تواجه بريطانيا أزمات متشابكة عدة مع قرب بدء فصل الشتاء، حيث تتركز كلها تقريباً في قطاع الطاقة. وعلى الرغم من أن أزمة طوابير السيارات أمام محطات البنزين، سببها الرئيس هو النقص في عدد سائقي الشاحنات والصهاريج التي تنقل مشتقات البترول من مصافي التكرير إلى محطات الوقود، فإن أزمة الطاقة أوسع نطاقاً بشكل عام.
ويتوقع محللون ومعلقون كثر في الإعلام البريطاني أن تزداد حدة الأزمة مع دخول فصل الشتاء في الأشهر المقبلة وزيادة الطلب الاستهلاكي على الطاقة، من كهرباء وغاز ومشتقات بترولية.
بوادر الأزمة
بدأت بوادر الأزمة قبل أسابيع مع الارتفاع الهائل في أسعار الغاز الطبيعي الذي أثر بشدة على إنتاج الكهرباء في بريطانيا. واضطرت البلاد لتشغيل وحدتين في محطات طاقة تعمل بالفحم لتعويض النقص في إمدادات شبكة الكهرباء. ومع تعطل توربينات توليد الطاقة من الرياح في بريطانيا وأوروبا نتيجة هدوء الرياح مع زيادة حرارة الجو، ارتفعت أسعار بيع الكهرباء بالجملة.
وعلى الرغم من إصرار الوزراء في الحكومة البريطانية على أنه لا يوجد نقص في مشتقات البترول، فإن ما نشرته صحيفة "صنداي تايمز" هذا الأسبوع عن احتمال انهيار واحدة من أكبر المصافي البريطانية يشير إلى أن الأزمة قد تزداد تعقيداً. وبحسب الصحيفة، فإن مصفاة "ستانلو" في ميناء إلسمير قرب ليفربول على وشك الإفلاس مع تراكم مدفوعات الضرائب بمئات ملايين الجنيهات. وتعد تلك المصفاة من أكبر مصافي تكرير النفط في بريطانيا، وتنتج تقريباً سدس حاجة البلاد من الوقود. وكان بنك "لويدز" قد أوقف خطاً ائتمانياً للمصفاة، ما يعني عدم قدرتها على الاقتراض لتسديد ما عليها من مستحقات. وتجري الشركة المالكة للمصفاة مفاوضات مع مصلحة الضرائب البريطانية لتأجيل تسديد 305 ملايين دولار (223 مليون جنيه استرليني) مستحقة على المصفاة. وإذا لم تتمكن من تدبير تمويل فستصبح عرضةً للإفلاس.
شركات توزيع الطاقة
قبل أيام من تفجر أزمة البنزين الحالية، كانت الحكومة البريطانية في مفاوضات مع شركات الطاقة، وبخاصة شركات توزيع الغاز والكهرباء للمنازل، التي واجهت مشكلة أدت إلى إفلاس بعضها في الأسابيع الأخيرة، ويتوقع إفلاس المزيد منها في الأسابيع والأشهر المقبلة. ومع توقع استمرار أسعار الغاز الطبيعي مرتفعة، بالتالي أسعار الكهرباء، ربما لن تعوض الزيادة المقررة في فواتير الاستهلاك المنزلي التي تبدأ الأسبوع المقبل خسائر الشركات. وكانت هيئة تنظيم سوق الطاقة في بريطانيا (أوفجيم) قد أقرت في أغسطس (آب) الماضي، رفع سقف أسعار الغاز والكهرباء للمنازل بزيادة نحو 222 دولاراً (170 جنيهاً استرلينياً) على فاتورة الاستهلاك المنزلي في المتوسط. ويبدأ تطبيق تلك الزيادة في 1 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. كما يتوقع أن يرتفع السقف مجدداً في أبريل (نيسان) 2022، ليضيف أكثر من 400 دولار (300 جنيه استرليني) على الفاتورة المنزلية. وشهدت الفترة الأخيرة انهيار 5 شركات توزيع وتوريد