بعد تجاهل تحالف "أوبك+" دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن بزيادة إنتاج النفط، فإن الولايات المتحدة، وهي أكبر مستهلك للخام، باتت قاب قوسين أو أدنى من البحث عن أدوات أخرى لتلبية احتياجاتها من الخام، أبرزها اللجوء إلى السحب من المخزون النفطي الاستراتيجي.
وكان تحالف "أوبك+"، الذي يضم 23 دولة (13 دولة في "أوبك" و10 غير أعضاء في المنظمة) بقيادة السعودية وروسيا، قد أكد الاستمرار في خطط الإنتاج، فيما ضغطت الدول الأخرى المستهلكة للنفط بقوة أيضاً، حيث طالبت اليابان والهند بمزيد من الإنتاج.
وتمسك التحالف بخطة زيادة الإنتاج بوتيرة تدريجية فقط عبر الاستمرار في زيادة إنتاج الخام اليومي بمقدار 400 ألف برميل شهرياً في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ومن شأن قرار "أوبك+" زيادة مخاوف البيت الأبيض الذي يخشى أن يؤدي التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة، إلى إرباك أجندة الرئيس الأميركي الاقتصادية.
وفي أول رد فعل من الإدارة الأميركية على قرار "أوبك+"، أقر بايدن، السبت الماضي، بأن التحالف لن يزيد إنتاجه من النفط بما يكفي لتلبية مطالب الولايات المتحدة.
مجموعة خيارات
وترك الرئيس الأميركي الباب مفتوحاً أمام مجموعة من الخيارات، حيث تفكر إدارته في الاستفادة من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي لخفض أسعار البنزين.
وقال بايدن "أولاً وقبل كل شيء، لا أتوقع أن تستجيب أوبك، أو أن تستجيب روسيا أو السعودية... سوف يضخون المزيد قليلاً من النفط. أما أن يضخوا كمية كافية من الخام فهذا أمر مختلف".
وعندما سأله أحد المراسلين في البيت الأبيض عما إذا كان سيأذن بالبيع من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي بعد أن تجاهلت "أوبك+" مناشدات الولايات المتحدة، أجاب بايدن "هناك عدد كبير من الأدوات الأخرى التي يجب أن نستخدمها مع دول أخرى في الوقت المناسب".
خطر سياسي
ويواجه بايدن ضغوطاً لوقف زيادة أسعار الطاقة، التي تشكل خطراً سياسياً على أي رئيس في الولايات المتحدة، حيث أدى التعافي من الجائحة إلى ارتفاع أسعار النفط والبنزين الذي يهدد إلى جانب زيادة التضخم، جهود الرئيس الأميركي لإخراج أكبر اقتصاد في العالم من صدمة كورونا، وتفعيل أجندته للإنفاق الاجتماعي وفرض ضرائب أعلى على الأثرياء.
وتطالب إدارة بايدن الدول المنتجة للنفط بزيادة المعروض الشهري بنحو 600 إلى 800 ألف برميل يومياً، أو الالتزام بالمعدل الزيادة الحالي البالغ 400 ألف برميل يومياً مع السماح للأعضاء الآخرين بضخ المزيد للتعويض، بحسبما نقلت وكالة "بلومبيرغ".
ويرى البيت الأبيض أن "أوبك+" عليه زيادة الإنتاج لضبط الأسعار ومساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي، فيما ترى السعودية وهي أكبر دولة مصدرة للنفط وحلفائها في "أوبك+" أن زيادة الإنتاج قد تعرض المنتجين إلى انتكاسات جديدة في المعركة الدائرة ضد الجائحة ووتيرة التعافي الاقتصادي.
استخدام محتمل
وقالت وزيرة الطاقة الأميركية، جينيفر غرانهولم، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ"، إن بايدن "يتطلع" إلى استخدام محتمل من إمدادات الخام من احتياطيات النفط الأميركية أثناء الطوارئ، بعد رفض تحالف "أوبك+" طلبه لزيادة الإنتاج بشكل أسرع، مؤكدة التكهنات التي استمرت عدة أسابيع بأن الإدارة ستبحث تطبيق مثل هذه الخطوة.
لكن المتداولين يحذرون من أن أسعار النفط قد لا تتراجع بالقدر الذي يستهدفه البيت الأبيض نتيجة اللجوء إلى الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، وهو ما يرجع إلى أن استخدام الاحتياطي الحكومي قد يكون "خاماً عالي الكبريت"، والذي لم يعد مفضلاً لدى المصافي، لكونه يحتاج إلى معالجة إضافية، تتطلب بدورها غازاً طبيعياً باهظ الثمن.
