تشير المعطيات القائمة إلى استمرار العديد من المخاوف من آثار تفشي سلالة "دلتا" في أنحاء مختلفة في العالم بخاصة في ما يتعلق باستدامة تعافي الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي والمقبل، حيث أعادت بعض الحكومات في الفترة الأخيرة فرض إغلاق جزئي للاقتصاد للحد من انتشار فيروس كورونا، ما يثير المخاوف من أن تحد تلك التطورات من نمو الطلب العالمي على النفط حتى نهاية العام.
حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى تعاف كامل في الطلب العالمي على النفط، وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة هبطت بمقدار 3.5 مليون برميل إلى 413.96 مليون برميل، وهو أدنى مستوى لها منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2018. وارتفعت معدلات تشغيل مصافي التكرير في منطقة الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأسبوع الماضي إلى 93 في المئة، أعلى مستوى منذ مايو (أيار) 2019.
في الوقت نفسه، تراجعت وكالة الطاقة الدولية عن توقعات سلبية في الشهر الماضي، وذكرت في تقريرها الشهري توقعات إيجابية على نحو واسع للطلب في الربع الرابع من العام الحالي، كما تعتقد بنوك عالمية وبخاصة "غولدمان ساكس" أن حلول فصل الشتاء، الذي يتوقع معه أن يكون الأكثر برودة في الأعوام الأخيرة، قد يتسبب في تسجيل مستوى أسعار للنفط الخام أعلى من المتوقع في نهاية هذا العام مع احتمال وصول النفط إلى 85 دولاراً للبرميل في الربع الرابع.
لماذا لا تفضل الإدارة الأميركية ارتفاع أسعار النفط؟
في السياق ذاته، أعاد محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" تأكيد الدور الحيوي للنفط في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، مشيراً إلى أن الاستثمار مطلوب لتلبية الاحتياجات العالمية المتزايدة والمتوقعة، كما سلط الضوء على الحاجة إلى معالجة فقر الطاقة والوفاء بالالتزامات العالمية لتوسيع الوصول إلى الطاقة.
وأشار إلى أهمية إصدار "أوبك" المرتقب وهو تقرير آفاق النفط العالمي 2021، لافتاً إلى أن النفط والغاز الطبيعي معاً سيستمران في توفير أكثر من نصف احتياجات العالم من الطاقة حتى 2045 مع حصة للنفط عند نحو 28 في المئة يليه الغاز بنسبة 24 في المئة.
وكشف تقرير حديث لشركة "وورلد أويل"، أن أسواق النفط الخام ما زالت تعاني التوترات وغياب التوازن والاستقرار، وهو ما يزيد من حدة التقلبات، لكن بشكل عام السوق أقرب إلى وتيرة الصعود، وأشار التقرير إلى أنه يتم تداول منتجات، مثل "البروبان" المستخدمة في التدفئة بأعلى مستوياتها منذ أعوام عدة بسبب الارتفاع الموسمي للطلب في فصل الشتاء في أوروبا والولايات المتحدة ونصف الكرة الشمالي، إضافة إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي.
ولفت التقرير أيضاً إلى أن أسعار النفط الخام حققت مكاسب أسبوعية للمرة الرابعة على التوالي بسبب معنويات السوق الإيجابية، وكانت مدعومة بعلامات على تضييق السوق بسبب تعافي الطلب، وهو ما أدى إلى انتعاش أوسع في أسعار الطاقة، وأوضح أن خام غرب تكساس الوسيط انخفض، في ختام تعاملات الأسبوع الماضي، لكنه ارتفع بنحو أربعة في المئة على أساس أسبوعي، حيث كان المستثمرون يتتبعون الارتفاعات القوية في سلع الطاقة الأخرى، بخاصة الغاز الطبيعي الذي قفز بنحو 45 في المئة، حتى الآن خلال هذا الربع، ما حفز احتمال تسارع وتيرة التحول في مجال الوقود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر التقرير أن أسعار النفط الخام تلقت دعماً قوياً أيضاً على إثر تسجيل مخزونات النفط الخام والبنزين في الولايات المتحدة مزيداً من الانخفاضات المؤثرة، وأن ارتفاع الأسعار يقابل بمؤشرات متزايدة إلى أن الإدارة الأميركية أصبحت غير مرتاحة للتأثيرات غير المباشرة لصعود الأسعار، وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن إدارته تدرس تداعيات وتأثيرات ارتفاع أسعار البنزين في الاقتصاد الوطني، بينما قالت الصين هذا الأسبوع، "إنها ستبيع جزءاً مهماً من احتياطها الاستراتيجي من النفط الخام".
