أقل من عشرة أيام وينطلق سباق الانتخابات البرلمانية الخامسة منذ بدء العملية السياسية في العراق بعد سقوط النظام السابق في عام 2003، إلا أن بعد كل دورة انتخابية تبرز الأزمات السياسية، منها تسمية الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة الجديدة الذي يستغرق أحياناً أشهراً عدة.
وعلى الرغم من التحفيز الحكومي والديني للمشاركة الواسعة في الانتخابات، فإن هناك ترجيحات بأن المشاركة ستكون مختصرة على جمهور الأحزاب والكتل السياسية.
طريقة تشكيل الحكومة
قانونياً، بعد أن يتم إعلان النتائج النهائية من قبل المفوضية العليا للانتخابات والمصادقة عليها، يدعو رئيس الجمهورية البرلمان الجديد إلى الانعقاد خلال 15 يوماً من صدور النتائج.
كما ينتخب مجلس النواب رئيساً جديداً له ونائبين لرئيس المجلس خلال الجلسة الأولى بالغالبية المطلقة، وبحسب الأعراف المتداولة بعد 2003، يكون رئيس المجلس من العرب السنة، وله نائب كردي وآخر شيعي.
وينتخب البرلمان رئيساً جديداً للعراق خلال 30 يوماً من انعقاد الجلسة الأولى بغالبية ثلثي الأصوات. ويكلف رئيس الجمهورية زعيم الكتلة الأكبر في البرلمان تشكيل الحكومة الجديدة، التي ترأسها شخصية من المكون الشيعي بحسب العرف السياسي السائد بعد 2003.
لا مفاجآت في الانتخابات
يتصوّر الباحث السياسي والاقتصادي نبيل جبار العلي أنه "لن تكون مخرجات ونتائج انتخابات أكتوبر 2021 مفاجئة"، موضحاً، "المعطيات الأولية وعلى رأسها مشاركة أحزاب السلطة التقليدية ذاتها وغياب قوى جديدة مؤثرة تضع أمامنا نتيجة حتمية حول طبيعة الفائزين بالانتخابات، كذلك المقاطعة الانتخابية الواضحة للناخبين والعزوف حتى في استلام البطاقات الانتخابية التي تسمح للناخب بالتصويت". ويتوقّع "مشاركة محدودة من قبل الناخبين لن تتجاوز سبعة ملايين شخص".
والسيناريو الأكثر ترجيحاً، وفق العلي، هو "عودة الأحزاب التقليدية لتجديد شرعيتها في الانتخابات عبر تمثيل نيابي يقارب ما حصلت عليه في انتخابات 2018، مع تغييرات محدودة أو من الممكن أن نشهد خسائر انتخابية لبعض الشخصيات المعروفة والبارزة في المشهد السياسي العراقي ما بعد 2003".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف العلي، "ستسارع الكتل والأحزاب الفائزة لإقامة تحالفات أو ائتلافات سياسية خلال فترة المفاوضات، في محاولة منها لتكوين الكتلة النيابية الأكبر، التي تقدم مرشحها لرئيس الوزراء، وعلى غرار انتخابات 2018"، متوقعاً "تشكُّل تحالفين رئيسين، الأول يضم القوى الشيعية (تحالف البناء وحقوق ودولة القانون) و(تحالف عزم ممثلاً عن أبرز تحالفات الطائفة السنية)، إضافة إلى مفاجأة الحزبين الكرديين (الديمقراطي والاتحاد الكردستانيان)، وأن يضم التحالف الآخر: الكتلة الصدرية وائتلاف قوى الدولة كقوى شيعية، وتحالف تقدم (كتحالف سني)، ومن المرجح انضمام كتل وأحزاب فائزة بمقاعد محدودة ضمن هذا الائتلاف، وعلى رأسها القوى المنبثقة من حراك تشرين".
