إنه "يوم الجريمة" في مؤتمر حزب المحافظين، وتلك مناسبة يشعر فيها الحزب عادة أنه يقف على أرضية صلبة، لأنه يدرك أن مواقفه الصارمة تلقى الارتياح لدى الناشطين الحاضرين في القاعة وعديد من الناخبين الموجودين خارجها.
ومع ذلك، بدا مزاج أعضاء حزب المحافظين هنا في "مانشستر" مشوباً بالتوتر في شأن تلك المسألة. وظهرت رسالة تبوح بالحقيقة على الشاشة في قاعة المؤتمر، تذكرهم تحوطاً بأنهم "حزب القانون والنظام" إذا لم يكونوا متأكدين من ذلك. وثمة قلق في أوساط القواعد الشعبية للحزب حول فشل بريتي باتيل في وضع حد لتدفق اللاجئين والمهاجرين الذين يعبرون القناة الانجليزية بأعداد قياسية على متن قوارب صغيرة، على الرغم من الخطاب اليائس الذي تستعين به أحياناً. وذلك بالكاد ما اعتقد أنصار الـ"بريكست" أنه المعنى الذي تحمله عبارة "استعادة السيطرة " [الشعار الذي رفعه مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي].
وكذلك شكلت تداعيات جريمة قتل سارة إيفرارد المروعة، إحراجاً للحكومة أيضاً. وأبدى الوزراء حذراً حيال انتقاد الشرطة لئلا يتسببوا في خسارتها المزيد من ثقة الرأي العام فيها، بيد أن الوزيرة باتيل أعلنت، أخيراً، في سياق الكلمة التي ألقتها أمام المؤتمر، عن فتح تحقيق في "الإخفاقات المنهجية" والقضايا التي أثارتها إدانة واين كوزينز [الشرطي الذي ارتكب جريمة قتل إيفرارد].
ووفق باتيل، "نحن في حاجة إلى إجابات حول سبب السماح لذلك أن يحدث". في المقابل، فإن القرار الذي اتخذته الشهر الماضي بإعادة تعيين كريسيدا ديك لعامين آخرين في منصب مفوض شرطة العاصمة، يبقى موضع تساؤل نظراً إلى أن استجابة ديك لتلك القضية لم تكن حاسمة.
وبالعودة إلى كلمتها في المؤتمر، فقد جاءت باتيل مدججة بحملة قمعية أُعلن عنها وجرى تتبعها بكثافة، وتهدف إلى تسهيل مهمة الشرطة في منع متظاهرين كناشطي مجموعة "اعزلوا بريطانيا" البيئية ممن تسببوا بتعطيل الطريق السريع "أم 25". واستطراداً، سينجح ذلك التصرف بسهولة في الوصول إلى عناوين الأخبار، إلا أن المحتجين لديهم طرق في العثور على ثغرات في أي تغييرات تُدخل على القانون.
وفي السياق عينه، تناولت وزيرة الداخلية قضية المهاجرين موضحة أنها "تعاين كل الخيارات الممكنة "، وأقسمت على أن تواصل العمل من أجل معالجة تلك المسألة. وبينت أيضاً أنها تسعى إلى إبرام صفقة مع دولة ثالثة، بغرض معالجة حالات المهاجرين هناك، على أمل أن يكون ذلك رادعاً لمهاجرين محتملين.
وفي نفس مماثل، أقر بوريس جونسون في مقابلات أجراها مع وسائل الإعلام بأن التأخير الطويل في عمل نظام العدالة شكل مصدر قلق كبير للنساء. واعتبر أنه "لا يمكن تبرير التأخيرات والإحباط الذي تشعر به النساء، ونحن في حاجة إلى إصلاح ذلك".
في المقابل، فضل دومينيك راب، وزير العدل الجديد، أن يورد في كلمته أمام جمهور المحافظين ما يرضيهم، من خلال التعهد بزيادة عدد المخالفين ممن يجري وضع أداة تتبع إلكترونية عليهم [لمراقبة تحركاتهم]. ولم يقدم سوى القليل من الأمل بالعثور على الموارد بغية تسريع عملية العدالة أو معالجة القضايا المتأخرة التي ازداد عددها بشكل قياسي في المحاكم بعد الوباء. وفي وقت سابق، نقل روبرت باكلاند، وزير العدل السابق الذي أقيل من منصبه الشهر الماضي، إلى جونسون في ملاحظة وداعية، أن "نظامنا القانوني في حاجة إلى الاستثمار (بعد) سنوات من معاناته من نقص التمويل".