صغيرة، ويتوقع أن يرتفع العدد في الأشهر المقبلة إلى 39 شركة. وكتب بارتيك جنكينز في صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن التوقعات أكثر تشاؤماً، وأنه من بين 70 شركة تعمل في مجال توريد الغاز والكهرباء إلى البيوت في بريطانيا، لا يتوقع أن تستمر أكثر من 10 شركات منها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتهم جنكينز السلطات بأنها لم تتعلم من أزمة إفلاس البنوك في عام 2007 قبل الأزمة المالية العالمية. ويضرب مثالاً على ذلك ببنك "نورذرن روك" وغيره من البنوك الصغيرة التي تضخمت بسرعة دون تدقيق من سلطات المراقبة والتنظيم، لتنهار مع أول أزمة وتكبد دافعي الضرائب المليارات. وحدث نمو تلك البنوك بطريقة التوسع، استناداً إلى أصول ليست لها (غالباً مدخرات المودعين). وأدى الاقتراض قصير الأجل إلى تمويل إقراض طويل الأمد (مثل القروض العقارية لمدة 25 سنة كما في حالة نورذرن روك). وعندما اهتزت السوق العقارية انهارت البنوك.
لم تتعلم الدرس
ولم تتعلم الحكومة من تجربة الأزمة المالية العالمية، فأنقذت تلك البنوك بضم عملائها إلى بنوك أكبر كما حدث مع بنك "أتش بي أو أس" الذي تم ضمه إلى بنك "لويدز"، لتضطر الحكومة بعد أشهر قليلة إلى إنقاذ "لويدز" بأموال دافعي الضرائب.
وذلك هو ما حدث مع شركات توريد الطاقة للمنازل التي تضاعف عددها، وتقوم بشراء الغاز والكهرباء بالجملة وتربط عملاءها بها بأسعار ثابتة لفترة طويلة. وحين تضاعفت أسعار الجملة للطاقة لم تستطع تلك الشركات تغطية خسائرها، لذا يخشى من تكرار ما حدث مع الأزمة المالية العالمية عام 2008 مع الحديث عن احتمال أن تكرر الحكومة ما فعلته مع البنوك من قبل، مع شركات الطاقة المنهارة بتحميلها للشركات الكبيرة المتبقية. فمن بين المقترحات التي نوقشت الأسبوع الماضي، احتمال أن تضطر الحكومة لتعيين "إدارة خاصة" للشركات المفلسة والمنهارة ما يعني عملياً، تأميماً مؤقتاً لشركات التوزيع والتوريد. وفي تلك الحالة يتوقع أن يتحمل دافعو الضراب مليارات الدولارات لدعم شركات التوزيع وتوريد الغاز والكهرباء للبيوت.
وهناك احتمال كبير أن تستمر أسعار الغاز الطبيعي، بالتالي الكهرباء، بالارتفاع خلال العام المقبل أيضاً، كما ذكرت مجلة "فوربس" أخيراً. وفي الأسبوع الماضي، وصل سعر الألف وحدة حرارية من الغاز الطبيعي – المقياس البريطاني الذي تحسب على أساسه عقود بيع وشراء الغاز - إلى أكثر من 222 دولاراً (162 جنيهاً استرلينياً)، بينما لم يكن يزيد في العقود الماضية في المتوسط عن 55 دولاراً (40 جنيهاً استرلينياً) للألف وحدة حرارية. ومنذ أبريل الماضي، تضاعفت أسعار الغاز الطبيعي ثلاث مرات. وبلغت نسبة الزيادة في الأسعار منذ مطلع هذا العام 324 في المئة، بينما زادت أسعار الغاز خلال عام، أي منذ سبتمبر (أيلول) 2020 بنسبة 455 في المئة.
كل ذلك يزيد من احتمال انهيار مزيد من الشركات في قطاع الطاقة، ويعقد الأزمات التي تواجهها الحكومة البريطانية.