أخفق البرلمان العراقي بعقد جلسة اعتيادية لعدم اكتمال النصاب القانوني، واقتصر الحضور على أفراد معدودين، ليتوج مسيرته "الإشكالية" بآخر إخفاق له في دورة توشك على الانتهاء بتعذر إقرار بعض المشاريع التي روج لها قبيل انعقاد الجلسة، ومن بينها المصادقة على قائمة السفراء الجدد التي وزعت على نمط المحاصصة الطائفية، ولعلها وراء فرط انعقاد تلك الجلسة، نتيجة الغضب الذي أبداه ناشطون عراقيون تجاه الأسماء التي رشحتها المحاصصة، في وقت تشهد فيه البلاد حملة خجولة للترويج للدورة المقبلة للانتخابات النيابية في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والتي وصفت بـ"المبكرة" لأنها لم تجر في وقتها القانوني، أي بعد مضي أربع سنوات على إجراء الانتخابات الماضية، في أبريل (نيسان) من العام المقبل، بدعوة من المرجعية الشيعية التي وجدت في حراك أكتوبر 2019 ضغطاً للتعجيل بإجرائها بشكل مبكر.
وقائع تسبق الانتخابات
سبق انتخابات أكتوبر المقبل حدثان مهمان حالا دون تصاعد حملة المنافسة، الأول هو انسحاب التيار الصدري المفاجئ بقرار من زعيمه مقتدى الصدر، ثم عودته المفاجئة مرة أخرى. والحدث الثاني هو عودة ترشيح نوري المالكي نفسه علناً لرئاسة الحكومة عن المكون الشيعي الذي تنحصر بيده السلطة التنفيذية، وفق المحاصصة المتبعة حالياً. وأراد المالكي أن يتوج حملته بزيارة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، حيث مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس، لكنه فوجئ بأصوات الجماهير الغفيرة التي خرجت لتواجهه بتظاهرات غاضبة شعارها "انتخبوا من أضاع ثلث العراق"، وهوسات شعبية تسخر من ترشحه يرجح أن يكون خصومه الصدريون من روجها، وشعارها "كربلاء يا أبو المحابس والسبح، قوم ارجع لبسطيتك"، كناية عن مهنته الأولى في سوريا كما يقال، والتي ينفيها المقربون إليه ممن عرفوه معارضاً صلباً لنظام صدام حسين، من سوريا وإيران تحت اسم حركي هو "جواد المالكي".
حملات انتخابية مرتبكة
لم تقتصر الاعتراضات على رئيس الحكومة الأسبق، إذ وصف غازي فيصل السكوتي، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيحية، الحملات الانتخابية لمرشحي هذه الدورة بأنها "تتسم بالسذاجة وتقديم الوعود بالوظائف والمصالح الشخصية، وغيرها، وعدم الاهتمام بطرح برامج تتعلق بمسؤولية البرلمان التشريعية لرسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتشريع القوانين التي تتعلق بتطوير حياة المواطنين ومعالجة مشكلاتهم".
ويرى المتخصص في القانون، طارق حرب، أن الانتخابات الحالية تختلف عن كل الانتخابات السابقة، لافتاً إلى أنه "سابقاً كان 20 في المئة من المكون السني يشترك في الانتخابات، في حين سيشترك في المقبلة ما لا يقل عن 90 في المئة من المكون السني، بل يرجح أن الشارع السني بأجمعه سيشترك، وستزداد عدد المقاعد التي يحصلون عليها في مجلس النواب بما لا يقل عن 7 أو 8 مقاعد فوق الأصوات السابقة، وفي الموصل والأنبار وديالي في بابل وفي البصرة وكركوك بمعدل مقعد أو مقعدين عن الأعداد الحالية، في حين أن الشارع الشيعي لا يزال متردداً ولا يوازي الاندفاع في الشارع السني. وستفرز هذه الانتخابات رئيساً جديداً للوزراء بمجرد صدور نتائجها، لأن القانون حسم الأمر للكتلة النيابية الأكثر عدداً". وأضاف حرب، "كما أن أي تلاعب في هذه الانتخابات، سواء بالسلاح أو بالمال أو بالتزوير أو تزييف الحقائق، أو أي طريقة أخرى غير مشروعة، يعرضها للرفض الكلي، لأن شرعيتها يقرها مجلس الأمن الدولي، ولا تكتفي بشرعية قرار المفوضية العراقية المستقلة، وسيصدر مجلس الأمن قراراً ملزماً طبقاً للفصل السابع بقبول نتائج الانتخابات أو رفضها. من هنا، فإن أي تأثير متعمد على الانتخابات سيرتب ضرراً كبيراً على الجهات التي تقوم به".
