قبل أقل من أسبوع على موعد الجلسة المخصصة للاستماع إلى المدعى عليه رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب في ملف انفجار مرفأ بيروت، أعاد المحقق العدلي القاضي طارق بيطار تفعيل مذكرة الإحضار بحق دياب، بالتزامن مع إحالة المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان ثلاثة موظفين إلى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، للإدعاء عليهم بجرمي "الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال" في ملف متفرع عن قضية انفجار المرفأ.
وعلمت "اندبندنت عربية" أن المدعى عليهم الثلاثة هم مدير الجمارك اللبنانية بدري ضاهر ورئيس مرفأ بيروت حسن قريطم والموظف في المرفأ نعمة البراكس، وهؤلاء جميعاً ما زالوا موقوفين بجريمة انفجار المرفأ.
مذكرة الإحضار الجديدة التي أصدرها القاضي بيطار بحق رئيس الحكومة السابق ترتكز إلى مضمون السابقة، لكن مع تعديل طاول صفة المدعى عليه إلى رئيس حكومة سابق ومكان إقامته من السراي الحكومي إلى منزله في محلة "تلة الخياط" بعد مغادرته السراي إثر تشكيل الحكومة الجديدة.
دياب أصبح خارج لبنان
مذكرة الإحضار الجديدة بحق دياب لا تزال بحسب المعلومات لدى المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري الذي لم يحلها بدوره إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للتنفيذ.
وتكشف المعلومات أن الموضوع لا يزال قيد الدرس لناحية تحديد الجهة الأمنية التي ستكلف بمهمة تنفيذ مذكرة إحضار دياب نظراً لحساسية الموضوع ودقته، هذا إن نفذت المذكرة، فإحضار دياب للجلسة المحددة في 20 الشهر الحالي قد يكون مستحيلاً بعد مغادرته لبنان إلى الولايات المتحدة عبر الأراضي التركية.
وفيما تردد أن سفر رئيس الحكومة السابق أتى تهرباً من إحضاره واستجوابه أمام المحقق العدلي، أكد دياب في تصريح صحافي أنه توجه فعلاً إلى الولايات المتحدة "لرؤية ولديه هناك حيث يتابعان دراسة الطب في جامعتين أميركيتين وهو في شوق إليهما".
وأوضح أنه سيبقى خارج البلاد لحوالى أربعة أسابيع ليتمكن من رؤية ولديه الموجودين في ولايتين مختلفتين"، واعداً بالعودة بعدها للبنان.
وفي الانتظار، فمن المقرر أن يستكمل بيطار استجواباته مع ضباط الجيش اللبناني في 27 و28 الحالي لتحديد نسب المسؤولية على مستوى أركان قيادة الجيش في حينه لناحية عدم القيام بواجباتهم لدرء الخطر الناجم عن شحنة نترات الأمونيوم، وعُلم أن العميد المتقاعد في مخابرات الجيش اللبناني غسان غرز الدين، سيمثل اليوم أمام المحقق العدلي الذي من المقرر أن يستجوب غداً وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس المدعى عليه أيضاً في القضية.
أما بالنسبة إلى النواب المدعى عليهم، علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، فقد كشفت مصادر قضائية لـ "اندبندنت عربية" احتمال لجوء القاضي بيطار إلى خيارات في الأيام المقبلة قد تتيح له استدعاء النواب المدعى عليهم ولكن بعد نيل الحكومة الثقة، لا سيما أنه بعد نيل الحكومة الثقة الاسبوع المقبل لا يصبح مجلس النواب اللبناني في دورة انعقاد دائمة، وعندها يصبح النواب المذكورون بلا حصانة نيابية، على اعتبار أن الحصانة تكون في دورة الانعقاد العادية التي تبدأ منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
تقرير دولي يكشف المالك الفعلي للنترات
في المقابل، أصدرت مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد OCCRP تقريراً حسمت فيه أحد أكبر الاسئلة العالقة في قضية انفجار المرفأ، من هو المالك الفعلي لشحنة نترات الأمونيوم؟ تضمن التقرير سلسلة وثائق عن شبكة تجارة كيماوية عمرها عقود خاضعة لسيطرة الأوكرانيين ومخبأة وراء وكلاء وشركات وهمية، وفي التحقيقات الاستقصائية التي أجراها الصحافيون أعضاء المؤسسة تبين أن شركة غير مقيدة ومسجلة في لندن تدعى Savaro Ltd استأجرت الشحنة التي تزن 2750 طناً في عام 2013، وكانت تعتزم إرسالها من جورجيا إلى مصنع متفجرات في موزمبيق. ويذكر التقرير أن اكتشاف مالك شركة سافارو كان تحدياً كبيراً بعدما تم اخفاء المساهمين الحقيقيين للشركة خلف المديرين والمساهمين المرشحين في الخارج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوصلت التحقيقات إلى رجل الأعمال الأوكراني فولوديمير فيربونول الذي كان يمتلك شركة تحمل الاسم نفسه في مدينة دنيبرو، لكنه أنكر أي صلة له بشحنة بيروت.
