"تشارك أكثر من 200 دولة في قمة المناخ (كوب 26)"، بحسب ما أكد موقع خبري، لكن في موقع آخر، يشير الخبر إلى أن أكثر من 190 دولة تشارك في القمة. وفي نشرة الأخبار في قناة غربية تقول المذيعة، "إن عدد الدول المشاركة لا يقل عن 195 دولة". وعلى شاشة عربية يشير المذيع إلى أن العدد لا يقل عن "197 دولة". والعدد يتأرجح ويتحرك، لكن تبقى الفروق محصورة في 10 دولة لا أكثر أو أقل.
حضور الدول في المؤتمرات الدولية والأممية دائماً ما يفتقد إجماعاً على الصفحات والأثير، ويظن البعض أن الحضور لا يصبح مؤكداً إلا بوصول الطائرة إلى أرض الدولة المضيفة، أو بوصول ممثلها إلى المقعد المخصص له في قاعة الاجتماع، لكن تراوح الأرقام في قمة المناخ "كوب 26" المنعقدة في غلاسكو في اسكتلندا يثير تساؤلاً قلما يطرأ على البال أو يشغل الخاطر. كم عدد دول العالم؟ وهل العدد متفق عليه بين الجميع أم أن السياسة تلقي بظلالها فتصر على أن هذه ليست دولة أو تلك مجرد كيان وأخرى لا تعدو كونها مجموعة من الناس يعيشون على قطعة أرض.
الأمر محير
بعد البحث والتقصي، يتضح أن أرض الكوكب لا تقتصر على الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة فقط. يبدو الأمر محيراً بعض الشيء، لكنه يصبح محيراً أكثر بمعلومة تفيد بعدم وجود اتفاق عالمي حول تعريف "دولة".
وبحسب موسوعة "بريتانيكا"، "فإن المقبول عالمياً أنه كي يكون كياناً ما دولة، يجب أن تكون ذات سيادة وفيها سكان دائمون وحدود إقليمية وحكومة وقدرة على إبرام اتفاقات ومعاهدات مع دولة أخرى". الغريب في الأمر أن استيفاء هذه الشروط لا يعني بالضرورة اعترافاً دولياً بها. فالاستقلال الذي تعلنه دولة ما لنفسها لا يحظى بالضرورة باعتراف يحولها لدولة حقيقية معترف بها في "الأمم المتحدة" تعدادها 193 دولة وأحدث المنضمين إليها دولة "جنوب السودان" في عام 2011.
يشير العداد الأممي إلى تطور العضوية الأممية من 51 دولة عام 1945، وهو العام الذي تأسست فيه المنظمة، إلى 76 عام 1955، ثم 159 دولة في 1984، وبعدها 185 دولة عام 1994، وأخيراً 193 دولة عام 2011. ومنذ ذلك الحين والعداد متوقف.
الدول المحبة للسلام
نظرياً وأممياً، فبموجب ميثاق الأمم المتحدة فإن "عضوية الأمم المتحدة مفتوحة أمام جميع الدول المحبة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في ميثاقها"، وترى المنظمة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات. وتقبل الدول في عضوية الأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن.
لكن، هل الاعتراف بدولة ما أو عدم الاعتراف بها مسؤولية "المنظمة"؟، بالطبع لا. فميثاق المنظمة الأممية يحميها ويقيها صداع المسؤولية المباشرة. إنها مسؤولية "سائر الدول والحكومات وحدها أن تمنحه أو أن تمتنع عنه. وهو ينطوي ضمناً، بوجه عام على الاستعداد لإقامة علاقات دبلوماسية، لكن الأمم المتحدة ليست دولة ولا حكومة، ولذا، فهي لا تملك أي سلطة للاعتراف لا بهذه ولا بتلك. وبصفتها منظمة مؤلفة من دول مستقلة باستطاعتها قبول دولة جديدة في عضويتها، أو قبول وثائق تفويض الممثلين عن حكومة جديدة.
وما هو غير مذكور في ميثاق أو اتفاق، لكن معروف ومعترف به، هو أن المكايدات السياسية والأطماع الاستعمارية والمصالح القومية أحياناً تحول دون حصول كيان ما على اعتراف بكونه دولة على الرغم من توافر الشروط واستكمال الأوراق والوثائق.
