أعلن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، الاثنين 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، أن الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العامين الماضيين كان من بين الأسباب التي دفعته للعودة إلى منصبه بموجب اتفاق مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، في حين أفرجت السلطات عن بعض السياسيين الذين أوقفوا قبل نحو شهر، تزامناً مع إعلان البرهان حل مؤسسات الحكم الانتقالي وفرض حال الطوارئ في البلاد.
المساعدات الأميركية
وفي وقت لاحق من يوم الاثنين، أبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كلاً من البرهان وحمدوك في محادثات أجراها مع كل منهما على حدة، أن السودان بحاجة إلى إحراز مزيد من "التقدم" قبل أن تستأنف واشنطن صرف 700 مليون دولار من المساعدات المعلقة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن "رسالة" الوزير مفادها أنه "يجب أن نستمر في رؤية التقدم"، معتبراً أن عودة حمدوك إلى السلطة بعد أن اعتقله الجيش نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، "خطوة أولى مهمة" ولكنها "ليست أكثر من ذلك".
وأضاف برايس للصحافيين أن رسالة بلينكن تقول، "لا بد أن نرى استمراراً في إحراز تقدم، وأن نرى السودان يعود إلى المسار الديمقراطي، وهذا يبدأ بإعادة رئيس الوزراء إلى منصبه، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد".
وطالب برايس قادة السودان بالإفراج عن جميع القادة المدنيين، وغيرهم، ورفع حالة الطوارئ.
ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستئناف المساعدات المالية التي تم تعليقها إثر الانقلاب العسكري، أجاب أن ذلك يعتمد على "ما سيحدث في الساعات والأيام والأسابيع القليلة المقبلة".
وسعت الولايات المتحدة إلى دعم الانتقال الديمقراطي من خلال حزمة مساعدات بقيمة 700 مليون دولار، علقتها بعدما أطاح البرهان حمدوك وشكل مجلس سيادة جديداً.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها أن بلينكن أجرى اتصالاً مع حمدوك والبرهان. وأضافت أن "بلينكن يعترف بأهمية الخطوة الأولى التي اتخذت بإعادة حمدوك إلى منصبه، لكنه ينوه إلى المهام الانتقالية المعلقة".
مقابلة حمدوك
وفي مقابلة مع وكالة "رويترز" في مقر إقامته في الخرطوم، حيث كان رهن الإقامة الجبرية بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، قال حمدوك، "نتوقع أن يكون أداء حكومة التكنوقراط له أثر إيجابي على الأداء الاقتصادي ومعيشة المواطنين".
وعارضت أحزاب سياسية بارزة وحركة الاحتجاج الرئيسة في السودان قرار حمدوك توقيع الاتفاق مع الجيش، الأحد، وقال البعض إنه يمنح الانقلاب غطاءً سياسياً.
وقال حمدوك، "من ضمن أسباب عودتي هي المحافظة على المكاسب الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي على العالم". وأضاف، "سنواصل تواصلنا مع مؤسسات التمويل العالمي، وموازنة العام الجديد التي ستبدأ في يناير (كانون الثاني) ستمضي في نهج الإصلاح الاقتصادي وفتح أبواب الاستثمار في السودان".
وتابع قائلاً، إن حكومة التكنوقراط يمكن أن تساعد في تحسين الاقتصاد السوداني الذي عانى من أزمة طويلة الأمد تضم واحداً من أعلى معدلات التضخم في العالم بجانب نقص في السلع الأساسية. وقال حمدوك، إن الحكومة قد تعمل أيضاً على الانتهاء من اتفاق سلام وُقع العام الماضي مع بعض الجماعات المتمردة لإنهاء سنوات من الصراع. وقال إن "الحفاظ على السلام وتنفيذ اتفاق جوبا وإكمال عملية السلام مع الأطراف التي لم توقع على اتفاق جوبا في أعلى جدول أعمال الحكومة الجديدة".
وأكد حمدوك التزام البلاد "المسار الديمقراطي والحفاظ على حرية التعبير والتجمع السلمي وانفتاح أكبر على العالم".
الإفراج عن المعتقلين
وأعاد الجيش السوداني حمدوك إلى منصبه رئيساً لمجلس الوزراء، الأحد، ووعد بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين بعد أسابيع من الاضطرابات التي تسببت في اندلاعها قرارات البرهان بإقصاء المكون المدني من إدارة المرحلة الانتقالية، وحل مجلسي السيادة والوزراء، لكن جموعاً غفيرة نزلت إلى الشوارع رافضة أي اتفاق مع الجيش.
وفي وقت مبكر، الاثنين، أفادت وسائل إعلام بأن السلطات أفرجت عن زعيم حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، ونائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال مستشار حمدوك السابق، ياسر عرمان، ورئيس حزب البعث السوداني علي السنهوري، وصديق الصادق المهدي من حزب الأمة.
وقال الدقير، لوكالة الصحافة الفرنسية، الاثنين، "تم إطلاق سراحي في وقت متأخر من مساء أمس (الأحد)". وأضاف، "كنت طوال هذه الفترة في حبس انفرادي ومقطوعاً تماماً عن العالم". وحسب الدقير، تم إطلاق سراح عدد من السياسيين ومن بينهم أعضاء في حزب الأمة، أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.
