شهد الأسبوع الجارى ذكرى مرور 20 عاماً على أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي تمثل نقطة تحول في سياسة الخارجية الأميركية، وعلاقتها بالعالمين العربى والإسلامى. فقد دفعت أحداث سبتمبر إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إلى تبني حرب عالمية على الإرهاب، قوامها بناء أنظمة سياسية بديلة للقائمة التى اعتبرتها تهديداً للأمن القومي الأميركى. وكان في الأجندة الأميركية كل من أفغانستان والعراق، تم إسقاط نظاميهما على التوالى بالقوة العسكرية الأميركية. وللمفارقة فإن النظامين مثّلا خصمين إقليميين لإيران. هنا، يُطرح السؤال هل كانت أحداث 11 سبتمبر فرصة لإيران أم شكّلت بالنسبة إليها تهديداً بتغيير نظامها السياسى على غرار البلدين الآخرين؟
فى هذا المقال، نتناول كيف أثر إسقاط نظام حركة "طالبان" فى أفغانستان على العلاقات الإيرانية- الأميركية منذ عام 2001.
فرضت أحداث 11 سبتمبر مساراً جيوسياسياً جديداً بالكامل للسياسة الخارجية الإيرانية، في المسرحين الرئيسيين لأمنها، وهما الخليج العربى ومنطقة آسيا والقوقاز.
بين عشية وضحاها، وجدت الولايات المتحدة نفسها تستعد لخوض حرب في الشرق الأوسط، والأهم من ذلك أن مسار عمل الإدارة للتعامل مع العالم خضع لتحول شامل. فالتغيير المفاجئ في المشهد يعني أن التهديد الذي يشكله النظام السياسي الإيرانى القائم على حكم دينى تضاءل أمام الخطر الوجودي للهجمات الإرهابية على الأراضى الأميركية، وتطلب العداء بين الدولتين إعادة النظر في ضوء مقتضيات ما بعد الهجوم.
كان رد الفعل الإيراني في أعقاب الهجمات، أن توقفت لفترة تصريحات رجال الدين الإيرانيين والأصوليين المنادية بالموت لأميركا. أما الإصلاحيون فقد قدموا تعازيهم القلبية إلى الشعب الأميركي، ونددوا بتنظيم "القاعدة" واستخدام الإرهاب ضد الأميركيين. وعلى مدار الأسابيع والأشهر اللاحقة، قدمت طهران مساعدة لوجستية للحملة الأميركية ضد "طالبان" وتعاونت بشكل وثيق مع واشنطن في تشكيل حكومة أفغانية جديدة. وبدا الطريق مفتوحاً أمام حل القطيعة بين البلدين وعودة إيران إلى المجتمع الدولي. أي أن إيران حاولت الاستفادة من إسقاط الولايات المتحدة خصماً إقليمياً لها هو "طالبان"، ولم ترد أن تضيع فرصة التعاون مع الإدارة الأميركية التى تعتبرها تهديداً.
ومع إعلان الإدارة الأميركية خلال إدارة بوش الابن الحرب على الإرهاب، تم التعامل مع إيران باعتبارها الدولة الرئيسية الداعمة للإرهاب. وبعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، كانت إيران فى مركز اهتمام التحديات الأمنية الأميركية، لا سيما أن إيران كانت تسعى بنشاط لتأكيد تأثيرها في الدول المجاورة. فصنفت الولايات المتحدة إيران ضمن محور الشر. وفي عام 2006، عندما أصبح أحمدي نجاد رئيساً لإيران كان على رأس قائمة المخاوف الأمنية الأميركية، فاستخدمت واشنطن ملف حقوق الإنسان في إيران، ووضعت وزارة الخارجية الأميركية قائمة للمنظمات التى تدعمها إيران باعتبارها جماعات إرهابية. واكتسبت المواجهة بين الطرفين زخماً دولياً. ومع فشل جولات المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وإيران في تلك الفترة والمرتبطة بالملف النووي، كان يتم فرض مزيد من العقوبات على إيران.
وكجزء من هذه التحولات الدراماتيكية، وجدت واشنطن وطهران نفسيهما فجأة في منطقة غير مألوفة، مع تقاطع مصالح غير مقصود وغير متوقع فى أفغانستان.
فإيران كانت على مدار التسعينيات من أبرز المعارضين لحركة "طالبان"، التي تناصب العداء لإيران الشيعية، وأدت مشاركتها في إنتاج المخدرات وتجارتها إلى تفاقم المشكلات الأمنية لإيران.
وأفضت الرغبة لدى إيران في التعاون مع الحرب الأميركية ضد "طالبان" إلى تعاون تاريخي واسع النطاق مع الولايات المتحدة سهل قبول طهران استخدام مجالها الجوي، إضافة إلى المساعدة التكتيكية في إنشاء خطوط الإمداد. وفي القدر نفسه من الأهمية، كان التعاون السياسي، إذ كانت للإيرانيين علاقات وثيقة وطويلة الأمد مع الخصم الداخلي الأساسي لحركة "طالبان"، التحالف الشمالي. وعلى مدار الثمانية عشر شهراً التى تلت الحرب الأميركية، أنتج الاتصال المباشر بين واشنطن وطهران بشأن أفغانستان تعاوناً تكتيكياً فى عملية إنشاء واستقرار حكومة ما بعد "طالبان" في كابول. وعرضت طهران أيضاً في أوقات مختلفة المشاركة في برنامج تدريبي بقيادة الولايات المتحدة للجيش الأفغاني وإطلاق حوار مع واشنطن لمكافحة الإرهاب.
