في الكومباوند الراقي المغلق على سكانه في التجمع الخامس (شرق القاهرة)، مجموعة من المراهقين والمراهقات يسيرون صوب "فيلا" يصطف حولها عدد كبير من السيارات الفارهة. المجموعة تتحدث بصوت عال سمة المراهقين الغاضبين بالفطرة حين يتجمعون بعيداً من أعين الكبار، وبلغة إنجليزية واضحة يقولون ما يعني "لا أتحمل الرجل. إنه أبله، لكنه متمكن من التفاضل والتكامل".
وسط الحديث الصاخب، تصل المجموعة إلى الفيلا. يدق أحدهم الجرس، ويدخلون جميعاً وقد هدأ الصخب ليبدأ درس التفاضل والتكامل لعدد لا يقل عن 30 طالباً وطالبة في فيلا الأستاذ في "الكومباوند". الحجز لدى الأستاذ "أون لاين" وسداد العشرة آلاف جنيه (نحو 636 دولاراً) قيمة الـ"كورس" لنصف العام عبر تحويل مسبق على "ويسترن يونيون".
مراكز الدروس الخصوصية للجميع
وفي منطقة "حدائق القبة" الشعبية العامرة بالتكاتك وحافلات النقل العام المتناحرة، تحاول مجموعة الطالبات التي تسير على ما تبقى من الرصيف رفع الصوت من أجل مناقشة مستوى "أستاذ الكيمياء" الذي يصف نفسه بـ"عملاق الكيمياء". وفي الجهة المقابلة، مجموعة الطلاب تسير في الاتجاه نفسه حيث الحديث متأرجح بين من سيحاول مصادقة مَن مِن الفتيات على الجبهة الأخرى، وهل أحضر كل منهم الـ300 جنيه (19 دولاراً) ثمن الحصة، وإن كان الـ"ميستر" سيكون "برنس" و"كفاءة" ويسمح لهم بالتدخين في وقت الراحة كما كان يفعل "أسطورة الفيزياء" العام الماضي الذي كان يدخن معهم أمام "السنتر".
تختلف "السناتر" (المراكز) في مواقعها وإمكاناتها ونوعية روادها. لكن تبقى في نهاية الأمر سواسية حيث الجميع يحقق أرباحاً طائلة (مع مراعاة نظرية النسبية الاجتماعية والاقتصادية)، ناهيك عن كون جميعها من دون استثناء ضاربة بالقانون عرض الحائط.
حوائط الدروس والأساطير
الحائط المواجه لـ"السنتر" في "حدائق القبة" اختفت معالمه تماماً أمام هجمة الملصقات والطباعات الهادرة. أساطير كيمياء وعمالقة فيزياء وعشرات من سيبويه اللغة العربية، ناهيك عن أينشتاين الرياضيات وشكسبير الإنجليزية والحائط وما عليه يتحدث عن نفسه.
ما ينوء به الحائط من أرقام هواتف عباقرة وأساطير المناهج التعليمية المدرسية يتجدد سنوياً، وأحياناً يتم تحديثه في نصف العام الدراسي. هذا الحائط ليس فريداً من نوعه أو غريباً وحكراً على منطقته أو محيطه، بل هو المعتاد والمعمول به.
المعمول به في مصر في كل بيت تقريباً يحوي طلاباً وطالبات في مراحل التعليم المدرسي المختلف هو إدراج "الدرس الخصوصي" في قلب الميزانية. ولا يستثنى في ذلك من هو ملتحق بمدرسة حكومية أو خاصة أو دولية، نظام مصري أو أميركي أو بريطاني أو ألماني أو فرنسي أو مختلط، من ينتمي لأسرة ميسورة الحال جداً أو بعض الشيء أو تقبع على أو أسفل خط الفقر بقليل.
قليلون هم من ينظرون في العقد الثالث من الألفية الثالثة بعين التعجب أو الاندهاش إلى الانتشار الفيروسي لمنظومة الدروس الخصوصية، فقد تحولت إلى جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية. ليس هذا فقط، بل يتم الاستناد إليها أحياناً بديلاً لها في المدرسة.