متحور "دلتا" قد يعصف بحجم الطلب العالمي
في المقابل، تشهد الإصابات العالمية بمتحور "دلتا" تصاعداً كبيراً في الأشهر الأخيرة، على نحو اضطر الحكومات لفرض قيود جزئية على النشاط الاقتصادي في بعض المدن الكبرى، ومن المرجح أن تؤثر تلك التطورات سلباً على تعافي الاقتصاد العالمي، ويثير التفشي السريع لمتحور "دلتا" في العديد من دول العالم مزيداً من المخاوف بشأن تعافي الاقتصاد العالمي من الجائحة، لا سيما في ظل عدم العدالة في توزيع اللقاحات بين الدول المتقدمة والنامية، إذ تم تطعيم نحو 40 في المئة من السكان في الاقتصادات المتقدمة، مقارنة بـ11 في المئة في اقتصادات الأسواق الناشئة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
كما نذر التفشي السريع لمتحور "دلتا" باحتمال تحقق سيناريو المخاطر، وفقاً لصندوق النقد الدولي، والذي يشير إلى احتمال فقدان 4.5 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2025، حال تفشي سلالات شديدة العدوى من الفيروس. وفي الوقت الحالي، من المتوقع أن تبدأ تداعيات ظهور المتحور "دلتا" على أكبر الاقتصاد العالمية، ومنها الاقتصادان الأميركي، والصيني، وقد تراجع أداء العديد من المؤشرات والبيانات الاقتصادية لتلك الدول.
توقعات النمو الاقتصادي
بالنسبة للاقتصاد الأميركي، فقد تسبب تفشي متحور "دلتا" في تراجع توقعات النمو الاقتصادي، وتباطؤ معدلات التوظيف، فقد أضاف الاقتصاد الأميركي حوالى 235 ألف وظيفة خلال أغسطس (آب) 2021، مقارنة بنحو 1.053 مليون وظيفة في يوليو (تموز) 2021. وكان بنك "غولدمان ساكس" قد خفض توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي في الربع الثالث من عام 2021 إلى 5.5 في المئة بدلاً من 9 في المئة.
كما خفض من توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني في الربع الثالث من عام 2021 إلى 2.3 في المئة بدلاً من 5.8 في المئة. وتراجع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الصيني خلال الشهر الماضي ليصل إلى 49.2 نقطة مقابل 50.3 نقطة في يوليو الماضي، وكذلك، تراجع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في الهند ليسجل 52.3 نقطة مقابل 55.3 نقطة في يوليو الماضي.
توقعات سلبية لحجم الطلب العالمي
وتستحوذ اقتصادات الولايات المتحدة الأميركية والصين، إلى جانب الهند على قرابة 40 في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي المتوقع للنفط في 2021، وبالتالي، فإن أداءها الاقتصادي ينظر إليه كأحد المحركات المهمة في جانب الطلب العالمي على النفط، ومن ثم يمكن أن يتأثر الطلب العالمي للنفط في العام الجاري مع تباطؤ اقتصادات تلك الدول. وفي ظل تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي الناجم عن تفشي سلالة "دلتا"، خفضت المنظمات الدولية، مثل "أوبك" والوكالة الدولية للطاقة، من توقعاتها لنمو الطلب على النفط العالمي على النفط حتى نهاية العام.
وبالنسبة لـ"أوبك"، فقد قلصت توقعات الطلب على النفط في الربع الأخير من 2021 إلى 99.7 مليون برميل يومياً، وذلك بانخفاض حوالى 100 ألف برميل يومياً عن التقديرات السابقة، وسيبلغ متوسط الطلب العالمي على الخام في العام كله نحو 96.8 مليون برميل يومياً، بينما قلصت الوكالة الدولية للطاقة من توقعاتها لنمو الطلب على النفط في العام الجاري بنحو 100 ألف برميل يومياً، ليصل إلى 96.2 مليون برميل يومياً.
تباطؤ نمو الطلب العالمي
ووفق وكالة الطاقة الدولية، فقد دفع تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط بسبب متحور "دلتا" أسعار النفط للنزول في بداية أغسطس الماضي، ووصلت أدنى مستوى لها عند 65 دولاراً للبرميل في 20 من الشهر نفسه، ولكن مع التراجع المفاجئ للإنتاج الأميركي من النفط بسبب الأعاصير التي ضربت سواحل خليج المكسيك، عاودت الأسعار ارتفاعها مجدداً. وخلال الفترة الماضية، تسبب إعصار "أيدا" في خروج نحو 1.5 مليون برميل من السوق الأميركية، ويمكن أن يؤدي إلى خسائر إجمالية في إنتاج النفط تصل إلى 30 مليون برميل.
كما يمثل هبوب العاصفة الاستوائية "نيكولاس" تهديداً آخر لعمليات إنتاج النفط الأميركي، الأمر الذي سيبقي على زخم الأسعار لفترة، لكن سرعان ما ستتلاشى تأثيرات تلك الحوادث على سوق النفط في الأشهر المقبلة. ويبدو أن سوق النفط تعاني من حالة من الضبابية، بسبب تأثيرات الجائحة على النشاط الاقتصادي العالمي، إلى جانب تذبذب الإمدادات من خارج منظمة "أوبك"، لذا من المرجح أن تتعرض أسعار الخام لتقلبات بارزة حتى نهاية العام، لتتراوح في نطاق يتراوح بين 65 و75 دولاراً للبرميل، ولكنه يظل مستوى كافياً لكي تتمكن كثير من دول تحالف "أوبك+" من ضبط ميزانيتها، بعد أن شهد معظمها عجزاً مالياً كبيراً خلال عام 2020 مع الهبوط الحاد لأسعار النفط على إثر تفشي جائحة كورونا.