مع ذلك، لا يعنى الأمر أن العلاقات الأميركية- الإيرانية كانت متناغمة. فقد طلبت الولايات المتحدة من إيران تسليم عناصر تنظيم "القاعدة" ولم تنجح محاولاتها. لكن المحادثات بين العاصمتين وفرت قناة لا غنى عنها للحوار بينهما.
ومع ذلك، حتى مع استمرار تلك المحادثات غير المسبوقة، بدأت قضية تعزيز الديمقراطية تلوح في الأفق بشكل أكبر بالنسبة إلى واشنطن، التى اعتبرت أن هجمات 11 سبتمبر عامل رئيسي فيها غياب الديمقراطية فى الشرق الأوسط. ما دفع الرئيس الأميركي الذي شن حملة هدفها التحول الشامل لسياسات الشرق الأوسط كي يحافظ على الأمن الأميركي ويحاصر العنف والإرهاب والتطرف في العالم.
بالنسبة إلى سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، فإن التركيز على حقوق الإنسان والديمقراطية كأساس للسياسة الخارجية الأميركية قد قضى على أي احتمال بأن توفر المصالح الأمنية المشتركة ومعها الحوار والتنسيق فرصة لحل الخلاف وإنهاء العداء بينهما.
وعلى الرغم من أن شمول خطاب بوش الابن إيران ضمن محور الشر أغضب الإيرانيين، إلا أن ذلك لم يؤد إلى إنهاء الحوار الثنائي بشأن أفغانستان، إذ أظهرت طهران قدرتها على إعطاء الأولوية للمصالح وليس لغضبها من واشنطن أو للأيديولوجيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فى الوقت نفسه، اندلعت قضية الطموحات النووية الإيرانية، وتميزت هذه الفترة بشد الحبل بين إيران التي بدت مصممة على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من برنامجها النووي مع انتزاع أكبر قدر ممكن من الإغراء لأي تنازلات، وبين المفاوضين الأوروبيين الذين أصيبوا بالإحباط بسبب المماطلة الإيرانية. وخلال الأزمة النووية المتصاعدة بين إيران والأوروبيين، ظلت واشنطن بعيدة عن المفاوضات بينهما، لكنها واصلت الضغط من أجل اتخاذ تدابير أكثر قوة، لا سيما إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وعكس عدم رغبة واشنطن في المشاركة في المفاوضات النووية المبكرة مع طهران قرار إدارة بوش برفض أي اتصال مباشر مع الحكومة الإيرانية. ورفضت الولايات المتحدة عرضاً للقناة الخلفية من مسؤولين إيرانيين سعوا إلى استكشاف احتمالات "صفقة كبرى" بين البلدين.
وأدت المفاوضات النووية إلى تحول في موقف واشنطن تجاه المحادثات، التي كانت منذ عام 2003 في حدود العداء الصريح. في 2005، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أن واشنطن ستقدم حوافز بما في ذلك بيع أجزاء محظورة للطائرات المدنية، كوسيلة لتعزيز الموقف التفاوضي الأوروبي. لكن، عشية تنصيب محمود أحمدي نجاد، ألغت إيران تنازلاتها الطوعية بشأن البرنامج النووي، ودخلت المواجهة مرحلة جديدة أكثر تعقيداً.
في عام 2006، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنضم إلى الدول الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، في حوار رسمي مع إيران، بشأن الملف النووي. وسهّل الانضمام الأميركي للمفاوضات هدفاً مشتركاً بين الأوروبيين وواشنطن بشأن الضغط على طهران. وابتداءً من ديسمبر (كانون الأول) 2006، ساعدت واشنطن في إنتاج أربع مجموعات متتالية من عقوبات مجلس الأمن الدولي، التي كان لها تأثير كبير ومتزايد على الاقتصاد الإيراني. وتم تضخيم هذه الإجراءات من خلال العقوبات الأميركية أحادية الجانب على المؤسسات المالية الإيرانية التي تم تبنيها بموجب أحكام مكافحة الإرهاب ومكافحة الانتشار التي تم إقرارها في أعقاب 11 سبتمبر. وبسبب ترابط النظام المالي العالمي، فإن هذه الإجراءات أحادية الجانب تنقل التزامات ضمنية على المؤسسات غير الأميركية والدول الثالثة التي لها مصالح في الولايات المتحدة.
وأُتم الاتفاق النووي فى ظل إدارة باراك أوباما، وخروج الولايات المتحدة منه أيام الرئيس دونالد ترمب، مما يجعل ملف المفاوضات مع إيران يراوح مكانه. لكن، بشكل عام، فإن تداعيات هجمات 11 سبتمبر قدمت فرصة كبيرة لإيران بإسقاط أهم خصومها الإقليميين، أي حركة "طالبان".