تواجه الجزائر تحديات إقليمية ودولية، منها ما تعلق بالذاكرة والتاريخ المشترك مثلما يحدث مع فرنسا، وما هو مرتبط بالأمن والاستقرار الداخليين، مثل التوتر مع المغرب، كما أن هناك "غضباً" من تهديدات بالوكالة من جهات ليبية ومالية، إضافة إلى خصام خفي مع أطراف أفريقية "تدعم" الوجود المغربي في الصحراء الغربية، وتستهدف التقارب مع إسرائيل، عكس توجهات الجزائر، وهي كلها ملفات جعلت الجزائر تحرّك دبلوماسيتها بشكل لافت تارة من أجل التسوية، وأخرى من أجل فرض توجهاتها وتمرير أجندتها.
وتنشط السياسة الخارجية الجزائرية منذ قدوم الوزير المخضرم رمطان لعمامرة، الذي أعاد ترتيب البيت وحدد الأولويات، ولعل القرارات المُتخذة بقطع العلاقات مع المغرب ومنع عبور طائراته، والندية الممارسة مع فرنسا بعد استدعاء السفير بباريس، وحظر عبور الطائرات العسكرية الفرنسية باتجاه منطقة الساحل، والتحرك اللافت في ملف مالي وكذا ليبيا، كفيلة بإعطاء العلامة الكاملة لعودة لعمامرة على رأس وزارة الخارجية.
خصام مؤقت
وبين من يعتبر أن الجزائر نجحت في توجهاتها الجديدة، ومن يرى أن الوضع الدولي هو من دفعها إلى التأقلم تارة ورد الفعل تارة أخرى، يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر عثمان منادي، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "الهدوء الذي يميز ردود الدبلوماسية الجزائرية يزعج الأطراف المخاصمة، لأن هؤلاء يعلمون أن الجزائر لها من الإمكانات المتنوعة ما يؤهلها للثبات على كل ما تقول". مشيراً إلى أن الخصام مع عديد الجهات "يبقى مؤقتاً، لأنه مرتبط بتطورات ميدانية قد تتلاشى في أي وقت، وهو لا يؤثر في القضايا الاستراتيجية على رغم أنه يثير الإزعاج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل منادي، "بالنسبة إلى مالي فإن الجزائر تمثل الجار الصديق حتى بعد الانقلاب العسكري الأخير، ومعظم القادة ورجال السياسة يحترمون الموقف الجزائري لعوامل كثيرة. أما ليبيا، فالأطراف الشرعية القوية في طرابلس تتحدث في المنابر الدولية بإيجابية وفاعلية عن الدبلوماسية الجزائرية في مرافقة الحوار الليبي – الليبي. وفي ما يتعلق بفرنسا ستظل المصالح الاستراتيجية بين البلدين ميزاناً يضبط بوصلة التوتر".
وشدد أستاذ التاريخ على أن دول العالم كلها مفتوحة على جبهات توتر من أجل المصالح، لكن "المؤلم أن نجد بعض الأصدقاء يستقوون بالأعداء التقليديين مقابل فوائد زهيدة تتنافى مع قيم الشعوب التي يحكمونها، وهو الرهان الذي قد ينقلب ضدهم في أي وقت، وإمكانات الجزائر قادرة على تحدي المواجهة، لتطابقها مع مبادئ دبلوماسيتها ومع قيم الجزائريين".
مبعوثون خاصون
وفي خطوة لافتة وغير مسبوقة، وبهدف إعطاء جرعة أوكسجين للدبلوماسية "الراكدة"، استحدث الرئيس تبون، باعتباره المسؤول الأول عن السياسية الخارجية للجزائر، 7 مناصب مبعوثين خاصين لوزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، للاضطلاع بملفات تقع في قلب المصالح الدبلوماسية، في شكل إعادة صياغة واسعة للسياسة الخارجية.
ومخطط عمل الحكومة أولى أهمية كبيرة للسياسة الخارجية، جاعلاً من ترقية السلم في العالم والمساهمة في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين وإعادة نشر الدبلوماسية الاقتصادية من بين أولوياته، إذ أوضح أن نشاط الجزائر الدبلوماسي سيتركز خلال السنوات المقبلة على "الدفاع عن مصالح الأمة، والمساهمة في استتباب الأمن والاستقرار الإقليميين، وتعزيز الروابط مع أفريقيا والوطن العربي، وتنمية الشراكة والسلم في العالم، وإعادة نشر الدبلوماسية الاقتصادية في خدمة تنميتنا".
ليس في الصالح
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد القادر عبد العالي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن في السياسة الخارجية للدول لكي تفتح أية دولة جبهات خلاف "لا بد أن تنطلق من مصادر قوة".
وأوضح عبد العالي، "إن فتح عدة جبهات خصام من قبل الجزائر ليس في صالح المصلحة القومية إذا تحوّلت العلاقات المتوترة إلى فترة زمنية طويلة، حيث سيعطي فرصة للخصم الاستراتيجي بأن يسجل نقاطاً لصالحه، جبهة الخلاف التي وسعتها الجزائر مع كل من المغرب وفرنسا، فتحت فرصة تغيير سياساتها الداخلية ومصالحها مع هويتها التاريخية القديمة، كما أنها فتحت المجال أمام منافسين جدد، ليحلوا محل النفوذ الفرنسي الاقتصادي والثقافي الذي تسامحت معه الجزائر".