لا غنى عن الهيدروجين للوصول بنا إلى هدفنا المتمثل في تحقيق "صافي صفر" من الانبعاثات [النقطة التي يتحقق عندها توازن إجمالي بين كمية انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة وتلك الممتصة من الغلاف الجوي]. وبدورها، "استراتيجية الهيدروجين" التي نشرتها أخيراً حكومة المملكة المتحدة، تجعلنا أقرب ما يكون إلى استخدام المال لبلوغ هذه الغاية.
ستشكّل الكهرباء المستمدة من مصادر طاقة متجددة جزءًا كبيراً من عالمنا الذي نطمح أن يتمتع بصافي انبعاثات صفر من غازات الدفيئة، فيما يتضاعف توليد الطاقة من الشمس والرياح. الحصة الإجمالية لاستهلاكنا أنواع الطاقة التي ستتأتى من مصادر طاقة متجددة في نظام خالٍ من الكربون ستتعدى 50 في المئة كثيراً من إجمالي استهلاك الطاقة. ولكن بالنسبة إلى بعض القطاعات في اقتصاداتنا سيكون تشغيلها بالكهرباء بصورة كاملة خطوة صعبة تقنياً أو ذات تكلفة مرتفعة للغاية.
لا يمكن استخدام الكهرباء في عمليات صناعية، علاوة على أنه من المكلف جداً الاستفادة منها في توليد الحرارة العالية المطلوبة غالباً لإنتاج مواد من قبيل الزجاج والسيراميك، وغيرهما. أما البطاريات، فمعروف أنها ثقيلة قياساً إلى كمية الطاقة التي تستطيع تخزينها، لذا لا يسعنا أن نتصور تشغيل السفن والطائرات والشاحنات البعيدة المدى بالكهرباء. أما أجهزة التدفئة خلال الشتاء، فتتطلب تخزين الطاقة لأشهر في كل موسم وعلى نطاق واسع- وهو تحدٍّ لا توفر الكهرباء حلاً له. للأسف، لم تُصمم البطاريات قط للاحتفاظ بالطاقة حتى فترات زمنية طويلة.
لذا، هنا سنحتاج إلى جزيء نظيف يراعي البيئة ليحل محل الوقود الأحفوري. و"الهيدروجين الأخضر" green hydrogen كما يُسمّى يَفي بالمواصفات. يكاد أن يكون غير محدود، إذ يمكنك إنتاجه عن طريق تمرير تيار كهربائي (من مصدر طاقة متجدد) في وسط مائي (H2O، يتكوّن جزيء الماء الواحد من ذرّتي هيدروجين وذرة أوكسجين)، من ثم تفكيك الماء إلى عنصريه. وتكتسي حقيقة أن هذه العملية قابلة للتطوير أهمية كبيرة لأننا سنحتاج إلى قدر كبير من الهيدروجين: نحو ربع حاجاتنا الإجمالية من الطاقة، وفق بعض التقديرات.
إضافة إلى ما سبق، يتميز الهيدروجين بأنه سهل النقل والتخزين نسبياً. في حالات كثيرة، بالإمكان تعديل خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي المعمول بها حالياً لتصير قادرة على حمل غاز الهيدروجين، ويمكن تخزينه بتكلفة بخسة في كهوف الملح أينما وجدت. كذلك يمكنك استخدام خلايا الوقود الهيدروجين لتحويله إلى كهرباء مجدداً.
