يوم الأحد الماضي، خرج الناس بالآلاف وقد جاء بعضهم من مختلف أنحاء تونس، للتعبير عن تأييدهم الرئيس قيس سعيد. ونزلوا إلى شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس وغيره من الشوارع الموزعة في بلدات تلك الدولة الشمال أفريقية، كي يهتفوا للرئيس ويوضحوا رفضهم المطلق برلمانَ البلاد والفسادَ الذي شعروا أنه مهيمن عليه.
وبذا، يراهن هؤلاء بشكل كامل على الرئيس قيس سعيد، الأستاذ الجامعي الجديد على الميدان السياسي، وقد انتزع السلطة في 25 يوليو (تموز) فوضع بذلك حداً لوضع سياسي سائد، وقلص على نحو دراماتيكي الحالة التي تصفها عبارة بالية بأن تونس تمثل "النجاح الوحيد للربيع العربي".
وبالنسبة إلى كثير من التونسيين، فقد حرفت تلك العبارة الأنظار على امتداد العقد الماضي عن الوضع الاقتصادي المتدهور وسلسلة الأزمات السياسية التي لا تنتهي، إضافة إلى بروز طبقة جديدة من السياسيين والوزراء على أنقاض ثورة الـ2011، ممن ظهر أنهم أكثر اهتماماً بالتموضع والشجار السياسي، من اهتمامهم بإدارة البلاد.
وبالتالي، يتمتع الرئيس بالدعم في شوارع المدن من جانب أشخاص تساوي أعدادهم تقريباً أنصار أولئك البرلمانيين الذين ينتقدونه. ويبدي مؤيدوه استعداداً للوثوق بأي إجراء من شأنه أن يؤدي إلى إنهاء التموضع [بمعنى الانقسام السياسي] والنزاعات الداخلية التي نافست البطالة المستشرية والقلاقل الاجتماعية والاحتجاجات، على احتلال الصدارة في عناوين الأخبار.
واستطراداً، يجب ألا يتفاجأ أحد بعداء قيس سعيد للسياسات الحزبية والنظام السياسي ككل. فقد انتخب في 2019 رئيساً للبلاد على خلفية تفويض شعبي لا لبس فيه من أجل مكافحة الفساد والنظام السائد، باعتبار أنهما شيئان مترادفان في أذهان عديد من التونسيين. وقد حقق سعيد فوزاً ساحقاً بنيله 73% من الأصوات في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة آنذاك. وكذلك جاء عدد الناخبين الذين أعطوه أصواتهم بحسب عملية الفرز الأخيرة أعلى بكثير ممن صوتوا لمصلحة الأحزاب الممثلة في البرلمان كلها. وبغض النظر عن وتيرة التغيير البطيئة والإشارات المشوشة التي صدرت منذ 25 يوليو 2021، فإن البلاد لا تزال تؤيده. وقد أكدت تلك الحقيقة سلسلة من استطلاعات الرأي المتأرجحة التي أفادت كلها أن موقف الرئيس، بما في ذلك توليه الحكم بمرسوم، يحظى بدعم كاسح في أوساط الشعب.