التنافس الفردي وتحدي قوى السلطة
يشهد الشارع العراقي اليوم حملةً ترويجية لأسماء الكتل بمرشحيها وأفرادها الذين سيكون التنافس في ما بينهم هذه المرة فردياً، وليس عن طريقة القوائم التي تمنح رئيس القائمة صلاحية اختيار ترجيح الفائزين، إلا أنه جرت محاولات إسقاط متعمد وتمزيق لافتات بأسماء مرشحين للحيلولة دون الترويج لترشيحهم. وشهدت العاصمة بغداد وبقية المحافظات حركة رفع وتمزيق إعلانات لمرشحين من قبل منافسيهم، وقيام جهات عدة بما يشبه "حرب إزالة اللافتات" المخطوطة والمصورة التي تدعو إلى اختيار هذا المرشح أو ذاك، ما دفع الكاتب حليم سلمان إلى التحذير "من تبني المتنافسين سياسة وضع المكايد لزملائهم الآخرين، لأن هذه السياسة أثبتت فشلها في التجارب الديمقراطية العالمية العريقة، وستؤثر لا محالة على اختيارات المواطنين وتخلق جواً مشحوناً ومتوتراً من شأنه التشويش على عملية الاختيار الصحيحة". وأضاف سلمان، أن "الناخب العراقي يسأل عن طبيعة برامج المرشحين، فهم حتى هذه اللحظة لم يتمكنوا من تقديم برامج واقعية وعملية وفعلية، فمنهم من يتحدث خارج نطاق الواقع، وآخر يعد المواطنين بوعود لا تتناسب وواقع الدولة وإمكاناتها المادية، وآخرون دأبوا على التصيد في الماء العكر، ما خلف تأثيراً سلبياً على الناخبين، وأضحت المعادلة صعبة لاختيار المرشح المناسب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويراهن مرشحون كثر على إدراك ووعي الناخب في الدائرة الانتخابية الواحدة ومدى دراسته برامج المرشحين حتى وإن كانت لا تلبي الطموح للخروج بالقرار الصحيح والمسؤول لاختيار الأسماء المتقدمة للتنافس أملاً باختيار مجلس نواب تتوافر فيه مواصفات الحلول لمئات القضايا العالقة والمرحلة من المجلس الحالي الذي يوصف بأنه أضعف مجلس في تاريخ البلاد من النواحي المهنية والوطنية، فقد شكك رئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي، بهذه الدورة البرلمانية قائلاً إنها لا تملك الشرعية الكاملة لتمثيل الشعب، كونها لم تصل حتى إلى 18 في المئة من أصوات الناخبين. وكشف المالكي عن أنه سعى لرفع دعوة قضائية، لكنه أدرك أنه سيتسبب بحرب أهلية، وفق ما صرح به في لقاء تلفزيوني صادم.
ويتبين من خلال متابعة صور المرشحين في الشوارع، التفاوت بين أصحاب الأموال الكبيرة الذين نشروا صورهم على الشاشات الضخمة في قلب مراكز المدن، والصور المبعثرة للمرشحين الجدد، فيما يعيد أكثر من 180 نائباً حالياً ترشيح أنفسهم للدورة المقبلة غير مبالين بالفشل الذي توصم به هذه الدورة في تنفيذ المشاريع الانتخابية.
مخاوف تسبق الاقتراع
كما ترافق الترجيحات الحملات الانتخابية. ويظهر بعضها أن الجمهور متخوف من أن تفضي الانتخابات المبكرة إلى زيادة المشكلات الأمنية والسياسية في البلاد. وقال الباحث في مؤسسة غالوب الدولية، منقذ داغر، إنه "يتوقع أن تحافظ الميليشيات والعناصر المهيمنة على نفوذها، والمفارقة هي أن القوى السياسية الحاكمة في العراق التي لم تكن ترغب في انتخابات مبكرة، باتت هي المدافع القوي عنها، في حين أن قوى شباب تشرين تحولت إلى قوى معارضة للانتخابات". وأضاف داغر، "على الرغم من أن 60 في المئة من العراقيين عموماً لا يعتقدون أن الانتخابات المقلبة ستؤدي إلى تحسين الوضع في العراق، فإن هذه النسبة تقفز بين الشيعة لتصبح نحو 70 في المئة، كما أن ثلاثة من كل أربعة من أبناء المنطقة الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية قالوا إن الانتخابات المبكرة المقبلة ستزيد من نفوذ الأحزاب الحالية الحاكمة، وتوقعت النسبة ذاتها أن تعزز الانتخابات نفوذ الميليشيات في مناطقها"، وذلك وفق استطلاع أجري على عينة عشوائية من العراقيين ونشرت نتائجه هذا الأسبوع.
وعلى العموم لا تشعر وأنت في بغداد بأجواء اعتادتها الانتخابات البرلمانية جراء حالة الإحباط التي يعانيها الجمهور من نتائج التجربة الديمقراطية التي حولت البلاد إلى عالم من البطالة والاقتصاد الريعي الذي يعتمد على صادرات النفط، وسط توقف آلاف المصانع والمعامل، حتى باتت البلاد توصف بأنها مجتمع بلا عمل وبلا أمل، جراء الإخفاقات المتلاحقة التي مرت خلال 19 سنة عجافاً. وتبرز الصورة القاتمة في مدن ذي قار والناصرية التي أحرقت مقار الأحزاب ومنعت تعليق أي صورة لمرشح، ودعت لمقاطعة الانتخابات برمتها.