يُعَد انهيار العملة المشفرة المسماة "لعبة الحبار" (Squid Game) إما إنذاراً مبكراً بكارثة محدقة، أو مثالاً كلاسيكياً على الطريقة التي ينشأ فيها الاحتيال في أي مكان وفي كل مكان. أو قد يمثل الأمرين معاً.
القصة بسيطة بما يكفي. يصنع أشخاص عملة مشفرة، وهي في هذه الحالة مستوحاة من المسلسل الكوري الجنوبي الذي تبثه "نتفليكس". ويتدفق المال، فيدفع سعر القطعة الواحدة إلى ألفين و856 دولاراً أميركياً (ألفين و97 جنيهاً استرلينياً). ويبدو أن ثمة حظراً على السحب، فينهار السعر إلى ما يقرب الصفر، ويُقدَّر أن الصانعين كسبوا 3.4 مليون دولار تقريباً. ويُغلَق الموقع الإلكتروني وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت تروج للعملة. وتنتهي اللعبة.
فلنتناول أولاً الجوانب المتعلقة بالاحتيال. خلال الأيام القليلة التالية سنعرف أكثر بكثير عن تفاصيل العملية الاحتيالية الظاهرة. لكنني أشعر أننا حين سنعرف ذلك، سنكتشف أن العملية الاحتيالية هذه أصغر مقارنة بغيرها الجارية خلال الأشهر الماضية. فمجموعة "سلو ميست" تواصل نشر حصيلة الخسائر، وتقدر خسائر المستثمرين من "الحبار" بـ12 مليون دولار أميركي. قارنوا ذلك بالخسائر المسجلة قبل أيام قليلة من تسريب مفتاح خاص لدى "بي إكس إتش" والبالغة 139 مليون دولار، أو الخسائر المقدرة بـ130 مليون دولار لدى "كريم فاينانس" بسبب قرصنة قرض غير مضمون.
هذه الأمثلة الثلاثة، وأمثلة كثيرة أصغر حجماً، حصلت كلها في الأيام القليلة الماضية. وفي الأشهر الثلاثة الماضية، قدرت "أطلس في بي إم" الخسائر الإجمالية بأكثر من مليار دولار. وفي الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، حصلت أعمال قرصنة فاقت عدداً نظيرتها في الأعوام الثلاثة السابقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانب، تبدو هذه الخسائر كلها غير مفاجئة. فقد حصلت ثلاثة تطورات معاً. أولها تدفق السيولة التي ولدتها المصارف المركزية حول العالم والتي يجب أن تصب في مكان ما. وثانيها تدفق من نوع آخر، هو تدفق المستثمرين عديمي الخبرة الذين يمكن أن تغريهم بسهولة الاحتمالات الخاصة ببرامج الإثراء السريع. وثالثها التكنولوجيا التي أنشأت نمو أشكال جديدة من الأصول الإلكترونية أو مكنته على الأقل.
هذه المجموعة من المال والمستثمرين والاستثمارات الجديدة هي ملعب مطلق للمحتالين. فمن أقوى عوامل الجذب الخاصة بالعالم السيبراني أنه عالم غير منظم إلى حد كبير. فهذا يجعله مكاناً أدسم حتى يتوجه إليه المحتالون ويسلبون الناس مالاً.
على رغم أن ما جرى أمر تعيس للناس الذين خسروا مالاً، هو في شكل من الأشكال أقل أهمية من الاحتمال المتمثل في أنه إنذار مبكر بانهيار أوسع للقيمة. فالناس يتوقعون انهيار العملات المشفرة منذ زمن بعيد – وأنا منهم – وإلى الآن كانوا على خطأ كبير.
الآن يتسم الطلب على الأصول كلها بقوة شديدة. فالاثنين، سجلت أسواق الأسهم الخاصة الأميركية الرئيسية أعلى مستوى لها على الإطلاق، في حين تبدو الأسهم الأميركية ككل أكثر قيمة من الأصول كلها المدرجة في الأسواق المشفرة. والبيوت في الولايات المتحدة، وهي سوق كبيرة أخرى، ارتفعت أسعارها بنسبة 20 في المئة على أساس سنوي. لذلك لا يتطلب إحداث أثر غير متناسب في أسعار العملات المشفرة نقل كثير من المال من سوقي الأسهم الخاصة أو المنازل.
والسؤال الكبير هو ماذا سيحدث حين تبدأ الموجة العارمة من السيولة في التراجع – ولا أحد منا يعرف الإجابة على هذا السؤال.
ما نعرفه حقاً هو أن المصارف المركزية حول العالم ستبدأ في الأسابيع القليلة المقبلة في تشديد السياسة النقدية (رفع معدلات الفوائد). ومن المحتمل أن يزيد بنك إنجلترا معدل الفائدة الرئيسي لديه هذا الأسبوع، على رغم من أن مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي هو الجهة التي يجب مراقبتها. فقد كان من المتوقع أن يعلن المجلس الأربعاء وقف برنامجه لشراء السندات – كان البرنامج طريقته في ضخ النقود في النظام – وتتوقع الأسواق زيادات في معدلات الفوائد العام المقبل. وستتوق المصارف المركزية إلى تجنب حصول انهيار، ولذلك ستتحرك ببطء، لكن نهاية المال السهل جداً ستكون في الأفق.
وحين يحصل ذلك، يفيد الحس السليم بأن الأصول المعرضة إلى المضاربة الأكبر ستعاني أولاً. وستحل بالتأكيد العملة المشفرة "الحبار" في رأس سلم المضاربات، لكنني لا أعتقد بأن للانهيار أي علاقة باحتمال توقف تدفقات الأموال. لذلك فهذه العملة بهذا المعنى عبارة عن قصة من قصص الاحتيال وليست قصة من قصص الإنذار المبكر. لكن لو تكاثرت التقلبات المخفضة المفاجئة في الأصول المشفرة الأخرى، فستكون مدفوعة في شكل متزايد بتقلص السيولة. فكلما تقلصت النقود، سيتخلص بائعون مجهدون من أي شيء يمكنهم التخلص منه.
تبين قصة "الحبار" ماذا يمكن أن يحل بالأصول غير المدعومة بأي شيء – وهي قصة لن تكون نهايتها سعيدة أيضاً.
© The Independent