"ترانزينيستريا" وجيشها
المثير أيضاً هو وجود عشرات "الكيانات" التي لا يعترف بها أحد باعتبارها "دولة"، سواها هي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك "ترانزينيستريا"، أو جمهورية بريدنستروفيه المولدافية، سابقاً، التي لا أثر لحدود جغرافية لها أو وجود دبلوماسي لشعبها. وعلى الرغم من ذلك فهي ترفع علمها الخاص بها وشعبها له جوازات سفر وجيش وعملة وانتخابات سياسية وعاصمة هي تيراسبول.
قصة "ترانزينيستريا"، هي قصة أناس يؤمنون أنهم شعب ولهم دولة وعاصمة، لكن المشكلة ألا أحد يشاركهم هذا الإيمان، على الأقل رسمياً. مساحتها 400 كيلومتر مربع، وتقع على الحدود بين مولدوفا وأوكرانيا، ويغلب عليها الطابع السوفياتي.
هواة السفر يقولون إنها بالغة الجمال، وناسها تغلب عليهم الطيبة والوداعة. يمكن الوصول إليها بالقطارات من مولدوفا أو أوكرانيا. نظرياً، يمكن للمسافر الإقامة هناك لمدة 24 ساعة فقط، لكنها قابلة للتجديد ما دام المسافر موجوداً على أرضها! ويشار إلى أن أبرز وأهم أعياد "ترانزينيستريا" هو "عيد الاستقلال"!
جمهورية "أوزوبيس"
استقلال آخر لا يعترف به سوى أصحابه ودولة لا يعتد بها سوى سكانها في "جمهورية أوزوبيس"، وهي إحدى أكثر جمهوريات الكوكب غرابة، فقد أعلن قيامها سكان أحد أحياء فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا عام 1997. في البداية، ظن الجميع أنها مزحة على غرار "كذبة أبريل"، لكن "المزحة" أسفرت عن "دولة" غير معترف بها سوى من سكان الحي، ومكتب بريد يختم جوازات سفر السياح وعملة محلية ورئيس ورئيس وزراء ودستور ونشيد وطني وجيش ويوم وطني هو الأول من أبريل (نيسان) من كل عام.
فرسان مالطة
يبدو أن الغرابة التي لا تخلو من طرافة سمتان ترتبطان بالدول الموجودة وغير الموجودة في الوقت نفسه. فـ"دولة فرسان مالطا" تعد ضمن الأغرب على ظهر هذا الكوكب. وإذا كانت كيانات عدة تعتبر نفسها دولة على بضعة كيلومترات أو حتى في شارع ضمن حي في مدنية، فإن "دولة فرسان مالطا" أو "نظام السيادة العسكري لفرسان مستشفى القديس يوحنا الأورشليمي من رودس ومالطة" لا أرض لها، لكن لها سفارات عدة وآلاف الموظفين والمتطوعين في جميع أنحاء العالم، بل تربطها علاقات دبلوماسية بنحو 100 دولة!
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأغرب أنه لا توجد قصة موحدة لتاريخ "فرسان مالطة"، بل عشرات القصص، أبرزها هي أن المنظمة تشكلت في القرن الـ11 بغرض توفير الحماية والرعاية الطبية للحجاج إلى الأراضي المقدسة، وأنها تتمتع بوضع كيان سيادي. وللمنظمة علاقات دبلوماسية مع نحو 100 دولة والاتحاد الأوروبي، وتحمل صفة مراقب دائم بالأمم المتحدة. ويقدر عدد الأعضاء بنحو 13 ألفاً و500 عضو جميعهم من الرجال، بالإضافة لـ25 ألف موظف و80 ألف متطوع في العالم.
وكان خلاف قد نشب بين الفاتيكان و"فرسان مالطة" في عام 2017 بعد طرد مسؤول في الأخيرة بسبب "فضيحة" تتعلق باستخدام الواقي الذكري، فقد اتضح أن فرع "فرسان مالطة" في ميانمار زرع آلافاً من الواقي الذكري "المحظور استخدامه" ضمن مبادرة لمواجهة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز). ورفضت "فرسان مالطة" حينئذٍ التعاون مع لجنة تحقيق كونها البابا فرانسيس لأنها "محاولة لتقليص سيادتها". بدوره، اعتبر الفاتيكان تصرفات قادة "فرسان مالطة" حجة للتخلص من سلطة الفاتيكان عليها.
