تشير التوقعات والمعطيات التي تزاحمت في الساحة الأردنية خلال الـ 24 ساعة الماضية، إلى نية العاهل الأردني اتخاذ سلسلة تغييرات في المناصب العليا للدولة، تصب جميعها في إطار "مرحلة التقارب المحموم مع سوريا".
ووفقاً لهذه المعلومات، ستطال التغييرات، التي بدأت أولى خطواتها عبر انتخاب عبد الكريم الدغمي رئيساً لمجلس النواب، وحكومة بشر الخصاونة، ومدير المخابرات وقائد الجيش، وقد تشمل أيضاً رئاسة مجلس الأعيان.
وبدا أن الدولة الأردنية تخطو نحو مئويتها الثانية بقفزات كبيرة، حيث دعا العاهل الأردني النواب والأعيان إلى مناقشة وإقرار قانوني الأحزاب والانتخاب ومخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، بهدف الوصول إلى برلمان حزبي، يكون للشباب والمرأة دور بارز فيه، وصولاً إلى تشكيل حكومات برلمانية.
انتقادات لحكومة الخصاونة
ولم يخل خطاب العرش للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس النواب، من رسائل وانتقادات لحكومة بشر الخصاونة، ومؤشرات على قرب رحيلها قبل نهاية العام الجاري.
ووفق معلومات، حصلت عليها "اندبندنت عربية"، فإن رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي الذي كلفه العاهل الأردني رئاسة اللجنة الملكية للإصلاح السياسي، هو المرشح الأبرز لخلافة الخصاونة، وفقاً لمتطلبات وظروف المرحلة المقبلة التي ستشهد تقارباً كبيراً مع سوريا، وجملة من الإصلاحات السياسية الداخلية في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن الرفاعي يستدعي ذاكرة غير محببة لدى الأردنيين، إذ أطيح به على وقع احتجاجات شعبية عارمة في البلاد مطلع 2011، بعد قرار حكومته رفع أسعار المحروقات، فإنه يمثل الخيار الأبرز لتشكيل الحكومة المقبلة.
وهذا يعني بالضرورة رحيل وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي لطالما اعتبرته دمشق حجر عثرة في طريق التواصل مع الأردن، بخاصة بعد دوره في طرد السفير السوري السابق في عمّان بهجت سليمان، في حين شكا الممثل الدائم لدمشق في الأمم المتحدة بشار الجعفري مراراً من تبني الصفدي مواقف دولية ضد النظام السوري.
ويتوقع أن يضم الرفاعي إلى حكومته في حال تكليفها، أطيافاً سياسية واسعة، من بينها شخصيات معروفة بقربها من النظام السوري وتأييدها له، ولن يخلو الأمر من تطعيم تشكيلته الوزارية ببعض الوجوه الإسلامية، تحديداً جماعة الإخوان المسلمين.
قطب برلماني مقرب من سوريا
كما جاء اختيار القطب البرلماني البارز عبد الكريم الدغمي رئيساً لمجلس النواب، في إطار هذه التغييرات، ويُعرف الدغمي بمواقفه المؤيدة رئيس النظام السوري بشار الأسد، ويتمتع بعلاقات قوية مع السوريين، وقد يكون الشخصية الأردنية الأبرز التي ستحط رحالها في دمشق قريباً في إطار توسيع هامش التقارب بين البلدين.
الدغمي الذي لم تسمح مراكز قوى مراراً بفوزه برئاسة المجلس، ترى في الرجل اليوم ضرورة تقتضيها المصلحة العليا، عدا عن الرغبة في إعادة ضبط إيقاع المجلس الذي شهد خلال العامين الماضين كثيراً من التوترات والإخفاقات والأزمات.
ويعد الدغمي، الذي وصف سابقاً البرلمان الأردني بأنه مجرد ديكور، أقدم نائب في مجلس النواب، ولديه خبرة سياسية وبرلمانية وقانونية كبيرة لمناقشة مشاريع القوانين التي ستحدّث شكل الحياة السياسية في المملكة، إضافة إلى كونه وجهاً عشائرياً، إذ يمثل قبيلة بني حسن التي تعد أكبر القبائل الأردنية تعداداً.
تغييرات أمنية
في السياق ذاته، يُتوقع أن تطال التغييرات الداخلية الجانب الأمني كمدير المخابرات وقائد الجيش، حيث يتردد في الصالونات السياسية اسم ضابط كبير من أصول شامية على رأس الجهاز الأكثر حساسية وأهمية في الأردن.
وجرت العادة في كل تغيير مفصلي في المملكة أن تجري إقالة كل مديري الأجهزة الأمنية وقائد الجيش في إطار التحضير لمرحلة جديدة في البلاد، ويسجل لهؤلاء القادة دورهم المحوري في كشف مخطط "الفتنة" التي كان الأمير حمزة بن الحسين أحد أركانه، وملاحقة المتورطين فيه قبل أن يجري تحويلهم للقضاء، وإصدار أحكام بشأنهم.
ويعول العاهل الأردني على قيادة مبادرات التطبيع العربي مع دمشق، لعزل إيران في سوريا وتحجيم دورها، في ظل بقاء النظام السوري وعدم القدرة على إسقاطه عسكرياً، الأمر الذي يتطلب تحديثاً لمنظومة الأمن والجيش في الأردن لمواجهة تبعات هذا الانفتاح الأردني الكبير على سوريا أمنياً، حيث تبرز الخشية من تسلل الميليشيات الإرهابية، فضلاً عن عصابات تهريب المخدرات.