لا يزال رئيس الحكومة المغربي المكلف يجري مشاورات من أجل تشكيل الحكومة، وكانت الانتخابات العامة الأخيرة قد أفرزت تصدّر حزب التجمع الوطني للأحرار بـ102 مقعد بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، تلاه حزب الأصالة والمعاصرة بـ85 مقعداً، وحل حزب الاستقلال في المرتبة الثالثة بـ81 مقعداً، وكان زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، ورئيس الحكومة المعين، عزيز أخنوش، قد أعلن أن الائتلاف الحكومي المقبل سيشكل من تلك الأحزاب الثلاثة فقط.
ركزت تلك الأحزاب في برامجها الانتخابية على الجانب الاجتماعي، وذلك في وقت عانت فيه الطبقات محدودة الدخل بشكل كبير من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، فهل تتمكن من الوفاء بوعودها في ظل الانكماش الاقتصادي الذي تسببت فيه الجائحة؟
وعود اجتماعية
تعهد حزب التجمع الوطني للأحرار في الجانب الاجتماعي من برنامجه الانتخابي بـ"توسيع نطاق الحماية الاجتماعية والتسريع بتطبيقها على أرض الواقع، من خلال إحداث مدخول الكرامة لفائدة من تفوق أعمارهم 65 عاماً، وإطلاق برنامج متكامل لمواكبة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وتسريع تفعيل التعويضات العائلية ابتداءً من عام 2022"، ويأمل الحزب في تحويل مبلغ 400 درهم (ما يفوق 44 دولاراً) شهرياً لفائدة من تفوق أعمارهم 65 عاماً خلال عام 2022، إلى أن يصل هذا المبلغ إلى 1000درهم (نحو 111 دولاراً) عام 2026، ومجانية التغطية الصحية بالنسبة للمستفيدين من "مدخول الكرامة"، بالإضافة إلى توسيع نطاق التغطية الصحية الإجبارية لتشمل جميع المغاربة، وتتكفل الدولة بمساهمات المعوزين، ومنح إعانة نقدية بقيمة 300 درهم شهرياً (نحو 33 دولاراً) عن كل طفل من أجل تشجيع التعليم، ومنحة عن الولادة قيمتها 2000 درهم).
من جانبه، تعهد حزب الأصالة والمعاصرة بضمان تمكين الجميع من مدرسة عمومية قوية، وخدمات صحية ذات جودة، وسكن لائق يضمن الكرامة للمواطن، فيما تعهد حزب الاستقلال بتقليص نسبة البطالة بشكل عام إلى أقل من 9 في المئة، وبطالة الشباب إلى أقل من 20 في المئة، مع رفع نسب نشاط النساء إلى أكثر من 30 في المئة، بدلاً من 20 في المئة حالياً، بالإضافة إلى تحسين التموقع الاقتصادي والاجتماعي للشباب عبر توفير فرصة للعمل أو التكوين لكل شاب، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة مع مجانية العلاج للنساء أثناء فترة الحمل وللأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والتغطية الشاملة لكل الأمراض المزمنة، والعمل على إخراج مليون أسرة من الفقر على أساس مواكبة 200 ألف أسرة سنوياً.
عوامل مساعدة
يؤكد المحلل السياسي، عبدالفتاح نعوم، أن "على الحكومة المقبلة الوفاء بوعودها الانتخابية، وبالخصوص في ظل وجود مجموعة من العوامل المساعدة، من ناحية لكون هذه الوعود جاءت تزامناً مع طفرة في أشكال التنافس الانتخابي، والذي انتقل من التنافس الأيديولوجي الفج، كما كان في السابق، إلى وعود انتخابية ملموسة وقابلة التحقيق، ومن ناحية أخرى تقاطع هذه الوعود إلى حد بعيد مع مجموعة من البرامج والمبادرات والسياسات العليا للدولة، فهناك مجموعة من البرامج من قبيل التغطية الصحية والاحتياط الاجتماعي ودعم سوق العمل". ويضيف، "من ناحية ثالثة، فإن الوفاء بهذه الوعود صار لزاماً ولا مفر منه لأن الناخب أعطى خلال هذه الانتخابات صورة من أشكال التصويت العقابي التي يمكن أن يعتمدها، حيث أصبح للمواطنين المغاربة اقتناع بأن المشاركة الانتخابية الواسعة والتصويت العقابي هما بمثابة وسيلتين للتحكم بمن يقود دفة الحكم، بالتالي فالتوليفة الحكومية الجديدة تأخذ بعين الاعتبار هذه الدروس الانتخابية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف نعوم، أن العنصر الرابع الذي يشكل صمام أمان لإمكانية تنفيذ هذه الوعود هو كون الأحزاب الثلاثة التي تشكل الائتلاف الحكومي المقبل حظيت بقيادة الجهات المغربية الـ12، وكذلك المجالس الجماعية والإقليمية، بالتالي هناك أربعة عناصر دعم ومساندة من شأنها أن تسهل تنفيذ تلك الوعود.
