من دون التشاور مع حركة "حماس"، أعلن مجلس الوزراء الفلسطيني البدء في التحضير لإجراء الانتخابات المحلية المخصصة لاختيار المجالس البلدية والقروية، على أن تجرى في الضفة الغربية وقطاع غزة بالتزامن، إذا سمحت السلطات التي تسيطر على القطاع بتحقيق هذا الاستحقاق، لكن هذا القرار رفضته "حماس" بشكل قطعي.
في الواقع، جاءت دعوة الحكومة إلى التصويت المحلي، على خلفية الانتقادات المتزايدة بعد تأجيل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى أجل غير مسمى، والتي كان مخططاً إجراؤها في شهري مايو (أيار) ويوليو (تموز) الماضيين.
وكلّفت الحكومة الفلسطينية لجنة الانتخابات المركزية (هيئة مستقلة تتولى مسؤولية الإدارة والإشراف على الانتخابات) البدء في مرحلة الإعداد لاقتراع المجالس المحلية، لكن مسؤولها حنا ناصر قال إن تنفيذها في قطاع غزة بحاجة إلى موافقة سياسية من "حماس"، وهذه مهمة الطبقة السياسية.
"حماس" قاطعت المشاركة
وأعلنت "حماس"، التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007، رفضها إجراء الانتخابات المحلية، لأنه جاء من دون التشاور معها، وعادة ما تفضل الحركة أن تبحث معها السلطة الفلسطينية في أي قرار ترغب في اتخاذه يشمل قطاع غزة.
ويقول المتحدث باسم "حماس" حازم قاسم إن قرار السلطة بشأن الانتخابات المحلية يأتي ضمن المنهجية التي تتبعها، والقائمة على التفرد بالقرار الوطني، وعدم احترام النظام الأساسي والاتفاقيات الوطنية الموقعة بين الأطراف السياسية بشأن الانتخابات، مضيفاً، "توقيت صدور القرار مريب بالنسبة لنا، بخاصة أنه جاء بعد تعطيل مسار الانتخابات العامة التي وصلت مرحلة متقدمة".
وبحسب قرار مجلس الوزراء، (لديه صلاحية البت في الانتخابات المحلية)، فإن عملية التصويت للبلديات ستجرى على مرحلتين، الاقتراع الأول يكون في 387 قرية منتشرة في أنحاء الضفة الغربية، على أن تصوّت 90 بلدة ومدينة رئيسة في كل الأراضي الفلسطينية بما فيها غزّة في مرحلة ثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول رئيس الحكومة الفلسطينية محمد أشتية إنه طلب من "حماس" السماح بإجراء الانتخابات البلدية في القطاع في مرحلتها الأولى وألا تمنع السكان من المشاركة في عملية الاقتراع المنوي إجراؤها في نهاية العام الحالي، على أن تجرى المرحلة الثانية في مدن كبرى في الضفة الغربية.
مخالف للقانون؟
ويعد تقسيم التصويت إلى مرحلتين مخالفاً للقانون الأساسي الفلسطيني، واتخذ القرار بذلك من دون إجراء أي تعديل عليه، في وقت جاء في نص القانون، "تجرى الانتخابات المحلية في كل المجالس في يوم واحد، كل أربع سنوات بقرار يصدر عن مجلس الوزراء".
هذه المخالفة، اتخذتها "حماس" ذريعة أخرى لمقاطعتها إجراء عملية الاقتراع في غزة، ويقول قاسم إن "إعلان السلطة الفلسطينية عن انتخابات قروية مجزأة يعدّ استخفافاً بالحالة الوطنية والشعبية، وحرفاً للمسار الوطني العام، لذلك لن تكون حركة حماس جزءاً منه"، ويشير إلى أن الفلسطينيين محتاجون للاتفاق على مسار وطني يذهبون فيه إلى الانتخابات الشاملة، على أن يكون وفق جداول زمنية تشمل المجلس الوطني والتشريعي والرئاسي، إلى جانب المجالس البلدية والنقابات والاتحادات الطلابية، موضحاً أنه إذا جرى ذلك فإن "حماس" جاهزة لتقديم التسهيلات اللازمة.