ويتابع، "خلال فترة المفاوضات، من الممكن أن يبرز مرشحان لرئاسة الحكومة، الأول نوري المالكي عن التحالف الأول، والآخر مصطفى الكاظمي عن التحالف الثاني، ولن تكون التأثيرات الدولية والإقليمية بعيدة هذه المرة من تشكيل الحكومة كما بدا في 2018، فمن المرجح أن يتم اختيار شخصية رئيس الوزراء المقبل عبر مفاوضات واتفاقيات غير معلنة بين الولايات المتحدة وإيران، وأن يكون المرشح لنيل رئاسة الحكومة هو مرشح تسوية بين الطرفين، وباعتقادي أن النتائج الانتخابية والتحالفات ستكون أقرب إلى التحالف الأول الذي سيمكّن الطرف الإيراني من فرض إرادته على الواقع السياسي العراقي، الذي سيحظى بقبول أميركي وفقاً لسياسات التهدئة والاحتواء الظاهرة على السياسة الأميركية في حكومة البيت الأبيض الحالية". ويرجّح العلي أن "يكون المالكي هو الشخصية الأوفر حظاً في تولي الحكومة المقبلة لقربه من طهران وصداقته الشخصية مع الرئيس الأميركي جو بايدن".
حكومة غالبية
ويعتقد الباحث السياسي واثق الجابري أنه من الصعب التكهن بمخرجات العملية الانتخابية وآليات تشكيل الحكومة المقبلة، "لكن من الواضح أن معظم القوى مجمع على تشكيل حكومة غالبية، وهذا ما تحكمه نتائج الانتخابات".
ويتساءل الجابري، "هل تصمد القوى أمام النتائج ولا تعود إلى سابق عهد المحاصصة ومشاركة كل القوى؟ هل تشرك الحركات المدنية والمستقلة، ومن يمثل المتظاهرين فيها؟ وهنا في حال عدم إشراكها، ستضاف هذه القوى إلى القوى التي فرضت عليها المعارضة، وهي لا تقبلها ولا تعتاد عليها، وما يدفعها إلى تحريك الشارع ضد الحكومة بدلاً من ممارسة دور المعارضة المراقب للحكومة".
تسمية الرئاسات الثلاث أبرز الأزمات
وفي السياق، يرى الباحث السياسي علي البيدر أنه سيكون هناك غياب للكتل الوطنية الجامعة للمكونات عن المشهد البرلماني المقبل أي (لن تتمكن أي كتلة منافسة من تحقيق وجود مكوناتي جامع)، لذلك "ستكون المساحة الوطنية صغيرة أو قد تضيق أكثر، وهنا سيبقى الصوت الوطني الأضعف أمام رغبات المكونات بتحقيق مكتسبات فئوية، هذه معطيات ستقلل مرحلة الإصلاح المنشودة، ولن يجني المواطن منها سوى اليأس".
ويعتقد البيدر أن "اختيار الرئاسات الثلاث أبرز الأزمات التي ستواجه العملية السياسية في العراق بعد الانتخابات، التي تتكرر في كل مرة على مستوى المكونات أو حتى داخل المكون، إذ نجد هذا الشيء يحصل داخل المكون الواحد، وبعده يدخل في دوامة التوافقات بين المكونات الثلاثة الكبرى الشيعة العرب والسنّة العرب والكرد، إذ يجب أن يحظى الرئيس بإجماع شبه مطلق من قبل مكونه وإجماع بقية المكونات عليه".
وتابع، "التدخلات الخارجية ستؤثر في القرار المكوناتي وحتى القرار الوطني العام بعد أن قدّمت دول عدة المساعدة المالية والدعم اللوجستي لبعض الكتل السياسية في الانتخابات، وتريد أن تجني ثمار ذلك عبر فرض إرادتها".
المنافسة الانتخابية لم تشهد جديد
لكن الكاتب الصحافي أمجد طليع يرى أن "لا وجود لأي سيناريوهات مفاجئة يمكن توقعها بعد الانتخابات، لأن المنافسة لم تشهد جديداً، إنما هي القوى ذاتها التي رفضها متظاهرو تشرين عادت إلى الترشح من جديد"، مؤكداً "السيناريو الذي يحدث بعد كل انتخابات هو ذاته يُعاد تكراره".
ويعرب طليع عن اعتقاده بأن "أبرز الأزمات المتوقع حدوثها تتمثل في عودة الشباب الرافض للواقع إلى الشارع وبداية انتفاضة جديدة أكثر شدة وتصادماً عما حصل في 2019 و2020 كون القوى الحاكمة لا تملك حلولاً لما يطالب به الشباب من الجيل الذي لا يعرف شيئاً عن نظام صدام، وأيضاً هذه القوى الحاكمة لن تكون مستعدة لإقالة حكومة أخرى كما حصل مع حكومة عادل عبد المهدي، لذلك سيكون التصعيد على أشده ويتجاوز ما حصل في الانتفاضة السابقة".