تعاقد أخلاقي
يشير المتخصص الاقتصادي، رشيد ساري، إلى وجود تعاقد أخلاقي بين الأحزاب المشكّلة للحكومة المقبلة والمواطنين؛ بخصوص خلق مليون فرصة عمل، والرفع من أجور أساتذة التعليم، وكذلك منح ألف درهم للمعوزين الذين تجاوزت سنهم 65 عاماً، بالإضافة للورش الكبرى كالحماية الاجتماعية، وخطة الإنعاش الاقتصادي، ووضع خريطة طريق لما جاء في النموذج التنموي الجديد، موضحاً وجود إكراهات حقيقية أهمها تمويل كل هذه البرامج، وذلك في ظل الظروف الحالية وتداعيات وباء كورونا الذي يمكن أن يستمر لسنوات.
وعلى الرغم من تلك التحديات، فإن المتخصص الاقتصادي يعتبر تحقيق تلك الوعود ليس بالأمر المستحيل في حال بحثت أحزاب الائتلاف الحكومي المقبل على مصادر التمويل، لكن من دون اللجوء إلى الاستدانة، وذلك عبر تأهيل المقاولات، وإحداث طفرة صناعية كبرى لا تقتصر فقط على صناعة السيارات والطائرات، بل يجب إحداث صناعات جديدة وتشجيع المنتوج المحلي، بالإضافة إلى تشجيع الاقتصاد "الأخضر" و"الأزرق" اللذين يعتبران من رافعات التنمية إن تم استغلالهما بالشكل الأنجع والأنجح. ويخلص ساري إلى أن الرهانات كبيرة، بالتالي فإن تحقيق البرامج حتماً سيحتاج لوقت، لكن الأهم وجود حكومة قوية منسجمة فيما بينها وبكفاءات عالية.
الحكومة المأمولة
في ظل حديث الرأي العام المغربي عن أسماء الوزراء المحتملين في الحكومة المقبلة، يطالب نقابيون بضرورة التركيز على مضمون العمل الحكومي، بدلاً من الحديث عن أعضاء الحكومة المحتملين، يقول الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، علي لطفي، "نحن بحاجة إلى حكومة المستقبل؛ حكومة بناء الإنسان، وضمان حقوقه كاملة، ومحاربة الفساد والريع، حكومة فعالة لها القدرة على ضمان الاستقرار المجتمعي بسياساتها العمومية ومشاريعها الإنتاجية ذات القيمة المضافة، حكومة تعمل على ضمان الاستقرار المجتمعي، ليس بلغة العصا والاعتقالات أو القمع، بل بالعمل الجماعي المثمر والجاد"، معتبراً أن الأمر يتطلب خيارات سياسية مستقبلية وتخطيطاً محكماً لبناء مستقبل المغرب، مغرب المؤسسات والمواطنة، لذلك فاختيار وزراء ناجحين في مهامهم ومهنتهم وأكفاء مخلصين للوطن وللمواطن، هو ما سيحقق التقدم والرفاه الاجتماعي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على حد تعبيره.
ويضيف لطفي أن الوضعية الحالية تتطلب "حكومة قادرة على الاستجابة للانتظارات الكبيرة للمواطنين وتحقيق الحاجيات الإنسانية الأساسية، وفقاً لمؤشر التقدم الاجتماعي بعد 12 عاماً من المعاناة من الفقر والهشاشة والبطالة المزمنة والأمراض المختلفة"، مضيفاً أن "المغرب بحاجة إلى حكومة منسجمة في تصور وتخطيط شاملين للإصلاح يعالجان مواطن ضعف السياسيات العمومية، وفي مجال الاقتصاد والمديونية وإدارة المخاطر، وضمان إشراك الجميع، واستعمال أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز صحة البشر وتحسين جودة حياتهم، وإلى حكومة اجتماعية لتمكين صناع القرار والسياسة بالمغرب من اتخاذ خطوات جديدة نحو تحسين حياة الناس تطويرها، وصناعة مستقبل أفضل لمغرب المستقبل".