بعد أكثر من ثلاثين سنة من الغياب، عادت الفنانة المغربية الكبيرة عزيزة جلال لتحرك الحنين في قلوب عشاقها، وذلك عبر ظهورها على قناة mbc أمس الأربعاء في يرنامج "اللقاء من الصفر"، لتغني مقطعا من أغنيتها الشهيرة "مستنياك"، ولتتحدث عن حياتها الفنية، عن البدايات والصعوبات، والإنجازات والنجاحات، ثم عن فترة الصمت الطويل. كان ذلك في حلقة حوارية من حوالي الساعة، من البرنامج الذي يقدمه الإعلامي السعودي مفيد النويصر للموسم الثالث.
عادت عزيزة جلال إلى زمن الطفولة، إلى الاسم الذي منحه لها جدّها، إلى إعجابها بصوت أمها وتأثرها به، وإلى الحديث عن مرضها الذي تسبب لها باكرا في ضعف في النظر، فضلا عن الحَوَل الذي كان أقرانها يعيّرونها به خلال مرحلة الطفولة، ألزمها هذا المرض استعمال النظارة الطبية لسنوات طويلة. وبعد إجراء عملية جراحية ناجحة في أمريكا أخبرها الأطباء أن بإمكانها إزالة النظارة، غير أنها لم تفعل، لأنها صارت – كما حكت في البرنامج- جزءا من شخصيتها.
كما عادت إلى زمن البدايات، حيث طلبت من صديقة لأمها أن ترافقها إلى مقر الإذاعة والتلفزيون، من باب الفضول فحسب لتصادف لحظة تسجيل برنامج للمواهب الغنائية، فقدمت نفسها لمنشط البرنامج وطلبت منه أن يسمع صوتها. ليتفاجأ بها وهي تغني له اسمهان، وسط إعجاب الحاضرين.
وبالفعل دخلت عزيزة جلال عالم الفن أواسط السبعينات من باب برنامج "مواهب" الذي كان يشرف عليه الملحن المغربي عبد النبي الجيراري، والذي يعود إليه الفضل في اكتشاف ورعاية الكثير من الأصوات المغربية التي جايلت عزيزة جلال. بدأت بأداء أغاني اسمهان وشادية، وبعض القطع الوطنية التي لحنها لها الموسيقار الرائد أحمد البيضاوي، قبل أن تسافر إلى الإمارات لتغني للفنان جابر جاسم قطعا اشتهرت بها في تلك الفترة. غير أن انطلاقتها الحقيقية كانت في القاهرة مع الفنان محمد الموجي الذي كان أول من تعامل معها من الملحنين المصريين، لينتفح لها باب الشهرة بعد أن قدمت مجموعة من الأغاني مع كبار الملحنين هناك: رياض السنباطي، بليغ حمدي، سيد مكاوي، كمال الطويل، وحلمي بكر. ويعود الفضل في تلك المرحلة إلى الشاعر الغنائي مأمون الشناوي
الذي وجه إحدى شركات الإنتاج إلى استقطاب عزيزة جلال، بعد سماعه لها وهي تغني اسمهان، هو الذي تنبأ لها بمستقبل فني كبير.
لم تخب توقعات الشاعر، وتحولت صاحبة "مستنياك" إلى علامة كبيرة في تاريخ الغناء العربي المعاصر، بالرغم من قصر مسيرتها الفنية، التي توقفت في منتصف الثمانينات، بعد زواجها برجل الأعمال السعودي الشيخ علي بن بطي الغامدي .
كتب الشناوي في البداية أغنيتين لعزيزة، ولحنهما الموجي الذي كان سعيدا بسماع صوتها. بدا الرجل كما لو أنه عثر على كنز، لا سيما بعد غياب صوتين كبيرين منتصف السبعينات تعامل معها: أم كلثوم وعبد الحليم. تعاقبت الكلمات والألحان، وسرى ذكر السيدة التي تغنيها بنظارتين كبيرتين في كل الأقطار العربية. غير أن سقف الشهرة وسقف الأداء سيكون مع الملحن العبقري بليغ حمدي وأغنيته "مستنياك" التي ظلت تتردد على مدار سنوات طويلة، في المشرق والمغرب، سواء بصوت عزيزة جلال، أو بأصوات مطربين ومطربات من أجيال متعاقبة وبلدان عربية مختلفة.
توقفت عزيزة في حلقة أمس من برنامج "اللقاء من الصفر" عند الكثير من ذكرياتها الفردية والمشتركة، واستحضرت مرحلة الإمارات، حيث أدت أغاني خليجية، وأشارت إلى الصعوبة التي عانتها مع اللهجة، وإلى التحدي الذي رفعته في منطقة الخليج، حيث كانت الأصوات الغنائية النسوية قليلة جدا.
كما سردت تفاصيل حلمها بالوصول إلى القاهرة، وعن الصدى الهائل الي خلفته هناك بعد أن قدمت عددا من الأغاني الطربية التي حظيت بالشهرة والتداول. واعترفت بأن الموجي هو من فهم صوتها واستثمره بشكل جيد في ألحانه، كما صرحت أنها مدينة للشاعر عبد الوهاب محمد الذي كان أكثر من غنّت له، والذي رأت فيه أيضا صورة الأب الذي رعاها وسط عائلته، وفتح لها مكتبة البيت. استعادت بفرح وحسرة ذكراها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، حيث التقت به لأول مرة وهي تنزل من الخشبة، ليهنئها ويقول لها: "أنا تسلطنت مع أغنيتك يا هانم"، وتأسفت كثيرا لأنها لم تغني له. تحدثت عزيزة عن أسماء كثيرة، لكنها حين وصلت بالحديث إلى رياض السنباطي وصفته ب "العظيم"، وقالت عن ألحانه: "كنت أحسّ السنباطي في صوتي". ولن تنس عزيزة جلال أن توجه رسالة ضمنية لأهل الوسط الفني، مفادها أن الفنانة، مهما بلغت شهرتها، لا يجب أن تفرّط في أسرتها.
كانت عزيزة جلال تتحدث في برنامج "اللقاء من الصفر" بمرح وخفة، وكان الإشراق والفرح واضحين على وجهها، بالمقابل كان الكثير من محبيها الدين تابعوا الحلقة يتساءلون: لماذا تختفي نجمة أصيلة مثل عزيزة جلال وتصمت هذا الصمت الطويل، بينما يملأ الكثير من النشاز الساحة الفنية العربية؟