قد تضطر الصين إلى إنعاش اقتصادها قريباً مع ارتفاع مخاطر "التضخم المصحوب بالركود"، حيث حذر مسؤول بالبنك المركزي الصيني، من أن الركود التضخمي يمكن أن يلقي بثقله على الاقتصاد المتعثر بالفعل خلال العام المقبل. وهذه أحدث علامة على أن الحكومة الصينية قد تفكر في اتخاذ بعض الخطوات الصارمة لمعالجة تباطؤ النمو، بما في ذلك أول خفض لسعر الفائدة منذ أوائل عام 2020.
وأبقى البنك المركزي الصيني على أسعار الفائدة الرئيسة من دون تغيير للشهر الـ19 على التوالي، حيث قرر البنك استمرار الفائدة الرئيسة على قروض العام الواحد الأولية عند مستوى 3.85 في المئة، وفائدة قروض السنوات الخمس الأولية عند مستوى 4.65 في المئة. وتُحدد الفائدة على القروض الأولية بشكل شهري على أساس الطلبات المقدمة من 18 بنكاً إلى البنك المركزي في الصين، على الرغم من أن البنك المركزي يمتلك سلطة على تحديد الفائدة.
في تصريحات خلال منتدى على شبكة الإنترنت، قال ليو شيجين، عضو لجنة السياسة النقدية لبنك الشعب الصيني، إن ثاني أكبر اقتصاد في العالم قد يتعين عليه التعامل مع "شبه التضخم المصحوب بالركود" بقية هذا العام، وحتى عام 2022، محذراً من استمرار أزمة سلاسل الإمدادات وقطاع الشحن، والتي ألقت بظلالها على أسواق التجزئة عالمياً، وهو ما يزيد من حدة المخاطر التي تواجهها الاقتصادات الكبرى، وعلى رأسها الاقتصاد الصيني.
وقال: "نحن بحاجة إلى الاهتمام بالبحث عن حلول لمشكلة سلاسل التوريد وأزمة الشحن، لأنه في حال استمرار هذه المشاكل خلال الفترة الحالية، فإن ذلك لن يؤثر فقط على الربع الرابع، بل سيؤثر أيضاً في الأرقام الخاصة بالعام المقبل".
سياسات كبح التضخم تقود لارتفاع الأسعار
ويمكن أن يكون التضخم المصحوب بالركود - عندما يكون التضخم مرتفعاً، ولكن النمو الاقتصادي يتباطأ – أزمة كبيرة تواجه الاقتصادات، وبخاصة المتقدمة والكبرى، لأن السياسات المالية والنقدية التي تهدف إلى كبح جماح التضخم، مثل أسعار الفائدة المرتفعة، تخاطر بقمع النمو أكثر. وفي المقابل، فإن السياسات التي تهدف إلى تعزيز النمو، تخاطر بالتسبب في استمرار ارتفاع الأسعار، بالتالي زيادة معدلات التضخم وقرب بداية الركود التضخمي.
وحتى مع تحذيره، لا يزال بنك الشعب الصيني يتوقع أن يحقق الاقتصاد هدف النمو الذي تتوقعه الحكومة بأكثر من 6 في المئة لهذا العام، لكن ما يشهده العالم في الوقت الحالي من أزمات، وآخرها أزمة الطاقة وسلاسل الإمدادات، إضافة إلى المخاطر التي خلفتها جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، دفعت إلى تراكم المخاطر على الاقتصاد الصيني في الأشهر الأخيرة. فإلى جانب ارتفاع تضخم أسعار المنتجين في المصنع العالمي، تعاني البلاد أيضاً أزمة طاقة شديدة وتباطؤاً كبيراً في قطاع العقارات.
ووفق شبكة "سي أن أن"، فقد أقر رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ أخيراً بهذه المخاوف، وقال بندوة في بكين خلال الأسبوع الماضي، إن الاقتصاد يواجه "ضغوطاً هبوطية جديدة". ووصف تفشي فيروس كورونا الأخير والفيضانات الشديدة وارتفاع أسعار السلع الأساسية ونقص الطاقة بأنها مخاوف رئيسة لا يمكن لأي اقتصاد أن يتجاهلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما قال إن صانعي السياسة يجب أن يركزوا على مساعدة "اللاعبين في السوق"، بما في ذلك الشركات الصناعية والشركات الصغيرة، من خلال تقديم تخفيضات ضريبية أو تخفيض الرسوم الإدارية، لكن هذا يعاكس تماماً ما حدث خلال الأيام الماضية، حيث أمرت هيئة مراقبة المنافسة في الصين مجموعة "علي بابا" وشركتي "تينسينت" و"بايدو" من بين شركات أخرى، بدفع ما مجموعه 21.5 مليون يوان (3.4 مليون دولار) كغرامات، وهي أحدث جولة من العقوبات في حملة الدولة المستمرة ضد الاحتكار.
القلق بشأن تباطؤ النمو يتزايد
وقال لاري هو، رئيس اقتصادات الصين في مجموعة "ماكواري"، في مذكرة بحثية حديثة، إن "القلق بشأن تباطؤ النمو يتزايد بشكل واضح بين التكنوقراط في الوكالات الحكومية المختلفة"، فيما يشكك المحللون أيضاً في أن صانعي السياسة في الصين قد يفكرون في خفض أسعار الفائدة أو اتخاذ خطوات أخرى لتخفيف السياسة النقدية.
وفي تقرير ربع سنوي صدر يوم الجمعة عن البنك المركزي، أغفل العبارات التي بدت سابقاً للإشارة إلى سياسات أكثر تشدداً. ويشير حذف هذه العبارات إلى حدوث تحول في الأفق، وفقاً للمحللين، حيث كتب محللو "نومورا" في تقرير حديث، "من وجهة نظرنا، تمثل عمليات الحذف هذه تغييراً رسمياً في موقف سياسة بنك الشعب الصيني، وتمهد الطريق لمزيد من التيسير النقدي والائتماني الحاسم".
وأضاف، "هذه التغييرات لم تحدث بعد، حيث أبقى البنك المركزي على سعر الفائدة الأساسي للقرض، وهو السعر القياسي الذي تفرضه البنوك على عملاء الشركات للحصول على قروض جديدة، من دون تغيير لشهر نوفمبر (تشرين الثاني)، الشهر التاسع عشر على التوالي.
لكن المحللين في "كابيتال إيكونوميكس"، يعتقدون أنه لن يمر وقت طويل قبل أن يبدأ البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة. وكتب جوليان إيفانز بريتشارد، كبير الاقتصاديين الصينيين في الشركة، "مع استمرار الضغوط الاقتصادية في النمو، سيكون هناك مزيد من الضغط لتخفيف ضغوط التمويل على المقترضين المثقلين بالديون".
وأضاف أن "كابيتال إيكونوميست" تعتقد أن البنك المركزي سيبدأ في خفض أسعار الفائدة قبل نهاية عام 2021، "يليها مزيد من التخفيضات في عام 2022"، فيما يتوقع آخرون أن يستكشف البنك المركزي خيارات أخرى، وبدلاً من تغيير أسعار الفائدة، قال محللو بنك "غولدمان ساكس"، إنهم يتوقعون مزيداً من الدعم المستهدف للتنمية الخضراء والشركات الصغيرة أو متوسطة الحجم.