من المنتظر أن ينطلق مؤتمر الأمم المتحدة الـ26 لتغيّر المناخ (COP26) في "غلاسكو" بالمملكة المتحدة بهدف وضع العالم على طريق لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بقوة وإبطاء ارتفاع درجة حرارة الأرض. ويجمع الحدث العالمي الذي ينعقد في الفترة من 31 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، رؤساء الدول والمتخصصين في المناخ والناشطين للاتفاق على عمل منسق للتصدي لتداعيات التغيّر الحاصل على كوكب الأرض وفي الاقتصاد العالمي، لكن المفاوضين لن يكونوا وحدهم، إذ تشارك في المؤتمر المجموعات البيئية والعلماء وقادة الأعمال والدبلوماسيون.
ويجد قادة الحكومات في القمة المرتقبة، التي تأخرت لمدة عام بسبب جائحة كورونا، أنفسهم يواجهون ضغوطاً لتقديم وعود أكثر جرأة وواقعية. وحثت المملكة المتحدة بصفتها رئيسة للمؤتمر، على لسان رئيس وزرائها بوريس جونسون، قادة العالم والمجتمع المدني والشركات والأفراد على التزام صافي الصفر. وقال جونسون، في كلمته على موقع المؤتمر إن "تأمين مستقبل أكثر إشراقاً لأطفالنا والأجيال المقبلة يتطلب من بلدان العالم اتخاذ إجراءات عاجلة في الداخل والخارج لمواجهة التغيّر المناخي"، مؤكداً "أهمية المؤتمر وكونه حاسماً في طريق استعادة نظافة الأرض وإعادة بناء كوكب أكثر اخضراراً".
مجموعة العشرين تمثل 80 في المئة من الانبعاثات
وبحسب مؤتمر التغيّر المناخي، فإن مجموعة الدول العشرين ستكون مفتاحاً مطلقاً لمستقبل البشرية البالغ 1.5 درجة (الحد من ارتفاع حرارة الأرض لهذه الدرجة)، إذ تمثل معاً 80 في المئة من الانبعاثات العالمية، أي حوالى 85 في المئة من الاقتصاد العالمي، ومع ذلك لم يلتزم سوى 13 فقط من مجموعة العشرين بصافي الصفر. ويتطلب حصر الاحتباس بـهدف 1.5 درجة مئوية في كل القطاعات الاقتصادية وخفض الانبعاثات الكربونية إلى النصف بحلول عام 2030، والوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول منتصف القرن. وللحفاظ على 1.5 على قيد الحياة، يجب على دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إنهاء استخدام طاقة الفحم بحلول عام 2030، وبقية العالم بحلول عام 2040، مما يتطلب التزام الدول إنهاء استخدام طاقة الفحم في الداخل ووقف تمويل الفحم في الخارج.
بريطانيا خفضت الانبعاثات الكربونية بنسبة 44 في المئة
من جانبه قال ألوك شارما، رئيس الدورة الـ26 لمؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ 2021، إن "جائحة كورونا جلبت الدمار الذي لحق بالملايين حول العالم، وعطلت أجزاء كثيرة من الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من جهود حكومات العالم لحماية الأرواح وسبل العيش، إلا أن التغيّر المناخي استمر وأصبح يهدد الحياة على الأرض". وأشار إلى أنه "ومع بدء البلدان بالتعافي من الوباء، ينبغي التعامل مع الفرصة التاريخية لمعالجة المناخ لبناء عودة أفضل وأكثر اخضراراً وجلب وظائف جيدة، وضخ التريليونات في التقنيات الجديدة الرائدة التي تحدّ من الآثار المدمرة للتغيّر المناخي".
وأشار شارما إلى أن حوالى 70 في المئة من اقتصاد العالم مغطى اليوم بأهداف صافي الصفر، بزيادة أقل من 30 في المئة عند تولّي المملكة المتحدة رئاسة مؤتمر التغيّر المناخي، قائلاً إن "العالم يتجه نحو مستقبل منخفض الكربون والطاقة النظيفة مثل الرياح والطاقة الشمسية، التي تُعدّ اليوم مصدراً أرخص لتوليد الكهرباء في معظم البلدان". ولفت إلى أن "صناع السيارات في العالم يتحولون اليوم إلى إنتاج النماذج الكهربائية والهجينة فقط، في وقت بدأت مدن عدة في العالم بجهود للحدّ من الانبعاثات الكربونية".
