في قراءة ثانية للمشروع المتعلّق بالقانون الأساسي لبنك المغرب، ألغت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في مجلس النواب إجراءً كان مجلس المستشارين قد اعتمده الأسبوع الماضي يُلزم بنك المغرب إصدار أوراق مالية أمازيغية.
وقد رفضت كتل الغالبية في مجلس النواب تعديل المادة المتعلقة بإدراج اللغة الأمازيغية في الكتابات على الأوراق والقطع النقدية بحجة عدم وجود القانون التنظيمي، المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
وعبّرت الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة "أزطا أمازيغ" عن استغرابها ممّا وصفته بالمبررات والأعذار الساذجة، التي ربطت إدراج حرف تيفيناغ على الأوراق والقطع النقدية بصدور القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
واعتبرت الجمعية أن هذا الإجراء التدبيري البسيط، والكبير رمزياً، لا يحتاج سوى إلى إرادات وطنية صادقة داخل المؤسستين التشريعية والتنفيذية، تقطع مع التمييز والعنصرية وتنتصر للتعدد والتنوع المنصف وتُجسّد المقتضى الدستوري بكوْن الأمازيغية لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة من دون استثناء.
صراع الأحزاب
عارض ممثلو الغالبية الحكومية وحزب الاستقلال داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في البرلمان قرار اعتماد الأحرف الأمازيغية، فيما ساند القرار برلمانيو فيدرالية اليسار وحزب الأصالة والمعاصرة.
وكان مستشارو الأصالة والمعاصرة في مجلس المستشارين، تقدموا بتعديلات على القانون الأساسي لبنك المغرب، تقضي بأن تكون الكتابات المطبوعة أو المنقوشة على الأوراق والقطع النقدية باللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، معللين التعديل المقترح بـ "احترام السيادة الوطنية باستعمال اللغتين الرسميتين للبلاد في الأوراق والقطع النقدية".
وعلّق الفريق نفسه، بعد إلغاء "تمزيغ" الأوراق المالية، بأن "الأمازيغية كقضية مجتمعية ليست ضمن أولويات الحكومة، وأن مكونات الغالبية كافة تكن عداوة لحرف تفيناغ بشكل خاص واللغة الأمازيغية بشكل عام".
اتهامات للحكومة
قال رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة عبد الله بادو إن هذا الرفض يُبيّن أنه "لا فرق بين أحزاب الغالبية والمعارضة"، مضيفاً أن هذه الأحزاب لا تملك أي نيّة لدعم الأمازيغية، التي تُعتبر جزءاً من هوية الشعب المغربي.
وأضاف أن "معركة الأوراق النقدية عادية، لكن لها رمزية وتبين أن الأحزاب لن تعطي أدواراً كبرى للأمازيغية مستقبلاً"، مؤكداً أنّ "العملة الوطنية عليها أن تعكس البعد الهويّاتي لجميع المغاربة". ويشير إلى أن "السياسيين بقرار مثل هذا لا يدركون جيداً معاني الهوية الوطنية".
واعتبرت الشبكة الأمازيغية أن اللغة الأمازيغية "يجب أن لا تبقى رهينة المزايدات السياسية بين الأحزاب، بدعوى ضرورة التوافق، وهو ما ضيّع حتى الآن ثماني سنوات من الإجراءات الفعلية لمشروع النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين".
نقاش ساخن
منذ طرحه، خلّف قرار طبع الحروف الأمازيغية على الأوراق النقدية ردود أفعالٍ متباينة.
وتسبّبت تدوينة للشيخ السلفي حسن الكتاني في "فيسبوك"، اعتبر فيها تضمين اللغة الأمازيغية في الأوراق النقدية "تضييقاً" على لغة الإسلام والمسلمين (أي اللغة العربية)، بحالة من الغضب والسخط بين النشطاء، الذين وصفوا تصريحاته بـ "الخطيرة" و"العنصرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين هؤلاء، عبد الوهاب الرفيقي، الملقّب بـ "أبو حفص"، الذي ردّ على تدوينة الكتاني، قائلاً إن "فكرة تفضيل العرب، أو العربية على سائر الأجناس واللغات برأيي فكرة عنصرية قائمة على قومية وعصبية مقيتة…".
وأضاف الرفيقي أنّ "الربط بين دين ما ولغة ما، يصحّ عند الأديان العرقية والقومية، التي لا تقبل بينها من ليس من عرقها"، مشيراً إلى أنه "ليس من العيب أن يعتزّ الإنسان بلغته عربيةً كانت أو أمازيغية أو أي لغة أخرى، لكنّ الخطير هو أدلجة اللغة، واحتقار لغات الآخرين".
حملة في "فيسبوك"
عقب رفض إدراج الأمازيغية على الأوراق النقدية، أطلق نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية في المغرب حملةً غير مسبوقة في "فيسبوك"، مطالبين الدولة بضرورة اعتماد أحرف تيفيناغ على الأوراق النقدية إلى جانب الأحرف العربية. وعرفت هذه الحملة انتشاراً كبيراً تحت هاشتاغ "واحد فزوج يا تكتبوا الأوراق النقدية بالأمازيغية يا نكتبوها حنا" (إما أن تكتبوها أنتم أو أن نكتبها نحن).
وانتشرت المئات من التعليقات الرافضة إلغاء مجلس النواب إلزام بنك المغرب إصدار أوراق مالية أمازيغية، مشيرةً إلى أن هذه الخطوة "أثبتت أن الأحزاب الحالية كلّها ضد الأمازيغية"، فيما أعرب آخرون عن دعمهم ومساندتهم حزبَي الأصالة والمعاصرة وفدرالية اليسار الديمقراطي، اللّذَين ساندا ضرورة إلزام بنك المغرب إصدار أوراق مالية أمازيغية.
جدل اللغة الأمازيغية من جديد
يعتبر المدافعون عن إدراج اللغة الأمازيغية في الأوراق النقدية، أنّ الحكومة المغربية تنتهج سياسة التسويف في كل الإجراءات والتدابير المتعلقة باللغة والثقافة الأمازيغيتين، على مدى ثماني سنوات، التي تلت اعتبارها دستورياً لغةً رسمية، بدعوى ضرورة إصدار القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
وتطالب الحركة الأمازيغية في المغرب بمأسسة اللغة الأمازيغية في حياة المواطنين من خلال اعتمادها في لوحات الإعلانات والإرشادات في الطرقات، واستعمالها في المحاكم، وكذلك في واجهة المؤسسات الوطنية، وتوسيع اللغة الأمازيغية في الحياة المدرسية وتخصيص يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام عيداً وطنياً للاحتفال بالسنة الأمازيغية.