"أي مدرسة؟"
"مدرسة؟! أي مدرسة؟" سؤال استنكاري غاضب رداً على استفسار استفهامي طرحته "اندبندنت عربية" على "هيام" (الموظفة في إحدى المصالح الحكومية) التي تركت المواطنين متراصين أمامها أملاً في إنهاء معاملاتهم لتنهي معركة كلامية مع ابنتها الطالبة في الثانوية العامة. نسيت "هيام" أو ربما تناست لأسباب اقتصادية أن تترك لابنتها 500 جنيه (32 دولاراً) لتسددها في إدارة الـ"سنتر" قيمة درس أول من أمس حتى يسمحوا لها بحضور درس اليوم.
تضيف هيام ببأس ويأس، "أي مدارس؟ الطلاب لا سيما ثانوية عامة لا يذهبون إليها لأنها مضيعة للوقت. المدرسون لا يجيئون، وإن جاؤوا لا يشرحون، وإن شرحوا فأقل القليل. يحتفظون بقوتهم ويدخرون جهدهم للسنتر".
السنتر أو بالأحرى منظومة "السناتر" تجد نفسها هذه الأيام تحت الأضواء بدلاً من كلاسيكية حفاظها على الأضواء الخافتة وتمويه الواجهة وتقنين النشاط غير القانوني عبر التسجيل كـ"جمعية خيرية" أو "منظمة أهلية لتنمية المجتمع".
ما نما كان "السناتر"
وبعيداً من أن ما نما في المجتمع ليس البشر أو العلم أو المعرفة أو التعلم، بل بيزنس السناتر نفسه، فإن هذه المراكز والقائمين عليها من آلاف المعلمين والإداريين وملاك الـ"بيزنس" بالإضافة إلى ملايين الطلاب والطالبات وذويهم فوجئت بوزارة المالية تلوح لها بذراع الضرائب الذي يثير الهلع وينشر الفزع لدى الجميع، وعلى رأسهم أصحاب البيزنس الممنوع والمال والأعمال الملتوية المتحايلة على القوانين.
لكن القوانين والتشريعات نفسها ارتبكت وتلجلجت وتلعثمت على مدار ما يقرب من أربعة عقود هي عمر نمو وبزوغ وسطوع شمس منظومة الدروس الخصوصية. فمنذ كان الدرس الخصوصي يقتصر على نشاط شبه سري في بيت المعلم أو المعلمة حيث طالب واحد سرعان ما زاد إلى اثنين وثلاثة ثم 15 و20 طالباً و"الدرس الخصوصي" حائر بين إنكار القائمين عليه خوفاً من المساءلة، لا سيما الضريبية وبين الاعتراف به، خصوصاً بعدما أصبح منظومة "سناتر" في جميع أرجاء الجمهورية.
أحدث المحاولات القانونية التي تبخرت في هواء الواقع وعدم مصادقة البرلمان المصري عليه هو مشروع قانون أعدته وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في عام 2018 يجرم الدروس الخصوصية. تضمّن المشروع بنوداً تفرض عقوبات مالية لا تتجاوز 50 ألف جنيه (نحو 3180 دولاراً) لكل من يعطى درساً خصوصياً في مركز تعليمي أو في مكان مفتوح للجمهور. واقترح المشروع تغليظ العقوبة إلى حبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات لمن يكرر "الجريمة".
الجريمة "تفيد" أحياناً
على رغم ما يتردد من أن "الجريمة لا تفيد"، لكن جريمة الدروس الخصوصية في مصر باتت مفيدة للأطراف الضالعة بالحجة والبرهان؛ فبدءاً بحجة الحسابات المصرفية المنتفخة لملاك السناتر والمعلمين مروراً بنجاح الأولاد والبنات وبعضهم يحقق مجموعاً يفوق المئة في المئة وانتهاء بالأهل الذين تقرّ أعينهم ويهنأ بالهم بشهادة ورقية يحصل عليها فلذات الأكباد تفيد بتأهل هذا لكلية قمة من طب أو هندسة أو علوم سياسية أو حتى نجاة ذاك من مهالك الثانوية العامة ومآسيها.
