناء، وهو ما قابلته مصر بالسماح للسيارات الإسرائيلية بالدخول عبر معبر طابا البري، ومن دون تحديد لعدد السيارات المسموح لها بالدخول وعدد أيام الإقامة السياحية".
وأوضح الأنصاري "أنه تم الاتفاق أخيراً على تشغيل رحلات عبر الناقل الرسمي لمصر، أي من خلال (مصر للطيران) بين القاهرة وتل أبيب لتشمل أربع رحلات أسبوعية، عوضاً عن الاعتماد على الطيران الإسرائيلي (إل عال) أو خطوط (إيرسينا) كبديل لاستخدام مصر الخطوط الجوية المعتمدة للدولة التي ترفع علم البلاد". وأشار إلى "أن اللقاء بين السيسي وبينيت في شرم الشيخ حمل بعض الاختلافات البروتوكولية عن العهود السابقة، فصور اللقاء بين وفدي البلدين كان بها ابتسامات وكذا وضع العلم الإسرائيلي بوضوح إلى جانب العلم المصري، على عكس اللقاء الأخير في 2011 الذي لم يوضع خلاله سوى علم مصر".
وبدوره، قال محمد عاصم إبراهيم، السفير المصري سابقاً لدى تل أبيب، "إنه من المبكر القول إن العلاقات بين الجانبين أصبحت طبيعية، فالزيارة موقعها شرم الشيخ، والرئيس المصري كعادة من سبقوه لا يزال لم يسافر إلى إسرائيل، وكذلك لم يأت رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى العاصمة المصرية القاهرة، وهذا يدل على إدراك الجانبين وجود مشاعر شعبية معينة تمنع حدوث تلك الخطوات، وأعتقد أن الزيارة كانت متوقعة لرئيس الوزراء الجديد الذي أنهى لتوه زيارة إلى الولايات المتحدة، ثم جاء إلى مصر، فلعل إدراك بينيت أن إدارة بايدن ربما تكون أقل انحيازاً لإسرائيل من إدارة ترمب دفعه إلى بدء هذا التحرك نحو مصر والدول العربية، لا سيما أن الزيارة تأتي وسط أزمة هروب الأسرى وتصعيد الأمور الميدانية مع قطاع غزة واحتمال وقوع مواجهة جديدة، والجانب الإسرائيلي يدرك أن لمصر دورها في الوقت المناسب، كما يعلم أن الشعب غير مستعد للسلام، وأن غالبية المصريين لديهم مشاعر سلبية وحاجز نفسي عميق نتيجة الممارسات الإسرائيلية في فلسطين".