تخرج مبروكة التي تعزو وفاة ابنتها إلى التلوث في منطقة عقارب في وسط شرق تونس، للتظاهر مثل باقي الأهالي الذين يطالبون بغلق مكب نفايات يقولون، إنه "يضر بصحتهم" فيما امتلأ الجو بدخان الغاز المسيل للدموع.
وتقول الأم، البالغة من العمر 59 عاماً، "لن نتراجع عن حقنا في حياة سليمة".
وفي الشارع الرئيس لبلدة عقارب يتجمع منذ الصباح نساء وشباب وحتى أطفال للتظاهر، وهاجسهم الوحيد غلق المكب، لأنهم كما يقولون سئموا الأمراض والتدهور البيئي الذي تسببه النفايات.
نفايات وبعوض
تعيش البلدة التي يقطنها نحو 40 ألف نسمة، وتتبع محافظة صفاقس منذ نحو أسبوع على وقع احتجاجات اجتماعية، تطالب بغلق ثاني أكبر مكب للنفايات في البلاد من مجموع 13 أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقدت مبروكة بن إبراهيم ابنتها يسرى التي كانت في الحادية والعشرين من عمرها في عام 2019، بسبب لدغة بعوضة تقول، إنها "مسمومة ومصدرها المكب". وهي تعتقد أن الحشرة نقلت إلى ابنتها سما قاتلاً أو مرضاً، بسبب نفايات المكب المنتشر فوق 35 هكتاراً بالقرب من محمية طبيعية.
وتضيف في حرقة وهي تحمل صورة يسرى "فقدت ابنتي، ولا أريد أن تفقد عائلات أخرى أبناءها جراء أوساخ المصب". وتصرخ باكية، "نريد العيش سالمين لماذا يريدون لنا الضرر؟".
تنتشر رائحة النفايات في الشوارع متأتية من مكب "القُنة" الواقع على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من مركز البلدة، ويستقبل يومياً أكثر من 620 طناً من الفضلات، بحسب تقديرات منظمات ناشطة في المجال.
وتحتوي أطنان القمامة المدفونة في الموقع الذي يخدم مليون نسمة في ولاية صفاقس أيضاً على نفايات صناعية وطبية خطيرة، بحسب السكان.
ويتحدث السكان وأطباء عن أنواع معينة من السرطان ومشكلات في الرؤية والعقم تُسجل بمعدل أعلى من أي مكان آخر. وتحت الضغط الشعبي، وعدت السلطات بإغلاق الموقع. لكن أعيد فتحه، الإثنين، بعد الفشل في العثور على مكان آخر، مما أدى إلى سلسلة من الاحتجاجات والصدامات مع الشرطة.
أزمة نفايات في صفاقس
والثلاثاء، توفي متظاهر بسبب الغاز المسيل للدموع، الذي أطلقته الشرطة، وفقاً لعائلته، وهي رواية مختلفة عما نشرته السلطات.
عندما أُغلق مكب عقارب مؤقتاً في نهاية سبتمبر (أيلول)، توقفت البلديات في المنطقة عن جمع القمامة، ما أدى إلى أزمة نفايات في صفاقس التي غمرت شوارعها بعد 40 يوماً أكياس القمامة.
لذلك أعادت السلطات فتح مكب عقارب على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً من المدينة الصناعية الكبيرة، لكن هذا لم يؤد سوى إلى نقل المشكلة.
ويشكو السكان من المكب منذ افتتاحه في عام 2008.
انتشار الأمراض
ويؤكد الطبيب بسام بن عمار لوكالة الصحافة الفرنسية، "بعد سنتين من إنشاء المكب وبسبب حرق الفضلات والغازات السامة التي تفرزها بدأنا نلحظ وكسبب مباشر ارتفاعاً في أمراض الحساسية والجهاز التنفسي والإجهاض المبكر والأمراض السرطانية".
ويتابع بن عمار الذي يعمل في البلدة منذ عشرين عاماً، "يتم جلب فضلات من كل الأصناف، لاحظنا وجود مواد طبية وأعضاء بشرية وحتى أجنة" في حين تؤكد وزارة البيئة أن نفايات المستشفيات "تُعالج بصورة منفصلة".
يقول عادل بن فرج، وهو من بين المتظاهرين، "طيلة العام لا يفارقنا البعوض ولا الرائحة الكريهة. نوافذ البيت لا تُفتح. مطالبنا بيئية ومشروعة، ولا علاقة لها بالسياسة".
لا تدوير للنفايات في تونس
تونس من الدول التي لا تقوم بتدوير النفايات إلا بنسب ضئيلة، وتعتمد أساساً على الحرق أو الطمر للتخلص منها. وتنبه منظمات المجتمع المدني إلى أن ما يحدث في عقارب يشبه مناطق أخرى تفاقم الوضع فيها، ولم تعد تستوعب كميات الفضلات المنزلية والصناعية.
وتقول منسقة قسم العدالة البيئية في منظمة "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" إيناس لبيض لوكالة الصحافة الفرنسية، إن "أكثر من 90 في المئة من النفايات لا يتم تدويرها في تونس، وهذا يتسبب في تدهور الوضع الصحي والبيئة" بجوار المكبات.
وتضيف لبيض محذرة "اليوم في عقارب وغداً ربما في مكبات أخرى بالعاصمة، ليس هناك مكب في تونس في منأى" عن ظهور احتجاجات اجتماعية.
وتقول، "على الدولة أن تضمن الحق في بيئة سليمة، ويجب إرساء منظومة حقيقية لتدوير النفايات من مرحلة الفرز وصولاً إلى المعالجة. يجب أن تكون هناك عدالة بيئية في تونس. ما معنى أن تتمتع مناطق بهواء نظيف، وتُحرم مناطق أخرى مهمشة من أبسط حقوق العيش؟".
ويؤيد هذا الرأي الشاب العشريني أحمد ويقول موجهاً كلامه للسلطات "إنهم يتجاهلون مطالبنا، لأننا مهمشون ولا يكترثون لصحتنا".
تؤكد وزارة البيئة أن عملية إنشاء أي مصب يكون من شروطها الأولية الحصول على ترخيص من الأهالي والسلطات المحلية.
ويعرب الطبيب بن عمار عن خشيته من تزايد تدهور الوضع في عقارب في غياب حل مستدام. ويقول "إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن المستقبل الصحي للمنطقة سيكون خطيراً".
يقول المهندس محمود العجمي، (29 عاماً) الناشط ضمن جمعية "مانيش مصب" (لست مصباً) لوكالة الصحافة الفرنسية، وهو يعرض رسماً ساخراً لجرذان بصدد قضم دستور البلاد الذي يضمن حق العيش في بيئة سليمة "نحن مواطنون تونسيون نريد حقنا في بيئة نظيفة".