أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع على متظاهرين يدعون إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية أمام مبنى البرلمان في مدينة أم درمان التوأم للعاصمة الخرطوم، وفق ما أفاد شهود وصحافي في وكالة الصحافة الفرنسية.
وذكرت لجنة أطباء السودان المركزية أن 37 شخصاً أصيبوا في مظاهرات الخميس. وقال التلفزيون الحكومي إن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع والأعيرة النارية الحية لتفريق الاحتجاجات أمام مبنى البرلمان في أم درمان.
وقالت الشرطة في بيان إن محتجين في أم درمان أضرموا النيران في مركبة للشرطة وهاجموا أفرادها وأطلقوا النار على اثنين منهم مما دفع الضباط لاستخدام ما وصفته بكمية قانونية من وسائل مكافحة الشغب لتفريق الحشد.
ونزل عشرات الآلاف من أنصار الحكم المدني في السودان بعد ظهر الخميس 21 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وسط أجواء متوترة إلى شوارع الخرطوم حيث يعتصم منذ ستة أيام مؤيدون لإنشاء "حكومة عسكرية" يقولون إنها وحدها قادرة على إخراج البلاد من الأزمتين الاقتصادية والسياسية المتفاقمتين.
واختار المحتجون يوماً ذا رمزية كبيرة في السودان، إذ يصادف ذكرى أول انتفاضة شعبية في 21 أكتوبر 1964 التي أطاحت بحكم الجنرال ابراهيم عبود ومجلسه العسكري.
وتزداد مخاوف من حدوث صدامات بين الطرفين على الرغم من دعوات تهدئة أطلقها قادتهما والحكومة خلال الأيام الأخيرة.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم منذ مساء الأربعاء، أن الخميس يوم عطلة في كل المدارس "حرصاً على سلامة" التلاميذ. وأغلقت العديد من المحلات التجارية أبوابها منذ الصباح.
"الردة مستحيلة"
وانتشرت الشرطة لحماية المباني الحكومية، فيما أغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط الخرطوم بوضع حواجز إسمنتية ونشر جنود يحملون بنادق كلاشينكوف، وفقاً لصحافي في وكالة الصحافة الفرنسية.
ورفع مئات الشباب المؤيدين للحكم المدني أعلام السودان هاتفين "مدنية... خيار الشعب"، و"ثوار، أحرار، حنكمل المشوار".
كما رفعوا شعار "الردة مستحيلة"، في إشارة إلى رفضهم العودة إلى الحكم العسكري أو النظام الإسلامي الذي حكم السودان على مدى 30 سنة بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطيح به تحت ضغط انتفاضة شعبية عارمة في أبريل (نيسان) 2019.
ونظّم عشرات الصحافيين مسيرة رافعين لافتات كُتب عليها "السلطة للشعب".
وسار مؤيدو الجيش من جهتهم على أحد الجسور في الخرطوم رافعين لافتات تحمل صور رئيس الوزراء عبدالله حمدوك مع إشارة إكس (X) عليها، في إشارة إلى مطالبتهم بحل حكومته.
أما في ساحة الاعتصام، فحمل المحتجون الخميس، أعلام السودان ورقصوا على أنغام موسيقى انبعثت من مكبرات صوت في المكان.
وقال حماد عبد الرحمن (37 سنة) الذي يشارك في الاعتصام وقد ارتدى زياً سودانياً تقليدياً، وهو عبارة عن جلباب أبيض مع عمامة على رأسه، "الناس الذين سيتظاهرون حقّهم أن يعبروا، لكننا نؤمن بأننا في الموقف الصحيح".
وأطاح الجيش في عام 2019 نظام البشير الذي حكم السودان لأكثر من 30 سنة بقبضة من حديد، بعد انتفاضة شعبية عارمة استمرت شهوراً، وتسلّم السلطة. لكن الاحتجاجات الشعبية استمرت مطالبة بسلطة مدنية وتخللتها اضطرابات وفض اعتصام بالقوة سقط خلاله قتلى وجرحى.
في أغسطس (آب) 2019، وقّع العسكريون والمدنيون (ائتلاف قوى الحرية والتغيير) الذين كانوا يقودون الحركة الاحتجاجية، اتفاقاً لتقاسم السلطة، نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقاً. وبموجب الاتفاق، شُكّلت سلطة تنفيذية من الطرفين، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينقسم الفريقان اليوم، إذ تصاعدت الخلافات بين المدنيين الموجودين في السلطة ما أضعف الدعم الذي يحظى به رئيس الوزراء عبدالله حمدوك. وبدأت تعلو أصوات تطالب "بحكومة عسكرية".
لا للصدام
وعقد الطرفان الأربعاء مؤتمرين صحافيين في وقت متزامن تقريباً.
وقال أحد قادة المعتصمين، محافظ ولاية دارفور (غرب) مني مناوي إن "يوم 21 أكتوبر هو يوم للتسامح مع الجميع وليس للتحريض". ويرأس مناوي حركة تحرير السودان.
وقال وزير المال جبريل إبراهيم المطالب أيضاً بحكم عسكري، "نرفض بشكل حازم الاعتداءات أو اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف".
في المقابل، قال ممثل لجان المقاومة المنظمة للاحتجاجات المطالبة بحكم مدني علي عمّار إن "موكبنا لن يقترب من القصر الجمهوري أو مجلس الوزراء حتى لا يحدث صدام مع المعتصمين. هذا ما يريده البعض، لكن ثورتنا بدأت سلمية ونريد لها أن تستمر سلمية".
حركة دبلوماسية
وتشهد الخرطوم حراكاً دبلوماسياً مكثفاً، إذ وصلت إلى الخرطوم قبل يومين وزيرة الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية البريطانية فيكي فورد.
وأكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال لقائه بها حرص القوات المسلحة والمكوّن المدني على "إنجاح الفترة الانتقالية وصولاً إلى حكومة مدنية منتخبة تلبي تطلعات الشعب السوداني".
وشدد البرهان، وفق بيان صادر عن مكتب المجلس الإعلامي، "الالتزام بالوثيقة الدستورية والحفاظ على الشراكة بين المكونين العسكري والمدني".
والتقى نائب المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي بيتون نوف عدداً من المسؤولين السودانيين تمهيداً لزيارة المبعوث جيفري فيلتمان إلى الخرطوم نهاية الأسبوع الحالي.
ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا" عن نوف قوله الأربعاء، إن واشنطن "كصديقة للانتقال إلى الحكم الديمقراطي المدني الكامل ستبذل جهدها للمساعدة في تجاوز الأزمة الراهنة، وذلك بفعل كل ما بوسعها لحل الخلافات بين الأطراف المختلفة".
ودعت سفارة الولايات المتحدة بالخرطوم المتظاهرين إلى الحفاظ على الطابع "السلمي" للاحتجاج.
وقالت السفارة في بيان "نشجّع المتظاهرين على السلمية ونذكّرهم بالدعم الأميركي القوي للانتقال الديمقراطي في السودان".