زار رئيس وحدة التنسيق والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وعدداً من القضاة، من بينهم قضاة في النيابة العامة التمييزية المكلفين النظر بالدعاوى المقدمة على سياسيين وأمنيين متهمين في قضية انفجار مرفأ بيروت. سُرّب خبر الزيارة بواسطة الإعلام، علماً أن تنقلات صفا هي دائماً سرية ولا يتم الإبلاغ عنها إلا إذا ما أراد "حزب الله" وإعلامه الكشف عنها.
لم تكن الزيارة بحد ذاتها المفاجأة، بل ما كشف عنه لاحقاً الإعلامي إدمون ساسين على صفحته الخاصة، مغرداً عن مضمون "رسالة تهديد". وكتب ناقلاً ما قاله صفا "واصلة معنا منك للمنخار، رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني، وإذا ما مشي الحال رح نقبعك، فكانت إجابة بيطار: فداه، بيمون كيف ما كانت التطييرة منو".
لم يصدر أي نفي عن "حزب الله" والتزم القاضي طارق بيطار الصمت، ولم يردّ على المتصلين به للاستفسار، وكذلك فعل رئيس مجلس القضاء الأعلى، فيما تولّى الصحافي ساسين الرد على مناصري الحزب ومنهم زملاء له من التلفزيون التابع للأخير الذين نفوا الكلام التهديدي المنسوب إلى صفا في حق بيطار. وغرد ساسين، كاشفاً عن أن "النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات طلب من المحقق العدلي طارق البيطار إعداد تقرير حول ما يتم تداوله عن رسالة شفهية وصلته بالواسطة من السيد وفيق صفا".
لماذا زار صفا قصر العدل؟
لا يمكن وصف زيارة صفا، رجل الأمن الأول في "حزب الله" إلى قصر العدل بالزيارة الطبيعية، ولا يمكن أن يكون طابع الزيارة سياسياً أو قضائياً أو حتى بروتوكولياً، بل هي زيارة ذات دلالات ومعانٍ أمنية بامتياز. بحسب مصادر قضائية، لم يكُن اللقاء بين صفا ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي عبود مريحاً ولم تتخلله أجواء إيجابية. وفيما تكتمت المصادر عن كشف تفاصيل ما دار في اللقاء، يبقى المؤكد أن زيارة مسؤول "حزب الله" إلى قصر العدل، واجتماعه بعدد من القضاة المعنيين بالدعاوى المقدمة من بيطار، لا يمكن فصلها عن السياق الذي تعاطى فيه "حزب الله" مع ملف انفجار المرفأ والتحقيقات فيه من أيام القاضي فادي صوان وصولاً إلى القاضي بيطار. فالأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله لم يوفّر بيطار في أي إطلالة له، مكرراً نقد مسار التحقيقات التي اعتبرها مسيسة وغير عادلة، وصولاً إلى حد تخيير بيطار بين تغيير مسار التحقيقات أو تغييره تحت عنوان الارتياب المشروع. وفي جلسة الثقة في مجلس النواب، اتهم عضو كتلة "حزب الله" النائب حسن فضل الله القضاء بأنه ممسوك وتابع. لكن السؤال لماذا لم يكتفِ الحزب بكلام أمينه العام وأراد إيصال الرسالة بالمباشر ومن خلال مسؤول أمني رفيع؟ فهل هذا يعني أن "حزب الله" يمكن أن ينتقل من مرحلة التهديد والتحذير إلى مرحلة التنفيذ؟
تهديد بيطار يذكّر بتهديد آخر
في معرض الدفاع، يؤكد الصحافي في تلفزيون "المنار" التابع لـ"حزب الله" عباس فنيش أن أسلوب الكلام المنقول عن صفا ليس أسلوبه ولا أسلوب "حزب الله"، الذي "في عز اشتباك المحكمة الدولية لم يتكلم كلاماً كهذا". لكن واقعة زيارة المسؤول في "حزب الله" إلى قصر العدل تعيد إلى الأذهان زيارة مماثلة قام بها إلى مقر المحكمة العسكرية عام 2008، إذ التقى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية آنذاك القاضي صقر صقر، الذي كان يحقق في قضية اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري ورفاقه. لم يكُن اللقاء عادياً، بحسب ما يؤكد مصدر قضائي لـ "اندبندنت عربية". وقد حصل بعد أسبوع على أحداث السابع من مايو (أيار) 2008، عندما دخل عناصر "حزب الله" إلى العاصمة بيروت. ويكشف مصدر قضائي عن أن صفا أبلغ صقر باسم الأمين العام للحزب وبصيغة الأمر، بإخلاء سبيل الضباط الأربعة الأمنيين الذين كانوا موقوفين في قضية اغتيال الحريري. وينقل مطلعون على وقائع تلك الزيارة أن صفا قال لصقر "بدك تخلي سبيل الضباط، وما قبل 7 أيار ليس كما بعده". وعندما سأله صقر "هل هذا تهديد؟"، أجابه صفا "فلتفهمها كما تريد".