من جهة أخرى، ارتبط اسم "فرسان مالطة" بالكثير من القيل والقال السياسي والشد والجذب الأمني المعلوماتي في السنوات الأخيرة. وأحدث معالم هذا الارتباط كان في أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011 في مصر. وقتها، تناثرت أقاويل بدور سفارة "فرسان المالطة" الكائنة في وسط القاهرة في أعمال عنف، وهو المقر الذي تم افتتاحه في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
ووصل الأمر لدرجة أن محاميين مصريين تقدماً ببلاغين للنائب العام يتهمان القائم بأعمال السفارة والعاملين فيها بـ"إثارة الفوضى في مصر ومحاولة المساس باستقلاليتها ووحدتها وسلامة أراضيها، والإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطـر"، بالإضافة إلى ارتكاب جرائم القتل العمد، والشروع فيه بحق المواطنين والشرطة، وإخفاء وحيازة أسلحة مختلفة داخل مقر السفارة".
كما ورد ذكر السفارة حين أدلى قائد الحرس الجمهوري السابق أيمن فهيم بشهادته فيما عرف إعلامياً بـ"قضية القرن" التي كان متهماً فيها الرئيس الأسبق الراحل مبارك وآخرون بـ"قتل متظاهرين"، إذ لمح إلى أن السيارتين الدبلوماسيتين المسروقتين اللتين تم رصدهما تدهسان المتظاهرين في ميدان التحرير في أحداث "جمعة الغضب" ربما تتبعان "سفارة فرسان مالطة". إلا أن الإشارة لم تتكرر مجدداً، وإن ثار الكثير من القيل والقال حول كينونة "فرسان مالطة".
أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي
قيل وقال من نوع آخر يحومان حول قائمة طويلة نسبياً لـ"الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، أو تلك التي لم تنل شعوبها قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي. هذه الأقاليم المتأرجحة بين الكيان المستقل واستمرار شكل من أشكال التبعية انخفض عددها من 72 إقليماً، بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) عام 1946 إلى 17 إقليماً لا تتمتع بالحكم الذاتي. ويشار إلى أنه في عام 1963 وافقت اللجنة الخاصة المعنية بـ"حالة تنفيذ إعلان منح الاستقلاب للبلدان والشعوب المستعمرة"، المعروف كذلك بـ"اللجنة الخاصة المعنية بإنهاء الاستعمار"، أو "لجنة الـ24" على قائمة أولية لهذه الأقاليم. وتسمى الدول الأعضاء التي تحمل "مسؤولية" إدارة هذه الأقاليم بـ"الدول القائمة بالإدارة".
هذه الأقاليم هي برمودا وجزر فرجين البريطانية، وكايمان، وسانت هيلانة، وتركس وكايكوس، وجبل طارق، وبيتكرن وأنغويلا ومونتسيرات وفوكلاند، وجميعها يقع تحت "إدارة" بريطانيا. وهناك كذلك جزيرتا فيرجين وساموا الأميركيتين وغوام التابعة إدارتها لأميركا. وهناك بولينيزيا وكاليدونيا الجديدة التابعة إدارتها لفرنسا، وتوكيلاو، التابعة إدارتها لنيوزيلندا، بالإضافة للصحراء الغربية.
مشكلات هذه الأقاليم لا تقتصر على وضع "الإدارة" الغريب، لكن بعضها واقع تحت صراع على الإدراة مثل "جزر فوكلاند" المتنازع على إدارتها من كل من بريطانيا وإيرلندا الشمالية والأرجنتين.
عجائب الدول وغرائب الأقاليم
ولا تقف عجائب الدول وغرائبها عند الأقاليم الواقعة تحت إدارة دول أخرى، بل هناك دول تقع ضمن دول أخرى. فمثلاً، أوروبا "دولة" عبارة عن جزيرة في البحر الكاريبي، ونشيدها الوطني عنوانه "أوروبا وطني الجميل"، لكنها تبقى ضمن أربع دول تشكل "مملكة هولندا". الدول الأخرى التي تشكل هولندا هي وكوراساو سانت مارتين، وكلتاهما في البحر الكاريبي.
ومن البحر الكاريبي إلى المنطقة العربية، ولها باع طويل في عجائب كيانات الدول بقوائم المنظمة الأممية. الأشهر والأبرز والأطول تاريخاً من حيث الشد والجذب فلسطين. فعلى الرغم من الكم الهائل من اللجان والأنشطة والقوائم المعلوماتية التي تحفل بها منظمة الأمم المتحدة فيما يختص بفلسطين، فإن وضعها كدولة يبقى متشابكاً بالغ التعقيد.