نزولاً لرغبة الحركة
لكن بعد معارضة "حماس" المشاركة في الانتخابات لأن إقرارها جاء من دون تشاور معها، نزل رئيس الوزراء الفلسطيني عند رغبة الحركة، وقال، "على ضوء رفض حماس إجراء الانتخابات في غزة، فإن الحكومة قررت تأجيل إجرائها في القطاع، إلى المرحلة الثانية، بدلاً من المرحلة الأولى. والهدف من ذلك بقاء باب الحوار مفتوحاً لضمان مشاركة السكان في الجنوب في عملية الاقتراع"، مضيفاً، "قرار حماس بالرفض، أمر مرفوض وسيء"، ومشيراً إلى أن تقسيم الانتخابات لمرحلتين منسجم مع القانون الفلسطيني ذي العلاقة بشأن عملية الاقتراع ولا مخالفة فيه.
ومن المقرر إعادة الوسطاء الدعوة لحوار يجمع حركتي "فتح" و"حماس"، من أجل إعادة التنسيق بشأن الانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية، وغيرها من القضايا التي تهم ترتيب البيت الفلسطيني.
لم نتسلم رداً رسمياً
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هناك فرصة جيدة لمشاركة سكان غزة في الانتخابات المحلية في موعدها المحدد من مجلس الوزراء، وتشير المعلومات الواردة إلى أن اتصالاً جرى بين عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عزام الأحمد وبين المكتب السياسي لـ "حماس" في الخارج، أفادوه بأنهم يدرسون الأمر وبابهم مفتوح للحوار والتصرف بمسؤولية.
ويقول الأحمد إن حركته لم تتلق رداً رسمياً من "حماس" بشأن الانتخابات البلدية والقروية، وتصريحات المسؤولين في غزة للاستهلاك الإعلامي فقط، وأن أعضاء في الحركة سيردون بشكل رسمي على قرار المشاركة من عدمه.
البلديات لا تسهم في إنهاء الانقسام
ويقول المتحدث باسم حركة "فتح" حسين حمايل إن من الأجدر على سلطات غزة إجراء الانتخابات في المواعيد المحددة، لكن سلوك "حماس" يتنافى مع مصلحة الشعب، وأوضح أن موقف الحركة متناقض، إذ كانت تنادي بضرورة إجراء الانتخابات، وتقول لا اقتراع من دون القدس، وعندما تقرر تأجيلها بسبب رفض إسرائيل إجراءها، عارضت وطالبت بتنفيذها، والآن لا توافق على الانتخابات البلدية، مشيراً إلى أن ما تقوم به الحركة في غزة يندرج في إطار المصالح الحزبية فقط.
وفي حال أجريت الانتخابات المحلية في غزة، فإنها لا تسهم كثيراً في إنهاء الانقسام السياسي، خلافاً للانتخابات العامة التي تجدد الشرعيات، وأمام احتدام الجدل في القطاع، فإن ذلك يزيد من حال الخصام بين "فتح" و"حماس"، ويعمق فجوة الانقسام بشكل أكبر.
ويقول الباحث السياسي أحمد العجلة إن قرار "حماس" يؤثر سلباً في جهود المصالحة مع السلطة، وعادة هذا القرار يأخذ غزة بعيداً من وحدة القرار السياسي الفلسطيني، ويجعل القطاع مؤهلاً بشكل كبير لفكرة الانفصال الجغرافي، وإنّ الحركة تسلب السكان حقهم في العملية الديمقراطية.
ويرى الباحث السياسي مصطفى الصواف أنه لا توجد علاقات حقيقية بين طرفي الانقسام، ولكن هناك تواصلاً مقطوعاً وغير جدي لا يرقى لقرار الوحدة الوطنية أو إنهاء الانقسام.