أما العقبة الرئيسة التي تعترض إطلاق الهيدروجين الأخضر فتكمن في التكلفة. اليوم، على الرغم من التراجع الكبير في تكلفة مصادر الطاقة المتجددة المستخدمة في إنتاجه، تبقى تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر مرتفعة بصورة غير عادية، إذ تبلغ تقريباً خمسة دولارات أميركية للكيلوغرام (ما يساوي 3.6 جنيهات استرلينية/ كيلوغرام)- أو 125 دولاراً/ ميغاواط في الساعة (حوالى 90.7 جنيه استرليني/ ميغاواط في الساعة). وذلك في مقابل، نحو 40 دولاراً/ ميغاواط في الساعة (29 جنيه استرليني/ ميغاواط في الساعة) للنفط، و60 دولاراً/ ميغاواط في الساعة (43.5 جنيه استرليني) للغاز الطبيعي في أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن النبأ السار أن تكاليف الهيدروجين ستنخفض بسرعة. تشكل "سنام" Snam، الشركة التي أتولّى إدارتها، جزءًا من تحالف يُسمّى "منجنيق الهيدروجين الأخضر" Green Hydrogen Catapult الذي يبتغي المساعدة في خفض تكلفة الهيدروجين إلى أكثر من النصف لتصل إلى دولارين/ كيلوغرام (1.5 جنيه استرليني/ كيلوغرام) بحلول عام 2026. وقد أطلقت وزارة الطاقة في الولايات المتحدة مبادرة "إيرث شوت" Earthshot (فرصة كوكب الأرض) للحصول على الهيدروجين بكلفة 1 دولار/ كيلوغرام (70 بنساً/ كيلوغرام) بحلول نهاية العقد الحالي.
شريطة إنتاجه على نطاق كافٍ بغية تقسيم تكلفة البنية الأساسية للنقل والتخزين، فضلاً عن أخذ الكفاءة العالية لخلايا الوقود في مقابل الاحتراق والتكاليف الحالية والمتنامية لثاني أكسيد الكربون في عين الاعتبار، سيكون الهيدروجين عند هذه المستويات أقل تكلفة بأشواط بالمقارنة مع الوقود الأحفوري في استخدامات عدة. من شأن ذلك أن يشكل فرصة مهمة لخفض تكاليف الطاقة في خضم رحلة التصدي لتغيّر المناخ وانبعاثات غازات الدفيئة. معنى ذلك أن في الإمكان الاعتماد على الهيدروجين على نطاق واسع، ما يقلل من معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في القطاعات التي تستهلك نسبة عالية من الطاقة، من دون فرض تكاليف إضافية على الشبكة.
إذاً، ما المطلوب لننتقل من خمسة دولارات لكيلوغرام من الهيدروجين إلى دولارين أو حتى دولار واحد؟ والإجابة أنه يتعيّن علينا إنتاج المزيد منه. ما زالت أجهزة التحليل الكهربائي، علماً أنها الآلات المستخدمة لتفكيك الماء إلى هيدروجين وأوكسجين، قليلة جداً ومتباعدة في ما بينها. ولكن لما كانت الجهات المصنعة لهذه الآلات ترى أنها ستشهد طلباً عليها في المستقبل، فستعمل على الارتقاء بمصانعها. وفي النتيجة، ستزيد الجهات الموردة من منشآتها الخاصة، مقلصة التكاليف على امتداد سلسلة القيمة. وبالنسبة إلى واضعي السياسات، يعتبر دعمهم هذه الصناعة خطوة مجدية، إذ إنهم لن يخفضوا تكلفة الهيدروجين على المستهلكين فحسب، بل سيستحدثون أيضاً وظائف جديدة في قطاع متنامٍ.
أما فورات الحجم المحتملة، فتبعث على الذهول: 25 غيغاواط فقط من الطاقة الإنتاجية للتحليل الكهربائي- على مستوى العالم- يمكن أن تجعل تكلفة الهيدروجين دولارين للكيلوغرام عند اقترانه بالطاقة المتجددة المنخفضة التكلفة. لذا فإن طموح المملكة المتحدة الوصول إلى توليد 5 غيغاواط من سعة توليد الهيدروجين بحلول عام 2030، والتي تمثل في حد ذاتها خمس الهدف الإجمالي، يُعدّ خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح.
(ماركو ألفيرا، الرئيس التنفيذي لشركة "سنام" Snam الإيطالية ومؤلف كتاب "ثورة الهيدروجين The Hydrogen Revolution ")
© The Independent