في وقت تقول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إنها لا تزال تأمل العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مع طهران، يخشى كبار المسؤولين الأميركيين، في السر، من أن إيران تتحرك بالفعل إلى "الخطة ب"، وهي تأجيل المفاوضات بينما تستعد للاختراق السريع لسلاح نووي.
ورد ذلك في تقرير نشرته "فورين بوليسي"، يعتبر أن هذه النتيجة الرهيبة تأتي بعد انسحاب بايدن على عجل من أفغانستان واستيلاء حركة "طالبان" على السلطة. ما يشير، بالنسبة إلى خصوم الولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء، إلى ميل الرئيس الأميركي إلى الانسحاب من المنطقة للتركيز على التهديد الصيني. ويسمي البعض ذلك "تأثير أفغانستان"، وقد أضر بصدقية واشنطن في الشرق الأوسط.
ويقول دينيس روس، الدبلوماسي الأميركي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، "من الواضح أن الإيرانيين لم يعودوا يخافون منا بعد الآن". "هذا في حد ذاته يعني أننا لا نمتلك مستوى الردع الذي نحتاج إليه، سواء في القضية النووية أو في المنطقة". ويصف روس وآخرون ذلك بأنه انعكاس مثير للسخرية لحملة الضغط الدولي على إيران التي سادت قبل انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015. وبموجب هذا الاتفاق، وافقت طهران على الحد من تخصيب اليورانيوم والخضوع لعمليات التفتيش التابعة للأمم المتحدة مقابل تخفيف العقوبات.
ويستنتج التقرير أن انسحاب ترمب في عام 2018، بدعم حماسي من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، مما سماه صفقة "مروعة"، أي الاتفاق النووي، ثم اعتماد "الضغط الأقصى" بما في ذلك سلسلة من العقوبات الجديدة بهدف إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات، قد فشل تماماً، وثبت أن نتنياهو مخطئ في المراهنة على أن إيران إما ستنهار تحت ضغط العقوبات أو أن ترمب سيضطر إلى مهاجمة إيران عسكرياً.
ويدلل على ذلك، بأن إيران، الآن، أقرب إلى قنبلة نووية مما كانت عليه في أي وقت مضى، وفقاً لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء آخرين. ويعتقد بعض الخبراء أن طهران قد تكون على بعد شهر واحد فقط من امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية، أو اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، لصنع قنبلة واحدة.
إشارات غير واضحة
وبحسب تقرير "فورين بوليسي" فإنه على الرغم من أن توجه مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، الإثنين 27 سبتمبر (أيلول)، إلى المملكة العربية السعودية لمعالجة الحرب المستمرة في اليمن، يشير إلى أن واشنطن تعتزم مواصلة حضورها في المنطقة، بعكس مؤشرات أخرى تتحدث عن انسحابها. علاوة على ذلك، لفتت الرياض منذ فترة طويلة إلى أنه من المرجح أن تبني قدرات النووية إذا ما اقتربت إيران من امتلاك سلاح نووي.
هكذا، تضع الإشارات المختلطة وغير الواضحة التي ترسلها إدارة بايدن في شأن ماهية خطوطها النووية الحمراء، الأساس لسباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. وهو ما كان القصد من خطة العمل الشاملة المشتركة منعه.
وفي هذا السياق، فإنه، سواء كانت طهران ستصل إلى النقطة التي تبني فيها سلاحاً نووياً بشكل علني أم لا، فإن القلق الأكبر هو أنها، مثل اليابان إلى حد ما، ستمتلك المعرفة الفنية واليورانيوم المخصب بسرعة كبيرة. ومن شأن هذه النتيجة، المعروفة باسم حالة العتبة، أن تغير ميزان القوى في المنطقة بشكل كبير. فعلى الرغم من التصريحات المنتظمة للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بأن بلاده لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، يعتقد العديد من الخبراء أن وضع العتبة هو أقل ما يقبله.
وسيكون ذلك، وفق رويل مارك جيريخت، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وخبير في شؤون إيران، "مظهراً من مظاهر هيبة الثورة الإسلامية، أو "الرهبة التي لا تُقهر". وفي ظل ذلك، و"بعد أفغانستان وإنهائه خطاب الحروب الأبدية، ليس من المعقول حقاً تخيل بايدن يستخدم القوة العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني. بعكس الإسرائيليين".
قلق حلفاء واشنطن
وتسترجع "فورين بوليسي" ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الإثنين، من أن "برنامج إيران النووي وصل إلى لحظة فاصلة، وكذلك تسامحنا. (...) الكلمات لا تمنع أجهزة الطرد المركزي من الدوران".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الإسرائيليين، مثل حلفاء آخرين للولايات المتحدة، قلقون بشدة من أنهم لا يتلقون أكثر من مجرد كلمات تطمين من واشنطن. "هناك كثير من القلق بشأن ما حدث في أفغانستان، ومن الواضح للإسرائيليين أن أولويات أميركا الآن هي الصين وكوفيد-19 والمناخ. ويعتقد عاموس هاريل، كاتب عمود في الأمن القومي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن "إيران ليست واحدة من المراكز الثلاثة الأولى".
وقال هاريل في مقابلة، إنه على الرغم من الخطاب القاسي لنتنياهو، فإنه لم يجهز الجيش الإسرائيلي بشكل كامل لشن هجوم على إيران. نتيجة لذلك، يناقش خبراء الأمن الإسرائيليون بسرعة الخيارات الجديدة، بما في ذلك جهود التخريب الإضافية مثل اغتيال علماء نوويين إيرانيين.
وفي وقت سابق، في سبتمبر الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ووزير الدفاع إيهود باراك، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان الواقع الاستراتيجي المتمثل في أن إيران قد تكون بالفعل دولة عتبة.
ثقة طهران وتلاشي الإجماع الغربي
وفي وقت يقول الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إن طهران مستعدة للعودة إلى محادثات حول خطة العمل المشتركة الشاملة في فيينا، يعتقد العديد من الدبلوماسيين المرتبطين بالمحادثات أن إيران تسعى بشكل أساسي إلى إرجاء المفاوضات بينما تقترب من نقطة الانطلاق: الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة. أما الرد الأميركي على سؤال ماذا تفعل واشنطن في حال فشلت المفاوضات، فورد على لسان مسؤول كبير، أن "الخطة ب التي نشعر بالقلق حيالها هي تلك التي قد تفكر فيها إيران حيث تريد مواصلة برنامجها النووي".
وسط ذلك، بات الأمل شبه الوحيد أن تتبنى الولايات المتحدة والدول الغربية قراراً بتوجيه اللوم في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسعي لإحالة تحدي إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن الإجماع الغربي بدأ يتلاشى، مع غضب فرنسا من واشنطن بشأن دورها في خرق اتفاق نووي مع أستراليا، بينما ألمانيا كانت في خضم معركة حول من يخلف المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
وبالتزامن مع ذلك، تتعزز ثقة إيران من خلال الشعور بأن الدول الكبرى الأخرى التي انضمت ذات مرة إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تتلاشى. وينطبق ذلك بشكل خاص على الصين، التي أشارت إلى استعدادها للقيام بأعمال تجارية مع طهران، بعد أن استأنفت مشتريات النفط منها. وقد استأنفت طهران إرسال الوقود إلى حلفائها في "حزب الله" في لبنان عبر سوريا التي مزقتها الحرب. وفي الأيام القليلة الماضية، وافقت بكين على طلب طهران الانضمام إلى "منظمة شنغهاي للتعاون"، وهو تحالف أوروبي آسيوي تهيمن عليه الصين وروسيا ويضم الهند وباكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.