واستناداً إلى سلسلة وثائق تبين أن Verbonol كانت بالفعل وراء Savaro، وذكر تقرير OCCRP أيضاً أن الشركة كانت جزءاً من شبكة أعمال أكبر تتاجر في نترات الأمونيوم ذات الجودة التقنية من النوع المستخدم في صنع المتفجرات.
دعوى لبنانية في بريطانيا ضد Savaro
يحدد التقرير الصادر عن OCCRP أن مقر الشركات العاملة ضمن الشبكة التي تتاجر بالنترات في مدينة دنيبرو بأوكرانيا، وهي مملوكة ومدارة من قبل شبكة من رجال الأعمال بما في ذلك Verbonol ، لكنها أخفت عملياتها وراء ما لا يقل عن ستة أسماء تجارية والعديد من الشركات الوهمية التي تغطي إنجلترا واسكتلندا ومنطقة البحر الكاريبي وأوكرانيا وجنوب المحيط الهادئ والولايات المتحدة الأميركية.
باعت الشبكة الأسمدة والمواد الكيماوية إلى البلدان الأفريقية منذ العقد الأول من القرن الـ 21 على الأقل، ويذكر التقرير أن الشبكة أرسلت ما لا يقل عن ثلاث شحنات أخرى من نترات الأمونيوم إلى الوجهة المقصودة في موزمبيق عام 2013.
وتواصل شركة أوكرانية واحدة على الأقل في الشبكة تسويق البضائع عبر الإنترنت، بما في ذلك الأسمدة، وقام اثنان من مقدمي الخدمات الخارجيين الذين يعملون مع عملاء في الجمهوريات السوفياتية السابقة Interstatus ومقرها قبرص ومجموعة Alpha and Omega من وكلاء التكوين في المملكة المتحدة، بتسهيل عمليات الشبكة لسنوات.
وخلال الشهر الماضي رفع محامون من بينهم وزير العمل السابق كميل أبو سليمان دعوى قضائية ضد سافارو في المملكة المتحدة نيابة عن نقابة المحامين في بيروت وضحايا الانفجار، متهمين الشركة بتحمل مسؤولية كبيرة عن الكارثة.
الرابط بين Savaro Ltd البريطانية و Verbonol الأوكرانية
بواسطة أدلة تم العثور عليها في سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني كان أرسلها ممثل الشركة بعد توقيف الباخرة في بيروت، تمكن المراسلون العاملون في مؤسسة مكافحة الفساد والجرائم المنظمة من ربط شركة Savaro Ltd و Agroblend Exports (BVI) Ltd بشبكة Verbonol .
وعلى الرغم من إخفاء ملكية النطاق من طريق خدمات إخفاء الهوية عبر الإنترنت، وجد المراسلون أن موقع savaro.com شارك خادم بريد إلكتروني مع موقع الويب لفرع سافارو الأوكراني، كما أنها تشاركت في I.P. العنوان المستخدم من قبل فرع سافارو في أوكرانيا، وكذلك مع المواقع الأخرى المرتبطة بشركات خارجية في الشبكة التي تعلن عن الأسمدة والمواد الكيماوية الأخرى في لاتفيا والولايات المتحدة.
ويكشف التقرير الاستقصائي أن Verbonol وشركاءه الأوكرانيين توقفوا عن الإعلان في مرحلة ما عن الأسمدة عبر الإنترنت بأسمائهم الخاصة، وانتقلت Savaro في أوكرانيا في تقديم نفسها كبائع للآلات والمعدات، وبعد ذلك كمزود لخدمات تطوير البرامج والويب، ومع ذلك استمرت المواقع المرتبطة بالهيكل الخارجي في تسويق المواد الكيماوية.
