عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في يونيو (حزيران) 2020، عن الإعداد لتشريع جديد يفرض قيوداً على مواقع التواصل الاجتماعي، في أعقاب انتقادات لاحقت ابنته وصهره بيرات ألبيرق، وزير المالية آنذاك، قال إن "تركيا ليست جمهورية موز" وإن "هذا النوع من وسائل الإعلام لا يتناسب مع هذه الأمة، وهذا البلد". وسبق ذلك التصريح اعتقال الشرطة التركية 11 من مستخدمي موقع "تويتر" بزعم إهانة عائلة الرئيس.
بينما ينفي الرئيس التركي عن بلده أنه "جمهورية موز" تشتعل أزمة "موز" في البلاد أسفرت عن توقيف سبعة سوريين متهمين بالسخرية من الأتراك بسبب ما عُرف بـ"فيديوهات الموز". وأفادت وسائل إعلام سورية، الأحد 31 أكتوبر (تشرين الأول)، أن السلطات التركية اعتقلت صحافي سوري صور فيديو سأل خلاله السوريين المقيمين في إسطنبول عن آرائهم بشأن الغضب التركي من تلك الفيديوهات.
تعود الأزمة إلى الأسبوع الماضي، عندما ظهرت مواطنة تركية في مقابلة مع إحدى المحطات التلفزيونية في لقاء في الشارع تتحدث عن صعوبة الأوضاع المعيشية في بلادها، ملقية اللوم على اللاجئين السوريين وتطالبهم بالعودة إلى بلدهم. وفي الأثناء، قاطعها رجل تركي يشكو من أن السوريين بإمكانهم شراء "الموز" بالكيلوغرامات، بينما لا يستطيع الأتراك الحصول عليه، قائلاً "تعيشون بسهولة أكثر منا. أنا لا أستطيع أن أشتري الموز، فيما أنتم تشترونه بالكيلوغرامات في الأسواق!".
وخلال اللقاء، هاجمت المواطنة التركية وبعض الأتراك المحيطين، فتاة سورية تدرس في الجامعة في إسطنبول حاولت الدفاع عن اللاجئين من أبناء وطنها والتأكيد على أن المهاجرين مثلها يشترون ما يمكنهم شراؤه بمالهم الخاص. غير أن المواطنة التركية طالبت الفتاة بالرحيل إلى بلدها. هذا الفيديو دفع لاجئين سوريين في تركيا إلى نشر فيديوهات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يتناولون الموز وفي الخلفية فيديو المشاجرة.
وعقب نشر الفيديوهات، حذرت المديرية العامة لإدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية من أن الفيديوهات اعتبرت "استفزازية"، وأن السوريين المتهمين بـ"السخرية من الأتراك" سيُرحلون إلى بلدهم الذي دمرته الحرب. لكن، لم تتوقف الإجراءات الرسمية التركية عند هذا الحد، بل قبضت على الصحافي السوري ماجد شمعة، مراسل قناة "أورينت" في إسطنبول، بعد أن بث عبر برنامجه "استطلاع الشارع" مقطعاً ساخراً تبعه استطلاع رأي بشأن "قضية الموز".
جمهورية الموز
الإجراءات التركية ضد لاجئين سوريين، وإن كانت تدفع بالحديث عن "العنصرية والعداء" المتصاعد ضد السوريين وغيرهم من اللاجئين في تركيا، غير أنها تسلط الضوء على هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي في تركيا. ما يبعث بالتساؤل عما إذا كان البلد الذي كان مستقراً قبل نحو عشر سنوات تحول إلى ما يشبه إحدى "جمهوريات الموز" للدرجة التي تدفع سلطاتها إلى الخوف من بعض السخرية.
يُطلق مصطلح "جمهوريات الموز" على الدول غير المستقرة سياسياً واقتصادياً التي تحكمها "أنظمة استبدادية" تتسم بالفساد. ظهر المصطلح أولاً في رواية الكاتب الأميركي ويليام بورتر "الملفوف والملوك" عام 1904، لوصف دولة هندوراس غير المستقرة التي كانت تحكمها طغمة فاسدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول سفانتي إي كورنيل، مدير المركز المشترك لمعهد آسيا الوسطى والقوقاز وبرنامج دراسات طريق الحرير، في واشنطن، إن الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع في تركيا عام 2016 وفر نظرة لمدى عدم استقرار تركيا وهشاشتها. ففي حين يعد الانقلاب حدثاً فريداً لكنه ليس منعزلاً بل كان عرضاً لانهيار مؤسسات الدولة التركية في ظل حكم أردوغان.
