كشف محللون اقتصاديون أن الأرقام الخاصة بالموازنة التي أعلنتها السعودية تعكس إصرار البلاد على المضي قدماً في تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على عائدات بيع النفط لتمويل الإنفاق العام والموازنة.
وأعلنت الحكومة السعودية إيرادات فصلية بلغت 243 مليار ريال (64.8 مليار دولار) مقابل مصروفات بلغت 237 مليار ريال (63.2 مليار دولار) خلال الربع الثالث من العام الحالي، لتحقق بذلك أول فائض فصلي منذ الربع الأول من 2019.
وسجلت إيرادات السعودية من النفط 147.9 مليار ريال (39.44 مليار دولار) خلال الربع الثالث، فيما نمت إيرادات الموازنة الإجمالية خلال الفترة ذاتها 13 في المئة على أساس سنوي. كما نمت الإيرادات النفطية خلال الربع الثالث 60 في المئة على أساس سنوي، و12 في المئة مقارنة مع الربع الثاني.
عدم المساس بالاحتياطات الحكومية
وأعلنت وزارة المالية السعودية أنه لم يتم المساس بالحساب الجاري أو الاحتياطات الحكومية لتمويل العجز منذ بداية 2021، كما أعلنت تراجع عجز الموازنة منذ بداية 2021 إلى 5.4 مليار ريال (1.44 مليار دولار).
فيما تراجع الإنفاق الحكومي خلال الفترة الممتدة بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) من هذا العام بنسبة ثمانية في المئة على أساس سنوي إلى 236.7 مليار ريال (63.12 مليار دولار)، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبذلك حققت السعودية فائضاً في موازنتها بلغ 6.684 مليار ريال (1.78 مليار دولار) خلال الربع الثالث من 2021، وكان عجز الموازنة نحو 40.77 مليار ريال (10.87 مليار دولار) خلال الربع الثالث من 2020.
وسجلت الموازنة السعودية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي عجزاً بلغ نحو 5.37 مليار ريال (1.43 مليار دولار)، بعد تسجيلها إيرادات بلغت 696.25 مليار ريال (185.7 مليار دولار)، وكذلك مصروفات بلغت 701.62 مليار ريال (187.1 مليار دولار).
وأظهرت الأرقام زيادة إنفاق المملكة على الصحة بنسبة 20 في المئة خلال النصف الأول من عام 2021. فيما بلغ إجمالي قيمة التمويل في الربع الثاني 21.5 مليار ريال (5.733 مليار دولار)، كما بلغ حجم التمويل خلال النصف الأول 51 مليار ريال (13.6 مليار دولار).
التوسع في السياسات المالية والانفتاح
يقول المدير التنفيذي لمجموعة "إيه إم سي" للاستثمار محمود شكري، "إن الأرقام الخاصة بالموازنة التي أعلنتها الحكومة السعودية تعكس نية المملكة المضي قدماً في سياسة التوسع في السياسة المالية من حيث زيادة الإنفاق الحكومي، مع الاستمرار في تعزيز الموارد غير النفطية من طريق استحداث قطاعات جديدة تزيد موارد خزانة الدولة مثل قطاع السياحة والترفيه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح لـ "اندبندنت عربية" أن "ما يؤكد هذا التوجه هو ما تعلنه الحكومة منذ فترة بشأن استثمارات ضخمة تشرف عليها هيئات مستحدثة ومستقلة تراقب سير عملية التطوير والإدارة لهذه القطاعات الجديدة، مثل تنشيط السياحة في العلا ومشروع نيوم الضخم وهيئة تطوير منطقة عسير والسودة، وجعلها مزارات سياحية إقليمياً ودولياً، وأيضاً منطقة أملج وتطوير ما بها من مناطق ساحلية خلابة لم تستغل طوال الفترات الماضية، ولعل اتجاه السعودية في التوسع في الإنفاق بهذه المناطق خطوة في الطريق الصحيح، تعكس الإصرار السعودي على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمورد رئيس للموازنة".
وأضاف، "لا شك في أن يصاحب قطاع السياحة وما يشهده القطاع من تحديثات واستثمارات ضخمة مع تشكيل هيئات جديدة خاصة به، وبهيئة الترفيه التي جاءت لتسلط الضوء على السياحة الداخلية للسعودية، وزيادة الموارد من السياحة الداخلية التي كانت مقتصرة فقط على السياحة الدينية متمثلة في الحج والعمرة، ولكن في الوقت الحالي أصبح لدى السعودية مناطق عدة تستقطب السياحة الداخلية، مع إطلاق برامج عدة مدعومة من الجهات المتخصصة لتنشيط السياحة الداخلية. وبعدما أغلقت معظم الدول مجالها الجوي والطيران الدولي نتيجة جائحة كورونا، كانت الفرصة جاهزة لتحويل جهة الإنفاق على السياحة الداخلية، فكان حتماً زيادة الإنفاق وتطوير المناطق لجلب الاستثمارات السياحية بها".
الانخفاض الأكبر في حجم العجز
وتوقع وزير المالية السعودي محمد الجدعان أمس استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية في السعودية. وقال "إن البلاد تستقطب استثمارات أجنبية كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة". وأضاف، "نتوقع زيادة الناتج المحلي غير النفطي بنهاية 2021 بنسبة 4.7 إلى خمسة في المئة، وندرس إصدار سندات خضراء والتوقيت يعتمد على أوضاع السوق".
ووفق البيانات الرسمية فقد نجحت السعودية في خفض مصروفاتها الفعلية حتى نهاية الربع الثالث بنسبة 29 في المئة مقارنة مع الفترة المقابلة من 2020. كما أكدت الحكومة عدم المساس بالحساب الجاري أو احتياطات الحكومة لتمويل العجز خلال 2021.
وقال شكري، "لا شك في أن انخفاض مستويات العجز في موازنة السعودية بدا واضحاً بعد تحجيم المصروفات في موازنة 2022 إلى 952 مليار ريال (253.866 مليار دولار)، بانخفاض نسبته 1.6 في المئة عن العجز المسجل خلال العام الماضي، ويعد هذا الانخفاض الأكبر منذ بداية ظهور العجز في موازنة السعودية الذي صاحبها منذ انخفاض إيرادات المواد البترولية وهبوط أسعار النفط خلال عام 2016 إلى ما دون 35 دولاراً للبرميل".
وأشار إلى "أن التوسع في الانفاق الحكومي أيضاً صحبه إقرار شرائح ضريبية جديدة ورسوم على المقيمين وعدة ضرائب مستحدثة، إضافة إلى استمرار ضريبة القيمة المضافة وإعادة هيكلة الدعم على منتجات النفط وتوجيه الإنفاق على البنية التحتية للمناطق الجديدة، لتنشيط القطاع العقاري الذي يعد أحد المحاور الرئيسة في اقتصاد البلاد والقطاع الأكبر لتنشيط باقي القطاعات".
وأوضح أنه "لا يخفي على الحكومة السعودية تنشيط سوق المال، وهو القطاع الأكبر الذي يضم أكبر شركات داخل البلاد مثل عملاق النفط العالمي أرامكو". وأضاف، "كان لا بد من تنشيط قطاع سوق المال من طريق إنشاء هيئة لتنشيط الطروحات الخاصة والحكومية، لتخفيف العبء على الحكومة من جهة طلبات التمويل، ولتمويل الشركات الأكثر حاجة لتوسعة نشاطها أو التوسع في مشاريعها أو بيع حصص من شأنها التوسع في المشاريع، وهو ما ينعكس بالطبع على معدلات الاقتصاد الكلي للمملكة وزيادة معدلات النمو الاقتصادي".