وينقل التقرير عن موظف سابق بشبكة سافارو كان يعمل في الشركات الأوكرانية في وقت قريب من شحنة Rhosus ، لـ OCCRP أنه لم ير أدلة كافية على قيامهم بأعمال تقنية المعلومات، وأن مبيعات الأسمدة ظلت الجزء الرئيس من أعمالهم.
وتظهر التحقيقات أن شركة Savaro أرسلت عام 2013 أكثر من 17000 طن من نترات الأمونيوم في ثلاث شحنات منفصلة إلى Beira موزمبيق. كما كانت السفينة روسوس متجهة إلى بيرا قبل احتجازها في ميناء بيروت.
وأخبرت الشركة الموزمبيقية نفسها التي كان من المفترض أن تستقبل شحن Rhosus ، Fábrica de Explosivos de Moçambique ، OCCRP أنها اشترت شحنتين أخريين من سافارو عام 2013، تبلغ قيمتها ما يقارب 11000 طن من نترات الأمونيوم التقنية، والتي تستخدم عادة في صنع المتفجرات.
سافارو وشبهات سورية
في سياق متصل، حقق الصحافيون والمحققون العاملون في OCCRP في احتمال أن تكون شحنة نترات الأمونيوم لم يكن يفترض أن تذهب إلى موزمبيق، بل تركت في بيروت عمداً لتهريبها إلى سوريا واستخدامها في صنع متفجرات.
وعزز هذه الفرضية ما كشفته سابقاً مؤسسة الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، من أن المجموعة الموزمبيقية التي طلبت نترات الأمونيوم تم التحقيق معها سابقاً بتهم تهريب السلاح.
وكشف أيضاً أن مالك السفينة القبرصي مدين لبنك الشرق الأوسط الفيدرالي FBME، هو مصرف في تنزانيا وقبرص يمتلكه إخوة لبنانيون، اضطر إلى وقف عمله بعدما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنه بنك "يعمل بشكل رئيس في غسل الأموال"، وتقديم خدمات للحكومة السورية وحليفها المسلَح في لبنان حزب الله. والمعلوم أن من بين عملاء بنك الشرق الأوسط الفيدرالي شركاء لحزب الله، وشركة يزعم أنها مرتبطة ببرنامج أسلحة الدمار الشامل السوري.
وبحسب تقرير OCCRP فإن الشركة القبرصية "إنترستاتوس" ومجموعة "ألفا آند أوميغا" برزتا ضمن الشركات التي رُشحت لتسجيل شركات تنتمي إلى رجل الأعمال الموالي للنظام السوري جورج حسواني ورجل الأعمال السوري - الروسي عماد خوري، الذي يقال إن شقيقه مدلل خوري يعمل وسيطاً بين النظامين السوري والروسي.
ويستند تقرير الـ OCCRP إلى ما خلص إليه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي من أن 20 في المئة فقط من حمولة روسوس من نترات الأمونيوم انفجرت، مما أثار تساؤلات حول مصير الـ 80 في المئة الأخرى، وما إذا كانت تمت سرقتها من مرفأ بيروت.
وأبقت شركة "هيسكو" لأعمال الهندسة والبناء التي كان يمتلكها حسواني في وقت ما على سجلها التجاري في العنوان البريطاني ذاته المسجلة به شركة "سافارو المحدودة"، ثم نقل موقع تسجيل الشركتين مرتين في اليوم ذاته، مرة عام 2008 وأخرى عام 2011.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على كل من حسواني والأخوين خوري لدعمهما نظام بشار الأسد، واستهدف مدلل خوري أيضاً بالعقوبات لمحاولته شراء نترات الأمونيوم لحكومة الأسد عام 2013، وهو العام ذاته الذي وصلت فيه السفينة روسوس إلى بيروت.
ووفقاً لتقرير صدر عن شركة "إرنست آند يونغ" عام 2014، أحال الأخوان خوري في كثير من الأحيان معاملات العملاء إلى بنك الشرق الأوسط الفيدرالي FBME الذي كان مالك السفينة روسوس مديناً له، وكانت شركة "هيسكو" أيضاً من عملاء المصرف ذاته، وكان حسواني والأخوان خوري نفوا صلتهم بشحنة السفينة روسوس.