لكن مأساة الدروس الخصوصية الحقيقية تتحدث عنها أرض أخرى بحجة مغايرة وبرهان مختلفة. إنها حجة سوق العمل الذي لا يبحث عن ببغاء يحفظ معادلة كيمياء أو جهاز تسجيل يكتب موضوع إنشاء لا طعم له أو لون أو رائحة. وهي برهان ما تشير إليه منظمة "يونيسف" بناء على نتائج دراسة "الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم 2015 والاختبار الدولية 2016" حيث ما يزيد على نصف الطلاب في مصر لا يستوفون حتى المستوى المنخفض في تقييمات التعلم الدولية (69 في المئة من طلاب الصف الرابع في القراءة و53 في المئة من طلاب الصف الثامن في الرياضيات و58 في المئة من طلاب الصف الثامن في العلوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصنيف التعليم
والأدهى من ذلك، بحسب "يونيسف" أيضاً "أن تصنيف مصر منخفض جداً في مؤشر التعليم"، إذ تأتي في المرتبة الـ49 من أصل 50 دولة في القراءة لطلاب الصف الرابع، و34 من أصل 39 في الرياضيات لطلاب الصف الثامن، و38 من بين 39 في العلوم لطلاب الصف الثاني أيضاً.
نحو أربعة عقود تفصل بين عهد كان "الأول" على الثانوية العامة على مستوى مصر يؤكد أنه لم يتلق درساً خصوصياً في حياته، وأن اعتماده الرئيس كان على كتاب الوزارة وشرح المعلم في الفصل. وفي حال استعان بأحد الكتب الخارجية فإنه يشير إليه على استحياء وكأنه سبة، أصبح الجانب الأكبر من الأوائل يخرجون ويؤكدون بثقة أن الاعتماد الرئيس كان على الدروس الخصوصية في جميع المواد. الأدهى من ذلك أن العقود الأربعة الماضية شهدت خفوت شمس المدرسة، وبات الطالب وأهله يؤكدون أن الذهاب إليها مضيعة لوقت الطالب الذي يجب أن يدخر جهده ووقته للدرس الخصوصي والمذاكرة والنوم.
منشور المالية
وقبل أيام استيقظ المصريون من النوم ليجدوا منشوراً من وزارة المالية مخاطباً "عمالقة الكيمياء وأساطير الفيزياء"، مطالباً إياهم بالتوجه إلى مأمورية الضرائب الواقع في نطاقها المقر الرئيس للنشاط (الدروس الخصوصية) خلال شهر من صدور المنشور. كما طالبت الوزارة "جميع مراكز الدروس الخصوصية من جمعيات وقاعات وشقق أو عن طريق التدريس عبر الوسائل الإلكترونية وغيرها سواء كانت مملوكة أو مستأجرة أي مراكز الدروس الخصوصية وفروعها المنتشرة في أنحاء مصر التوجه إلى مأمورية الضرائب التي يقع في نطاقها وإخطارها بذلك، سواء كان لدى الشخص أو الجهة ملف ضريبي أو لا". وذيلت الوزارة منشورها الذي أثار قدراً كبيراً من الصخب والقيل والقال والتعجب والتندر بقولها إن "إخطار المأمورية بنشاط الدروس الخصوصية وفتح ملف ضريبي لا يعد سنداً قانونياً لتقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية"، مع هاشتاغ #وزارة_المالية.
من المالية إلى الداخلية مروراً بالتربية والتعليم ومعها التنمية المحلية، وجدت منظومة الدروس الخصوصية الضالع فيها الغالبية المطلقة من الشعب المصري في حيص بيص. الشعب المصري، سواء كان معلماً يعطي دروساً أو رجل أعمال أو سيدة أعمال تمتلك "سنتر" أو أباً وأماً ينفقان الكثير على دروس الابن والابنة الخصوصية أو العاملين في الـ"سنتر"، وجد في المنشور قمة التناقض وأقصى درجات الالتباس والغموض.
الضرائب لا تعني تقنيناً
وعلى الرغم من السطر الأخير المؤكد أن إخطار مأمورية الضرائب لا يعد تقنيناً للنشاط، فإن السؤال الاستنكاري الأكثر شيوعاً هو: كيف لنشاط غير مقنن أن يسدد ضرائب؟!