وأضاف، "المملكة المتحدة بدأت جهوداً مماثلة على امتداد الأعوام الـ30 الماضية من حيث تحقيق نمو في الاقتصاد البريطاني بنسبة 78 في المئة مع خفض الانبعاثات بنسبة 44 في المئة"، موضحاً أن "40 في المئة من الكهرباء في البلاد مصدرها الفحم وهو رقم أقل من 2 في المئة مما يعكس أن التغيير ممكن". وذكر أن "بريطانيا كانت أول دولة تعهدت بالحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة 78 في المئة بحلول عام 2035، وتتجه إلى التخلص تدريجاً من طاقة الفحم بحلول عام 2024، كما سينتهي البيع الجديد لمركبات البنزين والديزل في البلاد بحلول عام 2030". وأكد شارما "جدية قادة العالم في خفض البصمة الكربونية"، لكنه أضاف "نحن لا نستطيع الاستيقاظ عام 2029 ونقرر قطع انبعاثاتنا بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2030"، في إشارة إلى الحاجة للتخطيط المسبق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "المملكة المتحدة تدفع الآخرين إلى عدم التردد في اتخاذ قرارات سياسية كبيرة تتضمن إنهاء طاقة الفحم والتخلص التدريجي من المركبات المسببة للتلوث واعتماد زراعة أكثر استدامة ومعالجة إزالة الغابات ودعم التنمية". وأضاف، "للأسف الحد من الانبعاثات ليس كافياً بالنسبة إلى دول عدة، وهو أكثر قتامة مما يبدو عليه. فقد وُلدت في الهند وفي الوقت الذي عملت في حكومة المملكة المتحدة كوزير مسؤول عن المعونات الدولية، كان لدي تعاطف حقيقي مع البلدان النامية، التي تشعر بأن الأمر يعود إلى الدول الصناعية المتقدمة للمساعدة في معالجة مشكلة من صنعها إلى حد كبير". وقال، "في الواقع، أحد الأسباب التي دفعتنا إلى تنظيم المؤتمر والحرص على الحضور الشخصي للمشاركين هو أن نضمن أن تُسمع أصوات هذه الدول، بخاصة البلدان الأكثر ضعفاً، فشعوب هذه الدول ترى منازلها تختفي تحت الماء ومحاصيلها يدمرها الجفاف".
وخاطب شارما الحضور، قائلاً "إذا كنا جادين حول ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة والتكيف مع تأثيرات التغيّر المناخي، فيجب أن نبدّل الطريقة التي نعتني بها بأرضنا وبحارنا وكيف نزرع طعامنا؟ وهو أمر مهم إذا أردنا حماية كوكبنا واستعادة التنوع البيولوجي في العالم، لذلك سنعمل من خلال المؤتمر ومع الشركاء لاتخاذ إجراءات إلى الأمام بشأن الحماية واستعادة الغابات والنظم البيئية الحرجة، وسوف ندافع عن الانتقال نحو الاستدامة والمرونة والطبيعة الزراعية الإيجابية".
وأكد شارما ضرورة أن يكون مؤتمر "غلاسكو" حاسماً سواء للأجيال المقبلة، التي ستنظر إما بإعجاب أو يأس، قائلاً إن "هذا يتوقف كلياً على قدرة بلدان العالم على اغتنام فرصة المؤتمر لإحداث التغيير".
النقل البري يسهم بـ10 في المئة من الانبعاثات العالمية
وفي السياق المناخي، أوضح المتحدثون أن "قطاع النقل البري يمثل 10 في المئة من الانبعاثات العالمية. وللحفاظ على 1.5 درجة على قيد الحياة، يجب على دول العالم التزام أن تكون السيارات والشاحنات الجديدة كلها خالية من الانبعاثات بحلول عام 2040، أو 2035 في البلدان التي لديها أكبر أسواق للسيارات".
وعلى جدول المؤتمر أيضاً، قضية إزالة الغابات التي شغلت حيّزاً من الاهتمام، إذ إن استخدام الأراضي مسؤول عن 23 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية، ويلعب وقف إزالة الغابات وعكس مسارها بحلول نهاية هذا العقد دوراً حيوياً في الإبقاء على 1.5 درجة في متناول اليد، وهذا يعني ضمان أن الأسواق العالمية تكافئ الإنتاج المستدام.
التمويل ركيزة أساسية
ويُعتبر التمويل ركيزة أساسية في جهود الحد من الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض، لذلك تتمثل إحدى أولويات مؤتمر الأطراف الرئيسة في الحصول على تدفق التمويل للعمل المناخي، العام والخاص، على حد سواء، بخاصة إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية وحتى في ظل سيناريو الحد من الاحتباس الاحتراري إلى 1.5 درجة، ستكون هناك حاجة لحماية البلدان الأكثر ضعفاً من تأثيرات التغيّر المناخي.
وحث مؤتمر "غلاسكو" جميع مؤسسات التمويل الخاصة على التزام صافي صفر بحلول عام 2050، وكذلك العمل مع بنوك التنمية وبنوك التنمية المتعددة الأطراف لتعبئة التمويل للاقتصادات النامية. كما حض الدول المتقدمة على الوفاء بوعدها بجمع مبلغ 100 مليار دولار سنوياً من التمويل الدولي للمناخ، الذي تم التعهد به للمرة الأولى عام 2009.