ويشير كورنيل، في مقال سابق نشره في دورية تابعة للمعهد بعنوان "هل تركيا أصبحت جمهورية موز؟"، إلى أن القمع الكبير الذي أعقب الانقلاب جعل الأمور أسوأ، وأصبحت تركيا في حد ذاتها مشكلة أكثر من كونها حليفاً يساعد في حل المشاكل الإقليمية. ويضيف أن تركيا بلد "تآكلت فيه المؤسسات الحاكمة وسيادة القانون" بشكل منهجي طوال الجزء الأكبر من العقد الماضي، وحيث يبني الرئيس سلطته على السيطرة غير الرسمية على المؤسسات البيروقراطية والإعلام والاقتصاد.
الاقتصاد وانتخابات 2023
الوضع الاقتصادي المتردي في تركيا بسبب سوء السياسات الحكومية، بينما يلقى الرئيس التركي اللائمة على مؤامرات خارجية واصفاً الأمر بأنه "طعن تركيا في الظهر"، تسبب في تراجع شعبية "حزب العدالة والتنمية" الحاكم. فوفقاً لاستطلاعات رأي حديثة نشرتها وكالة "روتيرز"، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن "حزب العدالة والتنمية" يحظى بتأييد 31- 33 في المئة مقارنة بـ42.6 في المئة في انتخابات 2018. وتراجع حليفه القومي، "حزب الحركة القومية"، مما يشير إلى احتمال خسارة أردوغان السيطرة على البرلمان في تصويت عام 2023.
وبالنظر إلى هذه المؤشرات المقلقة لحزب يحكم منذ 19 عاماً مستنداً إلى تاريخه من الاقتصاد القوي، ربما سعت السلطات التركية سريعاً لاتخاذ موقف يتناسب مع التوجهات الشعبوية المعادية للاجئين، سواء لدحر أي احتجاجات محتملة وسط حالة الاستياء الشعبي من الوضع الاقتصادي أو لكسب نقاط سياسية بين القوميين، خصوصاً أن السلطات التركية اتخذت خلال العامين الماضيين إجراءات متشددة ضد اللاجئيين.
السوريون والاقتصاد
يمكن تفهم غضب الأتراك من الأوضاع المعيشية السيئة في ظل الأرقام التي تتحدث عن تراجع اقتصادي متواصل، إذ استمر تراجع الليرة التركية التي بلغت أدنى مستوياتها، الأسبوع الماضي، لتسجل 9.47 ليرة مقابل الدولار، وتفقد 59 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2018، فيما وصل معدل التضخم السنوي إلى قرابة 20 في المئة. وانعكس ذلك في تعليقات الأتراك، في الفيديو، على غلاء المعيشة والبطالة التي نسبوها إلى اللاجئين.
وكان البنك الدولي كشف في تقرير حديث عن ارتفاع معدل الفقر في تركيا للعام الثاني على التوالي. وكشفت تقارير عن قفزة في حد الجوع وزيادة حالات الانتحار بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وذكر التقرير أن معدل الفقر في تركيا ارتفع للعام الثاني على التوالي، ووصل إلى 12.2 في المئة عام 2020، بعد أن كان 10.2 في المئة خلال 2019، مشيراً إلى أن جائحة كورونا تسببت في خسائر فادحة للاقتصاد التركي.
غير أنه بحسب دراسة قدمتها "مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية"، ومقرها أنقرة، تقدر مساهمة السوريين في الاقتصاد التركي بما يزيد على نصف مليار دولار، إضافة إلى فرص العمـل التي يوفروها للعمـال الأتراك والسوريين، على حد سواء.
وفي الثالث عشـر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2018، أصدر مركز "وقف أبحاث السياسات الاقتصادية التركية" تقريراً مفصلاً عـن تأثير السوريين على الاقتصاد التركي. ووفقاً لمركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، في إسطنبول، فإن الأرقــام الواردة في ذلك التقرير تدحض كثيراً مـن الأصوات المرتفعة بالهجـوم علـى السوريين وتحميلهم مسؤولية الإضرار بالاقتصـاد التركي واعتبارهم "خطراً على الأمن القومي".
وعد التقرير السوريين في المرتبة الأولى في تركيا، من حيث تأسيس الشركات سنوياً، على صعيد المستثمرين الأجانب. فعلى مدار سـبع سـنوات، أسس السوريون ما يزيد على 10 آلاف شركة في تركيا، بواقع أربع شركات يومياً، ويزيد العدد إذا ما أخـذ فـي الحسبان الشركات والمشروعات والاستثمارات الأخرى غير المسجلة. وإن كانت هذه الأرقام لا تقلل من حقيقة أن تركيا استضافت وقدمت الدعم لملايين اللاجئين.