جهود خبراء القانون تكثفت لتفسير جزئية غائبة عن الجماهير قوبلت بحائط سد وصد. وتمثلت الحجة القانونية الأكثر تداولاً في تشبيه فرض الضرائب على الدروس الخصوصية غير القانونية بتحصيل نظيرتها على المخدرات المضبوطة ودخول جزء منها إلى خزينة الدولة عبر وزارة المالية. وبهذا فإن فرض ضرائب على المخدرات، لا يعني بأي حال من الأحوال تقنينها.
مستشار رئيس مصلحة الضرائب العامة سعيد فؤاد يوضح في أحاديث صحافية عدة "أنه يتم إخضاع تاجر المخدرات لضريبة الدخل. كما أن المضبوطات يتم إخضاعها للضرائب كذلك، حيث تحاسبه مأمورية الضرائب كأنه ممول يزاول نشاطاً، حتى لو كان النشاط غير قانوني، وأن هذا لا يعني سماحاً من الدولة بممارسة الإتجار في المخدرات، فهذه تفصيلة أخرى تابعة لوزارة الداخلية".
وزارة الداخلية قامت غير مرة بحملات لغلق مراكز الدروس الخصوصية خلال العام ونصف الماضية من عمر الوباء، بعد قرار تعليق الدراسة في أوائل عام 2020 بسبب ظهور فيروس "كوفيد-19"، وهو القرار الذي اعتبرته "السناتر" هدية السماء لها لتحقيق أرباح مضاعفة. وخلال هذه الأشهر عرف من لم يكن يعرف أن منظومة الدروس الخصوصية نمت وتوغلت وتغولت لدرجة أن وزارة الداخلية اكتشفت "سناتر" مقامة في دهاليز تحت الأرض وأخرى خلف أبواب محال وشقق مغلقة.
والجريمة أيضاً
يشار إلى أن إحدى أبرز الجرائم البشعة التي شهدتها مصر خلال الأيام القليلة الماضية ارتبطت تفاصيلها بـ"المدرسين الخصوصيين". "خُط (مجرم) الفيوم" أو "بلطجي الفيوم" الذي ألقت القبض عليه وزارة الداخلية قبل أيام كان يحتفظ بسبعة رهائن كدروع بشرية في بيته، بينهم اثنان من أبنائه، وزوجته وحماته لكنه قتلهما وظل يبث بثاً مباشراً عبر منصات التواصل الاجتماعي لما يقترف من جرائم.
وقال المتهم أثناء البث، "إن زوجته وحماته وشقيقة زوجته دأبن على استدراج الطالبات القاصرات لممارسة الدعارة مع المدرسين الخصوصيين الذين يتوافدون على البيت".
ومن وزارة الداخلية إلى "التنمية المحلية" التي يظهر اسمها في حملات إغلاق مراكز الدروس الخصوصية بين الحين والآخر. وعقب صدور منشور وزارة المالية الخاص بتحصيل الضرائب على أنشطة الدروس الخصوصية، قال مساعد وزير التنمية المحلية خالد قاسم، "إنه تم إغلاق نحو 100 ألف سنتر خلال العام الماضي اتباعاً لقرارات اللجنة العليا لإدارة أزمة كورونا، وأن حملات الإغلاق مستمرة بالتعاون بين وزارات التنمية المحلية والداخلية ومديريات التربية والتعليم".
وطالب قاسم الطلاب وذويهم بمقاطعة أي مركز تعليمي مفتوح غير رسمي والإبلاغ الفوري عنه نظراً لخطورة هذه المراكز حيث التجمعات المناقضة للإجراءات الوقائية المنصوص عليها رسمياً.
تصريح وارتباك
هذا التصريح زاد حالة الارتباك والالتباس. "مستر محمد" معلم لغة عربية نهاراً في مدرسة خاصة ومساءً في عدد من الـ"سناتر". يقول، "إنه ليس لديه مركز تعليمي، لكن القرارات الأخيرة غير مفهومة". ويتساءل، "هل الإغلاق بسبب إجراءات كورونا؟ أم لأن السناتر في حد ذاتها غير قانونية؟ أم هي مرحلة وسرعان ما ستمضي بعد نجاح الحكومة في جمع مبالغ مالية من أولئك المرعوبين الذين سيسارعون إلى سداد ضرائب في مأموريات الضرائب اتقاء لخطر المساءلة والتوقيف؟!".