لماذا يرتاب "حزب الله" من تحقيقات المرفأ؟
زيارة صفا إلى قصر العدل أضاءت بشكل مباشر على مدى انزعاج "حزب الله" من تحقيقات بيطار. فكان السؤال الثاني المطروح "لماذا يرتاب حزب الله من تحقيقات المرفأ؟". والجواب، بحسب البعض، أن ادعاءات القاضي بيطار وقبله صوان، طاولت حلفاء للحزب وقيادات أمنية، يمكن أن يؤدي توقيفها إلى توسيع رقعة الاتهامات لتطاول "حزب الله"، لا سيما بعدما بلغ الحزب أن القاضي بيطار مستمر في ادعاءاته على المرتكبين والمتهمين ولن يتراجع حتى توقيفهم. وهو بحسب ما تكشف مصادر قضائية لديه أدلة دامغة عن تورط بعضهم، ومنهم أحد القادة الأمنيين المدعى عليه بعدما اكتشف القاضي بيطار أنه كان يعطي الأوامر بتغيير الدوريات التي كانت مسؤولة عن حماية المرفأ ومحيط العنبر الرقم 12 كلما كانت تحصل عملية نقل النيترات من المرفأ. والمعلوم أن التحقيقات الدولية ومنها تحقيق المكتب الفيدرالي توصلت إلى أن الكمية التي انفجرت من النيترات لا تتخطى الـ500 طن من أصل 2750 كانت أدخلت إلى المرفأ. ويضع بعض المطلعين على القضية أسباب ارتياب الحزب أيضاً بعلاقته الوطيدة ببعض المُدّعى عليهم من قبل بيطار، ويعتمد "حزب الله" على تولّيهم مراكز متقدمة في المرحلة المقبلة، وأي ضربة لصورتهم ستُعدّ إصابة مباشرة لما يخطط له الحزب.
التسريبات مقصودة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبقى سؤال ثالث لا بد من طرحه لمجرد معرفة السرية التامة والكتمان اللذين يحيطان عادة تحركات مسؤولي "حزب الله" ومن بينهم صفا. فمن هي الجهة التي سرّبت خبر زيارة صفا إلى قصر العدل وذهبت إلى حد الكشف عن بعض ما جاء في لقاءاته في مقر ميزان العدالة. لمعرفة الجهة وغرضها يجب معرفة الأسباب، هل كان المقصود تخريب مفاعيل الزيارة وتشكيل حماية رادعة للقاضي بيطار، أم كان المقصود من التسريب قول "حزب الله" للحلفاء المُدّعى عليهم إنه حاول كل ما باستطاعته مع القضاء، على قاعدة "اللهم إني بلغت"؟
هل يلجأ الحزب إلى خطوة تنحية بيطار؟
عندما قررت محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الجراح كفّ يد المحقق العدلي القاضي صوان عن التحقيقات في انفجار المرفأ، على خلفية طلب الوزيرين السابقين المُدّعى عليهما غازي زعيتر وعلي حسن خليل نقل الدعوى إلى قاضٍ آخر، رحب "حزب الله" وحلفاؤه بقرار محكمة التمييز. ولا تستبعد مصادر قضائية أن يلجأ إلى إجراء كهذا، تنفيذاً لما سبق وهدد به الأمين العام للحزب بشكل علني عندما تحدث عن تغيير القاضي، علماً أن قرار التنحية قد يكون من الصعب تحقيقه هذه المرة، أولاً لانتفاء الأسباب التي استندت إليها محكمة الاستئناف ضد صوان وعدم احترامه أصول رفع الحصانات كما فعل القاضي الحالي بيطار، وثانياً لأن القاضية رندة كفوري، رئيسة محكمة التمييز بالوكالة يُشهد لها بنزاهتها وصرامتها وقوتها، وهي مرشحة أن تصبح رئيسة محكمة التمييز بالأصالة فور حصول التشكيلات القضائية.
بيطار ماضٍ ولن يتراجع
يستعد القاضي بيطار لاستكمال مرحلة التحقيقات والاستجواب وهو حدد موعد 30 سبتمبر (أيلول) الحالي لاستجواب الوزير السابق علي حسن خليل، والأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لاستجواب الوزيرين السابقين غازي زعيتر ونهاد المشنوق كمُدّعى عليهم وكان سبق وحدد الرابع من أكتوبر موعداً جديداً للاستماع إلى رئيس الحكومة السابق حسان دياب الموجود في الولايات المتحدة الأميركية، بعدما قرر القاضي بيطار إبلاغه لصقاً موعد جلسة استجوابه.
وفيما حددت جلسة ثانية في 28 سبتمبر للاستماع إلى قائد الجيش السابق جان قهوجي، على أن يتخذ قراره بعد استكمال استجواب مسؤولين عسكريين سابقين في المرحلة الفاصلة بين جلستي التحقيق الأولى التي حصلت في 13 سبتمبر والثانية المحددة في 28 سبتمبر، لم يتخذ أي قرار بشأن طلب استدعاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لأمن الدولة أنطوان صليبا، والمرجح أن يرسل طلب استدعاء جديد بعد تسلّم وزير الداخلية الجديد القاضي بسام المولوي مهمات الوزارة مع تشكيل حكومة "معاً للإنقاذ".