ندعو المستثمر الأجنبي إلى تناول عشاء في مطعم مصنف بأنه استثنائي وإلى شرب فنجان من الشاي مع الملكة، وفي ما يشبه السحر، تتدفق استثمارات بمليارات الدولارات الأميركية ووظائف بعشرات الآلاف. هذا ما يفكر به معتنقو شعار "آمنوا ببريطانيا"!
نعم، يعقد رئيس الوزراء بوريس جونسون قمة استثمارية مع مجموعة براقة من رجال الأعمال العالميين، وتتطلب مناسبة كهذه ضجيجاً. وهكذا صدر إعلان بوصول 10 مليارات جنيه استرليني (13.78 مليار دولار أميركي) – من مصادر تشمل أوروبا من الجهة التي يحرك جونسون قبضته عادة نحوها. والواقع أن حصة الأسد أتت من هذه الجهة، من "إيبردولا"، وهي شركة إسبانية للطاقة ستضخ 6.5 مليار جنيه في مشروع بحري لطاقة الرياح أمام ساحل إيست أنغليا.
ورُوِّج للاستثمار بأنه جديد ورائع. لكنه لم يكن جديداً. فأي متابع سيتنبه إلى أن المشروع أُعلِن في الواقع في فبراير (شباط) حين اختيرت شركة "سيمنز" الألمانية لصنع التوربينات. وفي هذه الحالة، لا تعود كلمة "جديد" في الإعلان بمثابة خبر.
قد يقول المرء إن شيئاً لم يتغير، وربما يجب أن نسامح الحكومة على إدارتها الضعيفة للأنباء، إذ تحاول تلميع سمعة المملكة المتحدة كمركز للاستثمار، وهي سمعة تلطخت كثيراً بسبب التصويت لصالح بريكست. وفق تحليل لـ"إرنست أند يونغ"، الشركة الاستشارية، تحملت البلاد ثلاث سنوات متتالية من تراجع حصتها في سوق الاستثمار بعد التصويت، فخسرت موقعها المتقدم كأكثر الوجهات الأوروبية شعبية في نظر المستثمرين الأجانب لصالح فرنسا عام 2019 ومجدداً عام 2020. وللإنصاف، تحسنت الأمور نوعاً ما منذئذ لكن إلى متى يمكن أن يستمر التحسن؟
ربما تحاول المملكة المتحدة اجتذاب الاستثمار الأجنبي – لكن الحكومة تحاول في شكل مغرض أن تنحي باللائمة على القطاع الخاص البريطاني في ما يخص الشراء المذعور والرفوف الفارغة في محال السوبرماركت والطوابير التي تتجمع أمام محطات الوقود. فالحكومة زعمت أن القطاع الخاص "يعتمد بإفراط" على العمالة الدولية الرخيصة. وحضته على التوقف عن الشكوى ودفع أجور أعلى إلى العاملين. لكن لا يوجد ما يكفي من العاملين، وفي حين قد يرفع أصحاب العمل رواتب عامليهم، لا سيما في بعض القطاعات الرئيسية، لا يستطيع الجميع أن يتحملوا دفع علاوات بثلاثة آلاف جنيه على غرار ما تفعله "أمازون".
لا عجب في أن كرايغ بومونت، مسؤول الشؤون الخارجية في اتحاد الأعمال الصغيرة، وصف الخطاب الذي سمعه في مؤتمر حزب المحافظين بأنه "مرعب".
وهذا الأسبوع فقط، تدخل ستيفن فيبسون، رئيس الهيئة القطاعية الممثلة للمصنعين، "التصنيع البريطاني" – قائلاً: "ثمة شعور في القطاع بأن الحكومة لا تزال تخوض الحرب الأخيرة وتعتبر القطاع الخاص العدو الداخلي".
أسمع سراً تعابير عن مشاعر مشابهة منذ أشهر. والمذهل أن الانزعاج استغرق هذه المدة الطويلة ليخرج إلى العلن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا بد من أن المجتمعين في القمة الاستثمارية تنبهوا إلى الخلفية الفوضوية التي تُعقَد المناسبة في ظلها. ولا بد من أنهم أُبلِغوا أيضاً بالخطاب العدواني الموجه إلى مجتمع الأعمال المحلي.
من بين المشاركين في الاستعراض، جايمي دايمون، رئيس "جي بي مورغان"، المصرف الذي يتولى حالياً منصب كبير كهنة القطاع المصرفي العالمي. ويفضل كهنة القطاع المالي عادة عبارات مخففة حين يعبرون عن آرائهم علناً. فلماذا يخاطرون بالمال؟
لكن دايمون مختلف قليلاً. يسعده عادة قول ما يفكر فيه وكثيراً ما كان حاداً في ما يتعلق ببريكست. ففي رسالته السنوية إلى المساهمين في وقت سابق من هذا العام، كتب يقول إن الاتحاد الأوروبي "كان وسيبقى صاحب اليد العليا". وأضاف: "من الواضح بمرور الوقت أن السياسيين والمنظمين الأوروبيين سيتقدمون بمطالب مفهومة لنقل وظائف إلى كيانات أوروبية ذات سيادة. وستزداد أهمية باريس وفرانكفورت ودبلن وأمستردام مع أداء مزيد من الوظائف المالية فيها".
هذا موضوع تكررت عودة دايمون إليه. وليس كلامه مجرد خطابة. فمركز التداول الذي أنشأه مصرفه في باريس يثبت ذلك.
ولا تقتصر المشكلة على قطاع الخدمات المالية، مثلما يبين قرار "إنتل" الأخير استبعاد المملكة المتحدة كموقع لمصنعها الأوروبي الجديد للرقائق.
في مقدور جونسون أن يصدح حين يناسبه ذلك بأهمية القلب التجاري للندن ورغبته في اجتذاب الشركات العالمية، لكن أبرز الأعمال في المنطقة تغادرها.
وسيتنبه دايمون والمشاركون الآخرون بالطبع إلى أن أزمة سلاسل الإمداد أزمة عالمية. لكنهم سيعرفون أيضاً أن المملكة المتحدة عانت أسوأ مراحل الأزمة والسبب وراء ذلك.
ليس واضحاً تماماً الرأي الذي كونوه عن الشكوى الحكومية الوقحة من نظرائهم البريطانيين. قد ينورنا دايمون في رسالة مقبلة إلى المساهمين. وقد تكون قراءتها ممتعة.
© The Independent