وزادت أسعار النفط بحوالى 60 في المئة هذا العام لتتجاوز 80 دولاراً للبرميل، بسبب التعافي الاقتصادي العالمي من جائحة كورونا، وتخفيضات "أوبك+".
خيار اللجوء لمخزونات الطوارئ
وتاريخياً، لم تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار استخدام مخزونات وقود الطوارئ سوى ثلاث مرات فقط منذ عام 1975، عندما وقع الرئيس الأميركي الراحل جيرالد فورد قانون إنشاء أول مخزون نفط خام احتياطي للطوارئ في البلاد، بعد أن أصيبت بصدمة كبيرة بسبب حظر نفطي قبل بضع سنوات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
آنذاك، كانت تسيطر منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على إمدادات العالم من النفط الخام، واليوم، تعد الولايات المتحدة الأميركية واحدة من بين أكبر المنتجين في العالم ومصدراً رئيساً، وليس مجرد مستورد للنفط.
ولا يستطيع أحد سوى رئيس الولايات المتحدة إصدار أمر للسماح باستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي الذي يتجمع في أربعة مواقع على طول سواحل خليج تكساس ولويزيانا التي تحوي كهوف تخزين عميقة تحت الأرض، يبلغ عمقها ما بين ألفي و4 آلاف قدم تحت السطح. وبلغت كمية النفط الأكبر الذي احتفظ به الاحتياطي الاستراتيجي على الإطلاق 727 مليون برميل عام 2009.
فيما بلغ احتياطي البترول الاستراتيجي في الولايات المتحدة 612.5 مليون برميل من النفط الخام اعتباراً من 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بما في ذلك حوالى 40 في المئة فقط من الخام "الحلو" أو منخفض الكبريت.
وقد استخدم الاحتياطي الاستراتيجي آخر مرة في يونيو (حزيران) 2011، عندما أدت الاضطرابات المدنية في ليبيا إلى زعزعة صادرات النفط العالمية، حيث طلبت الحكومة الأميركية– التي كانت تشعر بالقلق من تعطل الإمدادات في اقتصاد عالمي هش لا يزال يتعافى من ركود اقتصادي كبير– بيع 30 مليون برميل.
كما استخدم أيضاً الاحتياطي الاستراتيجي عام 2005، بعد أن دمر إعصار كاترينا، والأكثر ضرراً من كل الأعاصير المدارية في المحيط الأطلسي، البنية التحتية للنفط في البلاد على طول خليج المكسيك، بينما كان الاستخدام الأول للاحتياطي في عام 1991، إبان حرب الخليج الثانية التي أثرت على صادرات الخام في الشرق الأوسط.
ولا يمكن لأي نفط مستخرج من الاحتياطي الاستراتيجي الإسهام في دفعة فورية للإمدادات العالمية، إذ يجب سحبه من التخزين ومن ثم بيعه في سوق المشترين والبائعين، وهي عملية قد تستغرق حوالى أسبوعين.
أميركا تتوقع انخفاض الأسعار
وتوقعت الحكومة الأميركية، تحول سوق الخام العالمية إلى فائض في العرض مع انخفاض الأسعار بحلول أوائل العام المقبل. مما أدى إلى تهدئة التوقعات بأن البيت الأبيض قد يستغل احتياطيات الطوارئ في البلاد.
وقال مسؤول في البيت الأبيض، الثلاثاء، إن الإدارة راجعت توقعات إدارة معلومات الطاقة وترحب بأخبار تعديل الأسعار.
وأضاف المتحدث أيضاً، أنه ليس لدى البيت الأبيض ما يعلنه فيما يتعلق بإصدار احتياطي البترول الاستراتيجي، فيما تستمر بالتواصل مع تحالف "أوبك+" بشأن زيادة العرض.
وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها أن ترتفع أسعار البنزين في الولايات المتحدة هذا العام إلى ثلاثة دولارات للغالون وأن تتراجع قليلاً إلى 2.91 دولار للغالون في 2022.
وتوقعت الوكالة الحكومية أن تبدأ مخزونات النفط العالمية في الارتفاع عام 2022، مدفوعة بزيادة الإنتاج من "أوبك+" والولايات المتحدة، إلى جانب تباطؤ النمو في الطلب العالمي على الخام.