روشتة وعلاج
قبل ستة أعوام، كتب المفكر والاقتصادي الراحل جلال أمين تحت عنوان "عن الدروس الخصوصية" (عقب صدور تصريحات حكومية تفيد بمنع الدروس الخصوصية)، "ليت الأمر كان بهذه السهولة. فظاهرة الدروس الخصوصية لا تتعلق فقط بنظام التعليم، بل تثير قضايا اقتصادية وسياسية قديمة وحديثة، وتعكس فشلاً عاماً في السياسة الاقتصادية والاجتماعية يحتاج علاجه إلى فكر وجهد لا يمكن تحقيقهما على الفور".
وكتب أمين، أن "الظاهرة بدأت منذ تدهور مستوى التعليم الحكومي، فبحث الناس عن البديل في الدروس الخصوصية، لكن هذا التدهور له أسباب اقتصادية وسياسية ويعكس ترتيباً خاطئاً للأولويات الحكومية في الإنفاق، لا سيما خلال 30 عاماً من حكم مبارك".
وطالب أمين بـ"رؤية جديدة" لحل معضلة التعليم وأحد جوانبها الدروس الخصوصية. ووصف مليارات الجنيهات التي ينفقها الأهل على الدروس الخصوصية بـ"الإنفاق الخبيث" "لآثاره الأخلاقية السيئة، ولما يتضمنه من تبديد كبير لمواردنا الاقتصادية النادرة بما في ذلك مواردنا البشرية". وأضاف، أن "عائلات التلاميذ تدرك كل هذا، وترى مظاهره كل يوم. والجميع تُرِك نهباً لقواعد العرض والطلب، من أجل الحصول على خدمة هي من أجدر الخدمات بتجنيبها مضار نظام السوق".
دولة قوية ورشيدة
نظام السوق السائد في "سوق التعليم" واضح وضوح الشمس. وعلى رغم رحيل جلال أمين عن عالمنا قبل ثلاث سنوات، فإنه تطرق إلى قضية الضرائب والدروس الخصوصية قبل منشور وزارة المالية بسنوات. قال، "كان من الممكن للدولة، إذا كانت قوية وعاقلة، أن تحصل عن طريق الضرائب، ما يساوي أو حتى ما يزيد عما تنفقه الأسر المصرية بالفعل على الدروس الخصوصية، فتنفقه على المدارس والمدرسين طبقاً لخطة رشيدة، يحصل فيها المدرس على ما يستحق، وتسهم فيها الأسر الغنية بأكثر من نظيرتها الفقيرة. الأمر يتطلب فقط دولة قوية ورشيدة تعرف بالضبط ما تريد تحقيقه؟ ويتفق ما تريده مع مصلحة الوطن، وتستطيع وضعه موضع التنفيذ. بل لن يحتاج الأمر في الغالب إلى إصدار قوانين جديدة، ولا إلى تغليظ العقوبة على إعطاء الدروس الخصوصية. فالدولة الرخوة هي التي تكثر قوانينها، كما يكثر فيها الخروج على هذه القوانين".
دخل إضافي مؤقت
"ليس هناك قانون جديد، بل سيتم محاسبة نشاط الدروس الخصوصية بقانون محاسبة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر"، هكذا قال مستشار رئيس مصلحة الضرائب العامة سعيد فؤاد في تصريحات صحافية في محاولة لمحو اللغط وفك الالتباس، وهو ما أسفر عن مزيد من اللغط والالتباس حول إذا ما كان دفع الضرائب خطوة للتقنين أم وسيلة لحصر المراكز تمهيداً لإغلاقها أم مجرد دخل إضافي تحتاجه الدولة "الآن".
قال فؤاد، "إن القرار الأخير لوزارة المالية يعني أن على من يمارس نشاط الدروس الخصوصية التوجه لمصلحة الضرائب للتسجيل فيها وفتح ملف ضريبي"، موضحاً "أنه ليس هناك قانون جديد سيتم محاسبتهم به، بل سيجري هذا بقانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر رقم 152 لعام 2020، أو بقانون ضريبية الدخل رقم 91 لعام 2005".