وكانت مصادر رسمية قد ذكرت أن أربعة معتقلين سياسيين سودانيين سيُطلق سراحهم ليل الأحد بعد اتفاق على إعادة حمدوك إلى منصبه، وفقاً لوكلة "رويترز".
وبموجب اتفاق وقعه مع قائد الجيش، سيتولى حمدوك الذي شغل المنصب بعد إطاحة الرئيس عمر البشير في 2019، رئاسة حكومة مدنية من الكفاءات لفترة انتقالية.
استقالات في صفوف قوى "الحرية والتغيير"
ورفضت قوى "إعلان الحرية والتغيير"، الكتلة المدنية الرئيسة التي قادت الاحتجاجات المناهضة للبشير ووقعت اتفاق تقاسم السلطة عام 2019 مع الجيش، اتفاق الأحد. وقالت في بيان "نؤكد موقفنا الواضح والمعلن سابقاً، أنه لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للانقلاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما طالبت المجموعة بمحاكمة قادة الانقلاب بتهمة تقويض شرعية العملية الانتقالية وقمع المتظاهرين وقتلهم.
وتأكيداً لموقفها الرافض للاتفاق، أعلن معظم وزراء "قوى الحرية والتغيير" الاثنين، تقديم استقالاتهم إلى رئيس الوزراء الذي أعيد إلى منصبه.
وأكد بيان نشر على صفحة وزارة الإعلام على "فيسبوك" أن 12 من بين 17 وزيراً قام تكتل "قوى الحرية والتغيير" بتسميتهم "قدموا استقالاتهم" إثر اجتماع تشاوري عقدوه، ولم يشارك فيه وزيرا شؤون مجلس الوزراء والصناعة، لأنهما لا يزالان معتقلين. كما "لم يتمكن" وزيرا الإعلام والاتصالات من حضور الاجتماع.
وأشار البيان أيضاً إلى أن وزير التجارة علي جدو رفض تقديم استقالته.
وكان المحتجون المعارضون للانقلاب عبروا أثناء تظاهرات الأحد عن رفضهم للاتفاق. وقُتل فتى يبلغ 16 سنة خلال هذه التظاهرات، ليرتفع بذلك عدد الضحايا منذ انقلاب البرهان إلى 41 شخصاً، بحسب لجنة الأطباء المركزية المؤيدة للقوى المدنية.
ترحيب دولي
ورحبت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج والاتحاد الأوروبي وكندا وسويسرا بإعادة حمدوك، وحثت في بيان مشترك على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الآخرين. وقالت دول الترويكا والاتحاد الأوروبي في بيان، إنه من الضروري أن تلبي الخطوات التالية طموحات الشعب.
وأشاد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأحد، بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في السودان لإعادة المسار نحو الديمقراطية، محذراً السلطات من الاستخدام المفرط للعنف ضد المتظاهرين.
وكتب بلينكن على "تويتر"، "أنا متشجع بالتقارير التي تفيد بأن المحادثات في الخرطوم سوف تؤدي إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وإعادة رئيس الوزراء حمدوك إلى منصبه ورفع حالة الطوارئ واستئناف التنسيق".
وأضاف، "كما أكرر دعوتنا إلى القوات الأمنية بالامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين".
من جهتها، رحبت الأمم المتحدة بالاتفاق، لكنها شددت على "الحاجة إلى حماية النظام الدستوري للمحافظة على الحريات الأساسية المتمثلة بالتحرك السياسي وحرية التعبير والتجمع السلمي".
كما رحبت القاهرة والرياض والاتحاد الأفريقي بالاتفاق.
اختيار حكومة كفاءات
وقال حمدوك إنه وافق على الاتفاق لوقف إراقة الدماء. وأضاف خلال في مراسم التوقيع التي بثها التلفزيون الرسمي، "الدم السوداني غالٍ"، ودعا إلى حقن الدماء وتوجيه طاقة الشباب إلى البناء والتعمير.
وأشار حمدوك إلى أن الاتفاق الذي أبرمه مع الجيش يمنحه كامل الحرية في اختيار حكومة كفاءات وطنية.
وقال البرهان، إن الاتفاق سيكون شاملاً. وقال، "لا نريد أن نُقصي أحداً إلا ما اتفقنا عليه، وهو المؤتمر الوطني"، مشيراً إلى الحزب الذي كان يتزعمه البشير، ومع ذلك لم يرد ذكر الاتفاق لقوى الحرية والتغيير، وهي الائتلاف المدني الذي تقاسم السلطة مع الجيش قبل الانقلاب.
وقال ائتلاف قوى الحرية والتغيير، إنه لا يعترف بأي اتفاق سياسي مع الجيش، وقال حزب المؤتمر الوطني في بيان، إن الاتفاق كان "عملاً فاقد الشرعية وخارجاً عن الإطار الدستوري"، وإنه يقدم "غطاءً سياسياً للانقلاب".
وأصدرت عدة لجان مقاومة تنظم الاحتجاجات أيضاً بيانات أعربت فيها عن رفض أي اتفاق مع الجيش.
وبموجب اتفاق الأحد، سيظل الإعلان الدستوري الذي تم التوصل إليه بين العسكريين والمدنيين في 2019 هو الأساس فيما يلي من محادثات، كما سيتم "العمل على بناء جيش قومي موحّد".
ويرى المحللون أنه بإتمام الاتفاق السياسي في السودان، يحاول البرهان إرضاء المجتمع الدولي شكلاً مع تثبيت هيمنة العسكر على المرحلة الانتقالية.