لقد أيدته منذ 25 يوليو (تموز) لأنه مستقل في قراراته، ويعمل بمفرده، ألغى البرلمان وحزب "النهضة" [الذي قدم نفسه بوصفه ديمقراطياً مسلماً]
أحلام الطالبي، 30 سنة، عاملة مصنع
ومن الناحية العددية وحدها، فاق التعبير عن الدعم للرئيس يوم الأحد الماضي أعداد من شاركوا في الاحتجاجين اللذين سبقاه بشكل كبير ما جعل كلاً منهما ضئيلاً للغاية، علماً أن عدد مؤيدي الرئيس كان أقل بكثير من الرقم الذي ادعى لاحقاً أنه وصل إلى 1.8 مليون شخص. وبعد ذلك، تجمع المتظاهرون في العاصمة ليكرروا دعوات وجهتها مجموعات معنية بالدفاع عن الحقوق، والمجتمع الدولي، تطالب الرئيس بالعودة إلى الشرعية الدستورية وإعادة تأسيس البرلمان. وقد باتت تلك الدعوات خاوية إلى حد بعيد، بالنظر إلى إلغاء سعيد في سبتمبر (أيلول) أجزاء كاملة من دستور البلاد لسنة 2014.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في التفاصيل، لقد وقفنا بالقرب من متحف العملات السابق في وسط العاصمة تونس. وشرحت أحلام (30 سنة) وهي عاملة مصنع، الكثير من جوانب الجاذبية لدى الرئيس. وبحسب رأيها، "لقد أيدته منذ 25 يوليو لأنه مستقل في قراراته، ويعمل بمفرده. وقد ألغى البرلمان وحزب النهضة [الذي قدم نفسه بوصفه حزباً ديمقراطياً مسلماً]".
وسواء عن حق أو باطل، فقد أصبح "النهضة" في أذهان الناس الحزب السياسي الأكثر نجاحاً في تونس منذ الثورة، وبات مرادفاً للحكومة نفسها، وبالتالي صار مسؤولاً أيضاً عن إخفاقاتها.
ولقد أدى حزب "النهضة" أدواراً مهمة في كل الحكومات التونسية التسع تقريباً على امتداد العقد الماضي. وإذ جاءت الأحزاب المنافسة وذهبت، غالباً في أعقاب إبرامها صفقات مع "النهضة"، وهو أمر يدعو إلى السخرية، فقد صمد حزب الديمقراطيين المسلمين هذا، ولو جاء بقاؤه غالباً على حساب تأييد بات متلاشياً.
واستطراداً، فقد تردت الأحوال المعيشية في أنحاء تونس، طوال هذا الوقت، في حين لا تزال الفجوة قائمة بين العاصمة والساحل، إلى جانب الفساد المستشري في البلاد والبطالة المزمنة فيها.
وتفصيلاً، وصل معدل البطالة في 2010 إلى 13%. وارتفعت تلك النسبة حاضراً إلى 18%. وفي 2010، عادل الدينار التونسي، وهو العملة الوطنية، 1.44 من الدولار. وفي المقابل، تحتاج اليوم إلى ثلاثة دنانير لتشري دولاراً واحداً. ومع هبوط قيمة العملة، ارتفعت تكلفة المعيشة. وفي الأقل، أخذ أناس الشارع التونسي العادي يلقون مسؤولية تلك الوضعية على البرلمان. وكذلك قضت جائحة كورونا بشكل شبه كامل على ما تبقى من أسباب مترددة أخرى كانت تدعو إلى التفاؤل.
وخلال الربيع المنصرم، أقرت الحكومة بعد سنوات من الإهمال ونقص التمويل، أن خدماتها الصحية انهارت تحت وطأة واحد من أعلى معدلات الوفيات للفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كلها. وإذ أثارت عملية توزيع غير متقنة للقاح مشاعر الإحباط والمشاجرات، وكذلك تركت الآلاف ينتظرون تحت شمس يوليو الحارقة، فإنها [الحكومة] لم تفعل في نهاية المطاف سوى القليل لجهة طمأنة الشعب الغاضب بأن ممثليه المنتخبين قد نذروا أنفسهم لخدمة مصلحته.
في سياق متصل، لفت يوسف شريف، رئيس "مركز كولومبيا" في تونس، إلى أن "الناس سعداء في الوقت الحالي" لا سيما أن "خطر كوفيد قد تراجع وهم لا يشعرون حقاً بأي آلام اقتصادية حتى الآن". وبحسب ما كان عليه الوضع من قبل، لا يكمن كثير من أسباب دعم الرئيس في الرجل نفسه بقدر ما يعود إلى رفض برلمان لم يفعل شيئاً يذكر لجعله جديراً بأن يفخر بسجله.
