فجّرت تصريحات لمسؤولة أردنية سابقة في مؤسسة الغذاء والدواء موجةً من الغضب والقلق بعد كشفها عن إحصاءات مثيرة حول سلامة الغذاء الذي يتناوله الأردنيون، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان ما ردّده وزير الصحة عام 1994، عبدالرحيم ملحس، الذي فجّر خلال توليه وزارة الصحة قضية فساد الدواء والغذاء في البلاد.
وثار جدل حاد بعد حديث سناء قموة، المدير السابقة لمختبرات الغذاء، عن "أن غذاء الأردنيين مسرطن وغير آمن، خصوصاً منتجات القمح والحليب والأرز"، بينما ردت الحكومة الأردنية بنفي هذه المعلومات والإصرار على "أنها تستند إلى قواعد فنية قديمة تم إلغاؤها أو تحديثها"، الأمر الذي أثار الهلع والشكوك في صفوف المواطنين، حول سلامة ما يتناولونه يومياً.
أغذية مسرطنة
وكانت سناء قموة قد قالت في تصريحات صحافية، "إن الغذاء في الأردن غير آمن، بدليل ارتفاع نسب الإصابة بمرض السرطان، بخاصة سرطان الثدي والقولون مقارنة بالدول المجاورة، وأنها عانت سابقاً بإقناع المسؤولين بذلك ما دفعها للاستقالة من منصبها في مؤسسة الغذاء والدواء، الجهة الرسمية المسؤولة عن فحص مدى سلامة الأغذية المستوردة والمحلية في البلاد".
وأشارت إلى "أنه تم إجراء دراسات عن الحليب، والسمك، والأرز، والبقوليات، والمكسرات، وتبين أن منتجات الحليب في السوق المحلية المصنوعة من حليب البودرة، يتم تحضيرها من مواد تختلف عن الحليب الطبيعي وفيها نسب بروتين مختلفة"، واصفة إياها "بمخلفات التصنيع في بلدان أخرى، حيث يضاف إليها زيوت مهدرجه وأحماض دهنية مؤكسدة تؤدي إلى السرطانات"، مستغربة "عدم الاعتماد على الحليب الطبيعي على الرغم من توفره بالسوق المحلية بكثرة".
وحذرت قموة من "خطر الأسماك في السوق الأردنية، بخاصة المستوردة من فيتنام، حيث لا يتم فحص الأدوية البيطرية والمركبات التي تؤدي إلى سرطانات. وأكدت "أن جميع أنواع الأرز بالأسواق يحتوي على 22 ضعفاً من المركبات العضوية الفسفورية المسموح بها". ولفتت إلى "انتشار سرطان القولون والمستقيم عند الرجال، وسرطان الثدي عند النساء في الأردن بسبب الغذاء".
نفي رسمي
بدوره، قال مدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء الحكومية، نزار مهيدات، "إن المعلومات المتداولة حول سلامة الغذاء غير دقيقة، وإن جميع المواد الغذائية المستوردة تخضع لإجراءات رقابية مشددة"، مؤكداً "سلامة وجودة الغذاء، بحيث يتم في مختبرات المؤسسة إجراء جميع التحاليل المخبرية المطلوبة من قبل فنيين مؤهلين باستخدام أحدث وأدق الأجهزة المخبرية المتطورة، وبالاعتماد على الأسس والمرجعيات العلمية والدولية ومن ضمنها معايير هيئة دستور الأغذية والاتحاد الأوروبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يؤكد مهيدات، "أنه يتم سحب عينات من مستوردات القمح للمملكة لفحص صلاحيتها وجودتها، كما يتم التعامل بذات الطريقة مع سوق الأسماك المجمدة، حيث يتم فحصها فيزيائياً وكيميائياً وجرثومياً وإتلاف الفاسد منها أو غير المطابق للمواصفات". يضيف، "لا يسمح باستخدام الحليب المجفف في تصنيع اللبن واللبنة حسب القواعد الفنية ولغايات تشجيع المنتج الوطني، ونقوم بتنفيذ جولات رقابية دورية على مصانع ومعامل الألبان ومنتجاتها، ويتم التحري عن استخدام دهون ليست من أصل المنتج، بحيث يتم إغلاق وإيقاف المنشآت التي تثبت مخالفتها".
تحرك نيابي
القلق الشعبي رافقه قلق نيابي، حيث قال رئيس لجنة الصحة النيابية، أحمد السراحنة، "إن الادعاءات بوجود مواد مسرطنة في غذائنا خطيرة ولا يمكن السكوت أو التغاضي عنها". وأضاف، "سيتم استدعاء وزير الصحة فراس الهواري والمدير العام لمؤسسة الغذاء والدواء نزار مهيدات، ومديرة مختبرات الغذاء والدواء في المؤسسة العامة للغذاء والدواء سابقاً سناء قموة، لاجتماع علني الأسبوع المقبل، لتزويد اللجنة بوثائق تثبت صحة ادعائها بشأن وجود مواد مسرطنة في المواد الغذائية".
النفي ليس كافياً
يؤكد الكاتب ماهر أبو طير، أن نفي الجهات الرسمية للمعلومات التي تتحدث عن فساد غذاء الأردنيين لا يكفي، لأن الشكوك لدى المواطن تسود بشأن كل شيء، حتى على مستوى الخضراوات والفواكه التي تم منعها من التصدير مرات عديدة لدول مجاورة.
ويصف أبو طير ردود الفعل بحالة عدم اليقين بشأن كل شربة ماء، إلى غير ذلك، "يستوجب تحركاً من الحكومة بدلاً من الدخول في معركة تراشق بالاتهامات فيما يستمع الأردنيون إلى كل هذه التفاصيل، ويشعرون بعدم الأمان إزاء حياتهم، وحياة أولادهم وبيوتهم، بخاصة أن البعض يتحدث عن المعايير غير الآمنة لفحوصات الغذاء في الأردن، ووجود شبكات وحيتان تقفز فوق كل التعليمات، ولديهم نفوذ".
ويضيف، "سواء نفت الجهات الرسمية، أو لم تنفِ، علينا أن نتذكر أن كلام سناء قموة ليس جديداً فقد تحدث به مسؤولون مختلفون، لكن الأصل أن يدفع الحكومة والجهات الرسمية، لفتح هذا الملف، حتى لا يتم قتل الأردنيين بطء كل يوم، دون أدنى مسؤولية من أحد في هذه البلاد".
الأردنيون لا يتناولون طعاماً صحياً
يشار في هذا السياق إلى ما كشف عنه تقرير البرنامج الأممي للغذاء حول سلوكيات الأردنيين الغذائية، حيث لا يتناول 84 في المئة من الأردنيين طعاماً صحياً. ويعاني الأردن، وفق التقرير، عبئاً مزدوجاً يتمثل في نقص المغذيات الدقيقة وزيادة الوزن والسمنة، خصوصاً لدى النساء، مما يشير إلى وجود فجوة كبيرة بين الجنسين في التغذية.
ويؤكد التقرير "أن هذه الأرقام لا تنطبق على الفقراء فقط في المجتمع الأردني، ولا على اللاجئين بصفة حصرية، ما يعني أن طبيعة تناول الغذاء في الأردن لا تؤشر على سياسات صحية". وأشار أيضاً إلى "عدم استخدام الفواكه والخضراوات من قبل نحو ثلثي الأردنيين في ظل ارتفاع مستويات التدخين والبدانة والأمراض المزمنة".