في تطور متصل، تجاوب جمهور المؤتمر المُكون من مندوبي حزب المحافظين مع راب بشكل مهذب، وتمكنوا من أن يقابلوا باتيل بحرارة. إلا أن وزيرة الداخلية التي كانت ذات يوم حبيبة المؤتمر، أفل نجمها وسط انتقادات عن أدائها. وقد تراجعت في الاستطلاع الشهري الذي يجريه موقع "كونسيرفاتف هوم" الإلكتروني عن آراء أعضاء حزب المحافظين في مجلس الوزراء، تراجعت من المركز السابع حين حققت معدل رضى زاد على 76+ نقطة في ديسبمر (كانون الأول) 2019، إلى مرتبة متدنية تجعلها لا تزيد شعبية إلا على ثلاثة من أعضاء المجلس، إذ سجلت شعبيتها مجرد 10+ نقاط. وعلى الرغم من ذلك، لم يتركها جونسون تعود إلى مقاعد النواب العاديين ممن لا يشغلون أي منصب حكومي، أو يُسند إليها منصب لا ينطوي على القدر نفسه من التحدي، بحسب ما أمل كثيرون من نواب حزب المحافظين ممن توقعوا أن يفعل [جونسون ذلك] في سياق التعديل الوزاري الذي أجراه الشهر الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن جهة أخرى، يصر حلفاء باتيل على أنها "تحقق نتائج"، وتعيد تنظيم وزراة الداخلية التي تحتاج إلى التغيير، وكذلك تُطبق نظام هجرة يعتمد على النقاط، وتجند نصف العدد الإجمالي الذي يبلغ 20 ألف شرطي، ممن تعهد حزب المحافظين بتجنيدهم في بيانه الانتخابي.
ومع ذلك، ظهر المحافظون في صورة مهتزة. إذ لم يسجلوا الأهداف في ملعبهم المفضل المتمثل في القانون والنظام. ولربما حاولوا ذلك بشكل مبالغ فيه. وقد لفت فرنك لونتز، منظم استطلاعات الرأي المخضرم لدى الحزب الجمهوري الأميركي، في اجتماع نظمته مجلة "سبيكتاتور" ضمن فعاليات تُجرى على هامش المؤتمر، إلى أنه "إذا كنت تتحدث عن الجريمة وأنت في الحكومة، فكلامك يعني بحكم طبيعته أنك تفشل [في مكافحة الجريمة]. وإذا اعترفت بأنك تحتاج إلى تركيز جديد على الجريمة ، فإنك تقر بأنك لم تنجح".
وفي ذلك الصدد، يشير وزراء إلى أن خفض معدلات الجريمة يندرج ضمن أجندة "رفع المستوى" التي يعتمدونها، غير أن ذلك يخفف من تأثير برنامج جونسون الرائد الذي ينبغي أن يكون أشد تركيزاً بدلاً من أن يكون وسيلة تسعى إلى إرضاء الجميع، وهو أمر مستحيل، بحسب وصف عن ذلك البرنامج قدمه لي أحد النواب المحافظين.
وثمة سبب آخر للقلق الذي ينتاب المحافظين بخصوص القانون والنظام، مع أنهم لن يعترفوا بذلك صراحة. إذ شنت باتيل وراب هجمات على حزب العمال بحرص كما لو كانا يمارسان شعائر دينية معتادة، واتهماه بـأنه "لين" حيال الجريمة. وفي المقابل، تبدو تلك الاتهامات جوفاء حاضراً باعتبار أن كير ستارمر يقود الحزب [العمال]. وبالفعل، خلال الأسبوع الماضي، حاز حزب العمال مصداقية تامة حين قلب الطاولة على حزب المحافظين واصفاً إياه بأنه "لين حيال الجريمة وأسباب الجريمة".
واستطراداً، قضى حزب العمال الصيف في متابعة حملته ضد السلوك غير الاجتماعي. وتحدث ستارمر على نحو مؤثر ومملوء بالعاطفة عن عمله رئيساً لـ"خدمة الادعاء الملكية"، منوهاً بشكل خاص بما فعله لمساعدة الضحايا، وذلك في الكلمة التي ألقاها أمام مؤتمر حزب العمال [انعقد أخيراً في "برايتون"]. ومع أن ذلك لن يكفي في حد ذاته لجعله يفوز بالانتخابات، فإنه قد يشكل ميزة فريدة ربما تعينه في كسب التأييد الشعبي.
وكذلك استذكر ستارمر أنه قاضى أعضاء في مجلس النواب بسبب المطالبات التي رفعوها بشأن نفقاتهم، في إشارة إلى تحقيق خطوة ترمي إلى "تنظيف السياسة" في الانتخابات المقبلة، إضافة إلى استغلال ميل حكومة جونسون للتصرف كأن هنالك قانوناً لها وحدها وآخر لكل ما عداها. وإذا لم يجر ضبط ذلك الميل، فإنه قد يتحول فيما بعد إلى عيب قاتل في حزب المحافظين.
© The Independent