وفي ذلك الصدد، ذكر شريف أن "كثيرين لم يكونوا يعرفون قبل 2011 حتى إنه كان لدينا برلمان، وبعد ذلك بات اسمه على كل شفة ولسان". وتابع مشدداً على أن الناس "رأوا على مدى السنوات العشر الماضية سياسيين جدداً نسبياً يبرزون ويستغلون مناصبهم لأغراض تتعلق بالفساد. وبدا البرلمان كأنه ملعب السياسيين، وليس مجلساً للشعب".
واستكمالاً، بالنظر إلى وجود عديد من السياسيين في أنحاء البلاد كلها ممن تقطعت بهم السبل في العاصمة ولا يبدون استعداداً للتفاعل مع ناخبيهم، فقد ضاعت الثقة وباتت صعبة المنال. وكذلك أشار شريف إلى أن أولئك السياسيين "لا يمكن الوصول إليهم ولا يستجيبون لمخاوف ناخبيهم. ومع ذلك علينا ألا ننسى النظام الاقتصادي لأنه لم يرد ذكره فعلياً في أي من تلك المعطيات. لا زلنا نتعامل مع كورونا، لكن التركيز انصب دائماً على غايات سعيد السياسية".
نحن نعلم أنه لا يكن لها [الانتخابات] حباً خاصاً، ولا النوع السياسي الذي تنتجه، بل يفضل أن يستمر وفق حاله الآن.
يوسف شريف، رئيس "مركز كولومبيا" في تونس
وبغض النظر عن الأسلوب الذي تحكم به تونس، فقد تحدد منذ سنوات عدة الاتجاه الذي سيمضي فيه اقتصادها، ويبقى مساره كالحاً لا يشجع على التفاؤل. في تلك الأثناء، تندلع في كل شتاء احتجاجات عنيفة بين الحين والآخر في المناطق النائية المهمشة في تونس. إذ يتحول الإحباط من الظروف المعيشية وعدم توافر فرص العمل، إلى احتجاجات من قبل الشباب الذين يجرؤون على مواجهة قوة الشرطة الوحشية في البلاد.
وبالتالي، أضحت المسؤولية في السنوات الماضية عن سبب المواجهة وأيضاً رد فعل الشرطة العنيف، ملقاة على عاتق الحكومة. وباعتبار أن الرئيس سعيد لم يأت على ذكر الوظائف بشكل جوهري على الرغم من توليه العلني السلطة في كل البلاد وأجهزتها الأمنية، فلا حاجة بنا إلى ذكر أنه يجب ظهور أمل بشتاء يسوده السلام والهدوء.
في المقابل، ليس من المعروف إلى متى ستتمكن تونس من الاستمرار على هذا النحو. ولم يشر الرئيس سعيد إلى وجود أي خطة شاملة. وقد كلف نجلاء بودن رمضان، زميلته الأكاديمية والسياسية المبتدئة، تشكيل الحكومة. وإذ لم يجر الإعلان عن جدول زمني، فقد أغفل البيان الصحافي حتى ذكر مسماها الوظيفي.
في ذلك الصدد، لاحظ شريف "لا أعتقد أننا سنشهد انتخابات جديدة في وقت قريب". وأضاف، "نحن نعلم أنه لا يكن حباً خاصاً لها [الانتخابات] ولا النوع السياسي الذي تنتجه، ويفضل أن يستمر وفق حاله الآن". واستطراداً، يحكم سعيد مباشرة من قرطاج [مقر الرئاسة]، بانتظار اللحظة التي "لن يترك له فيها الاقتصاد والمانحون الأجانب سوى خيار ضئيل بعدم تنظيمها [الانتخابات]".
وحاضراً، تهب الرياح وفق ما تشتهي سفن الرئيس سعيد، لكن يتوجب عليه أن يمضي بحذر. فحتى قيصر تمتع بالشعبية ذات مرة.
© The Independent