في ظل الظروف التي مر بها العراق أصبح من الصعب استقطاب الجمهور في موسم الانتخابات بتعليق الشعارات المعتادة، بل وأصبح من الصعب إقناع المواطن بصدقها إن كانت صادقة، مع أن عنصر الإقناع له دور مهم في أي استحقاق انتخابي.
وقد لا يختلف اثنان على أن الشعارات الانتخابية في العراق، وقد أخذت طابعاً وطقوساً فوضويين، تكاد تكون بارزة وواضحة من حيث النشر وما تحمله من وعود براقة ومغرية، فالبعض منها كاد أن يكون مدعاة للسخرية والضحك لهزالة العنوان والكذب المفضوح والوعد الذي كاد أن يكون مستحيلاً، خصوصاً إن كان المرشح ممن سبق له أن نال شرف الفوز في الانتخابات السابقة، حيث لم يف بوعوده ولا شعاراته.
هكذا، أصبح الكذب والتزييف طريقاً أوصل البلاد إلى الحال التي هي عليها الآن من التردي على جميع الصعد.
وتباينت مستويات تأثير الشعارات الانتخابية بين أن تلامس عاطفة الجمهور وذوقه وهي مسألة نادرة الحدوث، أو أن تكون بعيدة وفاقدة للتأثير وهو الغالب. وهذا في الواقع يعود إلى طبيعة وعي القوى الحزبية والكتل السياسية، وقد كان للمال تأثير واضح في طبيعة ومستوى وتقنية الشعارات المطروحة، فبعض الكتل والمرشحين يلجأون إلى خبراء الإعلام وشركات التسويق الإعلامي والعلاقات العامة المتخصصة لانتقاء الشعارات المؤثرة في وجدان الجمهور، أو تقترب من ذائقتهم ومشاعرهم. وبالطبع، يختلف كل جمهور عن الآخر، كجمهور العاصمة ومراكز المحافظات الذي تناسبه شعارات تداعب ثقافته ووعيه، بينما تنتقى الشعارات القريبة من النخوة العشائرية والمناطقية أو الدينية في الريف وأقضية ونواحي المحافظات.
ومن يتابع تلك الشعارات سيلاحظ أن كثيراً منها لا ينسجم والبرامج الانتخابية للكتل السياسية، لكنها تعكس بشكل أو آخر أيديولوجيا تلك الأحزاب ومرشحيها.
وقد نشاهد في الشارع العراقي الآن صوراً للمرشحين فقط من دون برنامجهم الانتخابي، وعن ذلك تقول العاملة في وزارة الثقافة والإعلام الصحافية إيناس القباني إنه "يتضح أن 80 في المئة من الناخبين غير مطلعين على البرنامج الانتخابي للمرشحين. ونستدل من ذلك على عدم ثقتهم أو حتى تفاؤلهم بالتغيير، فالمعطيات المتوافرة منذ 2003 تؤكد سلبية التجارب السابقة، ومازال الإحباط يرافق العملية الانتخابية".
وعن مدى توفر الوعي الدعائي لدى المرشحين، يقول أستاذ كلية الإعلام فاضل البدراني، "في العراق عموماً لدينا قصور فيه، ويرافقه قصور في عدد وعمق مؤسسات الدعاية والعلاقات العامة التسويقية، الأمر الذي يجعل من العشوائية فعلاً طاغياً، ذلك أن الدعاية تسند إلى الشباب غير المؤهل لممارسة عمليات النشر عبر منصات التواصل الاجتماعي".
أما عن حقيقة المبادئ التي تتضمنها الشعارات، يشير المرشح عن دائرة الأعظمية سامر سعد الخطيب إلى أن "الغفلة التاريخية التي أعقبت احتلال 2003 منحت فرصة ذهبية لمعتلي المنابر بفرضيات وحجج لا تسعى إلى تصحيح المسار القانوني والسياسي والاقتصادي للبلاد، بقدر ما تحمله من طروحات طائفية وإقليمية وعنصرية ودينية، إضافة إلى أحقاد تاريخية عفا عليها الزمن".
ويضيف، "نجدهم يتبارون في الولاء إلى من يمدهم ويغذيهم مادياً ومعنوياً، ويقنعون أنفسهم بهذه الطروحات لخلو مضامينها من أي رابطة بالأرض أو الوطن، مفترشين الشوارع الرئيسة والطرقات والأبنية بمختلف أنواع العروض الملونة وعلى حساب الذوق العام".
اختيار الشعارات الانتخابية
من الطبيعي أن تضم الانتخابات مرشحين من مختلف أطياف المجتمع، ونادراً ما يكون المرشحون من الشخصيات المشهورة سياسياً أو اجتماعياً، لذا يلجأ أغلبهم لاختراق حاجز الزمن من خلال الشعار الدعائي، فنقرأ العبارات الرنانة الصغيرة والمؤثرة مثل "تغيير" و"إصلاح" و"بناء" و"قادمون" و"ثقة" و"مستقبل" و"حقوق" و"تقدم" و"عزم".
ويقول الباحث الاجتماعي في مركز "أبابيل" محمد الفخري، "تبقى الشعارات بطورها الدعائي وتهدف للوصول إلى الفئة المتحيرة أو التي لم تحدد اختياراتها، فينظر إلى عمق العبارة أو المفردة التي وضعها المرشحون لتقترن بصورهم مع ما تحمله من إيحاءات".
أما المقاطع المصورة للمرشحين فهي تحمل النهج ذاته، وهناك مؤشرات إلى قلة الدعاية الانتخابية الحالية مقارنة بالدورات الانتخابية السابقة.
شعارات للتندر
يقول إحسان حسن حسين وهو مدير شركة إعلانية في بغداد، إن الشعار الذي يرافق الحملات الانتخابية يمثل فلسفة المرشح أو الكتلة السياسية وهو عادة يوجز البرنامج الانتخابي، وقد سعى البعض إلى تحقيق هذا المفهوم، وهم قلة، أما الفئة الأكبر فهي لمرشحين عملوا بطريقتهم للتعبير عن أنفسهم وبرامجهم الانتخابية، فمثلاً كان شعار أحد المرشحين "نعيم نعيمكم"، الذي لم يجد البعض تفسيراً له سوى "أنني منكم ولكم" أو "انتخبوني الله يستركم".
ويضيف، "لجأ البعض إلى استخدام شعارات باللهجة العامية الدارجة لتقريب المسافة، بحسب تصوره، بينه وبين ناخبيه، فمنهم من كتب عبارة "الحكوك تريد حلوك"، بمعنى الحق يريد شفاهاً تطالب به، على الرغم من تجاوزه على الأرصفة العامة والأشجار الخضراء، ولم يراع حقاً عاماً في نشر لوحاته الإعلانية".
وعلى أحد الأرصفة علقت لوحة المرشحة "أم علي" المعتدة بنفسها، حيث كتبت "أم علي كول وفعل"، أي أنها تفعل ما تقول، على الرغم من أن جل الناخبين لا يعلمون تاريخها النيابي وهل فعلت ما قالت حقاً. كما اعتمد البعض مصطلح البحث عن "الدولة المفقودة"، فمنهم من كتب "نريد دولة" ومنهم من يريد أن "يعيدها دولة".
وبقي آخرون ضمن التفكير المناطقي والانتماء الطائفي كصاحب شعار "إعمار على خطى الأنبار" و"صوتك سيعيد الإعمار" وغيرها من الشعارات التي باتت مواضع للسخرية والتندر، لأن المواطن أصبح مدركاً لما سيحدث مستقبلاً تبعاً لتجارب سابقة جعلته ذا خبرة في فهم ما يدور حوله.