تباطأت الهجرات القسرية قليلاً مع تشكيل الدول القومية لكنها لم تنته أبداً، وظل المهاجرون يتدفقون دائماً بسبب الحروب والإبادة الجماعية والكوارث الطبيعية أو البحث عن ظروف معيشية أفضل.
وأصبح العالم يواجه في السنوات الأخيرة مشكلات المهاجرين وطالبي اللجوء جراء تزايد عدم الاستقرار السياسي الناجم عن الصراعات الداخلية في عدد من البلدان.
وأود أن أشير إلى أن هناك فرقاً بين الهجرة واللجوء، إذ إن الهجرة تحمل معنى عاماً وتطلق في الأغلب على تنقلات الأشخاص أو المجتمعات المحلية إلى أماكن أخرى لأسباب اقتصادية ومن أجل حياة أفضل، أما مصطلح اللاجئين وطالبي اللجوء فيستخدم للأشخاص الفارين من الحروب الأهلية أو القمع في بلدانهم، وربما يتعرضون في طريقهم لخطر الموت.
والغالبية العظمى التي أتت إلى تركيا هي من هذه الفئة الأخيرة، أي اللاجئين طالبي اللجوء، الذين اضطروا إلى مغادرة بلدانهم.
وقد أصبحت تركيا في طليعة دول العالم التي استقبلت أكبر عدد من طالبي اللجوء بسبب الحروب والأزمات السياسية الأخيرة، فمنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، بلغ عدد السوريين الذين لجأوا إلى تركيا بسبب النزاعات 4 ملايين شخص.
يلي السوريين الأفغان بنحو 500 ألف شخص، إضافة إلى أرقام غير رسمية.
ويشكل اللاجئون القادمون إلى تركيا حالياً حوالى ستة في المئة من السكان المحليين، ومتوسط أعمارهم 23 سنة.
ولا يزال استقبال السوريين، والآن الأفغان، موضع نقاش في تركيا، فبينما يعارض بعض السياسيين الأتراك بشدة استقبال هذا الكم من اللاجئين، يدعم آخرون احتضان هؤلاء الفارين من الصراع ومنطقة الحرب.
على سبيل المثال، يدعم حزب العدالة والتنمية الحاكم استقبال اللاجئين في حين أن شريكه حزب الحركة القومية يعارض ذلك.
أما بالنسبة إلى المعارضة فهي أيضاً ليست على قلب رجل واحد، فبينما يتوخى حزب الشعب الجمهوري الحذر ويتخذ موقفاً وسطاً بين السلب والإيجاب، فإن شريكه حزب الخير ذي الميول القومية يميل نحو السلبية، وإن لم يصرح بذلك بشكل مؤكد.
وبشكل عام نلاحظ أن الخطاب حول اللاجئين في السياسة التركية أصبح يميل بشكل متزايد نحو السلبية والقسوة خلال الأشهر الأخيرة، وفي هذا السياق يمكننا التحدث عن عاملين رئيسين يسببان ذلك.
أولاً، بدأ بعض السياسيين، بخاصة حزب الحركة القومية والأحزاب الصغيرة التي تهتم بحشد الأصوات على حساب الجانب الإنساني، بتبني خطاب معاد للاجئين ويؤجج المشاعر العنصرية ضدهم.
وثانياً، هناك بعض السياسيين المعارضين الآخرين الذين رأوا في خطاب الحكومة الغامض والمتعرج والمتذبذب بشأن اللاجئين فرصة لاستغلال قضيتهم ضد الحكومة، وكأنها مصدر المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتزايدة في البلاد.
إضافة إلى ذلك هناك مشكلة حقيقية، وهي أن عدد اللاجئين في بعض المدن والمناطق التي يوجدون فيها قد تجاوز عدد السكان المحليين، مما أثار حالاً من عدم الارتياح لدى السكان الأصليين، ولذلك بدأ بعض السياسيين باعتبار أن تغير الهيكل الديموغرافي في المناطق التي يهيمن عليها اللاجئون قضية اجتماعية منذرة بالخطر، ونتيجة لذلك بدأت الهجمات العنصرية في الحدوث حتى وصل الأمر إلى أعمال عنف ضد اللاجئين.