واسترسل فؤاد في سرد بنود القوانين وشرح نصوص الدفع والسداد من دون التطرق من قريب أو بعيد للتقنين أو الإغلاق أو السماح، فهذه ليست مسؤولية المالية. من جهة أخرى، تبدو مسؤولية وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في صدارة سجال مراكز الدروس الخصوصية غير القانونية ومطالبات وزارة المالية لها وللقائمين عليها بسداد الضرائب عن هذا النشاط "غير القانوني". لكن ما يبدو غير ما يجري. تصريح منسوب لوزير التربية والتعليم والتعليم الفني طارق شوقي يشير إلى أن الوزارة لا علاقة لها بما تقوم به وزارة المالية ومأمورية الضرائب، حيث كل يتناول الملفات التي تخصه. ويمضي التصريح المتداول في تأكيد أن ما يجري من خطوات لسداد الضرائب وغيرها لن توقف أو تعرقل جهود وزارة التربية والتعليم في مكافحة ظاهرة الدروس الخصوصية.
دائرة اللغط تستحكم
وتستحكم دائرة السجال واللغط في الإغلاق. ويتساءل معلم يجمع بين العمل المدرسي و"العمل الحر" في مركز للدروس الخصوصية، فضل عدم ذكر اسمه، عما يجري من خطوات غير مفهومة. يقول، "من يسدد الضرائب يعني أنه يقوم بواجبه تجاه الدولة ومن ثمّ ينتظر أن تكون له حقوق كاملة. فهل سدادي للضرائب يعني توقع مستوى خدمات أفضل؟ أم أتوقع تعطيل نشاطي أو منعه أو إلقاء القبض علي بحكم أن النشاط نفسه غير قانوني"؟
حتى البرلمان انتفض
غرابة الموقف دفعت البرلمان للدخول على خط الأزمة. النائبة إيناس عبد الحليم تقدمت بطلب إحاطة تتساءل فيه عن القرار المفاجئ لوزارة المالية الخاص بسداد ضرائب عن نشاط الدروس الخصوصية على رغم أنه "لا يزال سرطاناً ينهش في المجتمع المصري من دون رحمة وبات كياناً موازياً يتحدى وزارة التربية والتعليم". وتساءلت، "كيف نوقع عقوبات على السناتر وعلى أصحاب الدروس الخصوصية، ثم نطالبهم بالضريبة على هذا النشاط غير المشروع؟".
وفي سياق متصل، قالت عضو لجنة التعليم في مجلس النواب جيهان بيومي، "إن القرار الصادر عن مأمورية الضرائب كان مفاجئاً للجميع، لا سيما أنه لم يتم عرض تشريع على البرلمان، وأن البرلمان سمع بالخبر كما سمع عنه بقية المواطنين". ولفتت إلى "أن مثل هذا القرار من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من عدم وسوء الفهم، إذ قد يُفهم منه أن الدولة بدأت تقنين الدروس الخصوصية. وقالت إن أول المتضررين هم أولياء الأمور الذين ستعاملون مع هذه المراكز بقدر أكبر من الثقة".
اشتعال "الماميز"
المضحك والمبكي أن العديد من "غروبات الماميز" على "واتساب"، التي تسبب صداعاً بالغاً في رأس وزارة التربية والتعليم تحفل بكمّ هائل من الغضب. مكمن الغضب ليس "تقنين المراكز" أو "تفرق دمائها بين الوزارات المختلفة"، بل ما سيؤدي إليه قرار تحصيل الضرائب من ارتفاع في التسعيرة.
تسعيرة الدروس الخصوصية الملتهبة مرشحة لمزيد من الالتهاب والارتفاع. تقول حنان جيد (عاملة نظافة وأم لثلاثة أبناء في مراحل التعليم المدرسي)، إن "فيزيتا (سعر) الدروس مثلها مثل أجرة الميكروباص. الحكومة ترفع سعر الوقود فتزيد أجرة الركوب. الحكومة ستحصّل ضرائب من السناتر، بالتالي الحصة التي كانت بـ100 جنيه (6.36 دولار) ستكون بـ120 جنيهاً (7.63 دولار). الفرق الوحيد أن الميكروباص مرخص والسنتر ليس مرخصاً". وما زال الجدل دائراً، وعدم الفهم سائداً، وتداخل المواقف وردود الفعل والتوقعات يثير قدراً غير قليل من الغضب والقلق.