فلسطين و"الكرسي الرسولي"
في عام 2011، تقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وطلب من أعضاء مجلس الأمن التصويت لصالح هذا الطلب في خطاب تاريخي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي عام 2012، لم تصبح فلسطين دولة ضمن دول الأمم المتحدة، لكن في تصويت وصف بـ"التاريخي" أصبحت "دولة غير عضو مراقب" في الأمم المتحدة بأغلبية 138 دولة مقابل تصويت تسع أخرى بالرفض وامتناع 41 دولة عن التصويت. ويشار إلى أن "الكرسي الرسولي" أو "كرسي روما والكرسي البابوي" المعروف بـ"أسقف روما" رأس الكنيسة الكاثوليكية هو الكيان الآخر الذي يحظى بمكانة "دولة مراقب غير عضو".
أطلس الدول غير الموجودة
وبعيداً من التصويت والاعتراف، هناك عشرات الدول المتأرجحة بين الواقع والخيال. العديد من علماء الجغرافيا والتاريخ وغيرها من العلوم الاجتماعية يبذلون جهوداً توثيقية لرصد الموجودة وغير الموجودة في الوقت نفسه، وأخرى تظن وجودها، لكن لا أحد يعترف ولا يعرف بها سوى قاطنيها، وثالثة كانت موجودة واختفت، وهلم جراً... "أطلس الدول التي لا وجود لها" لمؤلفه الجغرافي البريطاني نيك ميدلتون يعد أبرز وأحدث هذه الكتب. وفيها يرصد عشرات الدول التي تحمل أسماء لدول موجودة وغير معترف بها، ويهيأ لقارئها أنها وهمية، لكنها ليست كذلك. "كريستيانيا" "إلغالاند - فارغالاند"، و"باروتسلاند" وغيرهما، بل إن هناك "جمهورية لاكوتا" الواقعة وسط الولايات المتحدة الأميركية.
وتظل هناك ملايين تعتقد أن أقاليم ومناطق تحظى بلقب دولة، لكنها لا تحظى بها فعلياً. فمثلاً، وضمن إطار الحرب المكتومة بين الصين وأميركا، قالت الصين إنه لا يحق لتايوان الانضمام للأمم المتحدة، وهي الدعوة التي تتزعمها الولايات المتحدة الأميركية.
أميركا و"بورتو ريكو"
الولايات المتحدة الأميركية في جعبتها "دول" ذات أوضاع غريبة، لكنها باتت معتادة، وأبرزها "بورتو ريكو" الواقعة في شمال شرقي البحر الكاريبي وعلى بعد نحو 1600 كيلومتر من ولاية فلوريدا، وغالبية سكانها من أصول إسبانية، وهم مواطنون أميركيون منذ عام 1917، ولكن لا يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية الأميركية، كما أن "دولتهم" ليست ولاية أميركية، وليس هناك من يمثلهم في المجالس النيابية الأميركية، لكن السكان يخضعون للقانون الفيدرالي الأميركي.
الشروط واضحة
وعموماً، فإن الشروط المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة لمن يرغب في تأسيس دولة واضحة. فعلى "الدولة" المرتقبة أن تتقدم بطلب إلى الأمين العام ورسالة تتضمن تصريحاً رسمياً بأنها تقبل الالتزامات الواردة في الميثاق، ثم ينظر مجلس الأمن في الطلب. ويجب أن تحصل أي توصية بقبول الانضمام على أصوات إيجابية لتسعة أعضاء في اﻟﻤﺠلس من أصل 15 عضواً، بشرط ألا يصوت أي من الأعضاء الدائمين الخمسة، وهي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وأميركا ضد الطلب. وفي حال توصية اﻟﻤﺠلس بقبول الانضمام، تقدم التوصية إلى الجمعية العامة لتنظر فيها. ويجب الحصول على أغلبية الثلثين في تصويت الجمعية العامة لقبول دولة جديدة. وتصبح العضوية نافذة بتاريخ اعتماد قرار القبول.
ولحسن الحظ أن لجاناً رياضية وكيانات عالمية تقبل مشاركة دولية من دول "غير معترف بها". وعلى سبيل المثال لا الحصر، شاركت في دورة الألعاب الأولمبية الماضية في طوكيو 205 مشاركات دولية مختلفة. ويكمن السر في هذا الفرق في العدد، حيث إن العدد الرسمي للدول هو 193 دولة في مشاركات من قبل "بورتو ريكو" وكوسوفو وآروبا وبرمودا، وغيرها.