وهناك مشكلات أخرى يواجهها اللاجئون بشكل عام نستطيع سردها من خلال البيانات التي نشرتها كل من جامعة "هاجتبة" والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير البيانات إلى أن المشكلات تتركز في معظمها في موضوع التمييز الاجتماعي، وعندما ننظر إلى الأبحاث فإن معدل مواجهة العنصرية يبلغ حوالى 20 في المئة، وهذا الرقم أعلى من معدلات الهجمات العنصرية ضد المسلمين في كثير من الدول الأوروبية.
ومن أكبر المشكلات أيضاً استئجار منزل والحصول على وظيفة، فاللاجئون عادة يكونون عائلات كبيرة، وهذا يجعل من الصعب جداً العثور على منازل للإيجار.
وبالنسبة إلى الوظيفة فإنهم غالباً يواجهون رداً سلبياً بسبب عدم توفر المهارات اللازمة لديهم أو عدم حصولهم على تصريح للعمل، وفي حال حصولهم على العمل من دون تصريح فإنهم يعملون بشكل غير رسمي، وذلك يؤدي إلى استغلالهم وهضم حقوقهم، إذ إن أصحاب العمل يرهقونهم ويدفعون لهم أجوراً زهيدة، وعلاوة على ذلك يتعرضون أيضاً لسوء معاملة المديرين، وتطلق الأدبيات الدولية على هذا الوضع اسم "العبودية الحديثة".
وأيضاً فإن حوالى 10 في المئة من اللاجئين الذين يعيشون في تركيا هم عائلات تكافح من أجل تلبية الحاجات الغذائية الأساسية، وغالباً لا يكون لديها رجال في المنزل.
وباختصار، تُعتبر الإجراءات الرسمية والمشكلات المنزلية الصحية والنقل والاتصال وعدم الكفاية المالية والمشكلات التعليمية والأطفال العاملون ومشكلة التكيّف وسوء المعاملة ونقص الدعم الاجتماعي والمشكلات النفسية من الأكثر شيوعاً في ما يواجهه اللاجئون.
وأخيراً هناك ثلاث مشكلات بالغة الأهمية، وهي أن بعض الشباب اللاجئين الذين تبدأ أعمارهم من 15-16 عاماً فصاعداً يجبرون على الدخول في الحرب من خلال الانضمام إلى "داعش" ومنظمات إرهابية مماثلة، كما أن عصابات المخدرات والمافيا في تركيا تستخدم هؤلاء الأطفال في أقذر المهمات، منتهزين ظروفهم المالية الصعبة، وأتعس شيء أن كل هذا يقع تحت مرأى ومسمع من الجهات الرسمية، فعندما ننظر إلى الاعترافات التي نشرها، زعيم المافيا الشهير (سدات بيكر) والذي كان قريباً جداً من السلطة الحالية لفترة من الوقت، نكتشف كيف أن أسماء مهمة من الحكومة لديها علاقة قذرة مع عصابات المخدرات وزعماء المافيا، وبالتالي فإنه قد تم ترك الأطفال والشباب اللاجئين تحت رحمة المنظمات الإرهابية، أو تم دفعهم إلى أحضان عصابات المخدرات والمافيا من طريق العمد أو الإهمال، ومع هذه كله لا تزال السلطات في تركيا تستخدم اللاجئين كورقة رابحة ضد الاتحاد الأوروبي لسنوات، وبهذه الطريقة تلقت تركيا التزاماً من الاتحاد الأوروبي بتقديم حوالى 13 مليار دولار كمساعدات سيتم دفعها حتى عام 2024.