لم تستجب الأسواق لقرار السحب من مخزون النفط الاستراتيجي الأميركي، بالتزامن مع سحب اليابان والصين من مخزوناتها بعشرات الملايين من براميل الخام وطرحها في السوق.
وواصلت أسعار النفط الارتفاع على عكس ما هدفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من وراء قرار الإفراج المنسق عن كميات النفط من المخزونات. وتواجه إدارة بايدن انتقادات متزايدة، خصوصاً من الحزب الجمهوري، بأن سياساتها الاقتصادية وراء موجة ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم بشكل عير مسبوق.
ومع استطلاعات الرأي التي توضح أن أكثر من ثلثي الأميركيين يقلقهم الارتفاع المستمر في الأسعار، تخشى الإدارة الديمقراطية من أن تخسر انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام القادم لمصلحة الجمهوريين.
وظلت الإدارة الأميركية تردد أن الارتفاع الشديد في معدلات التضخم مسألة موقتة سببها تبعات أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19)، لكن المعارضة الجمهورية وبعض الاقتصاديين ترى أن سياسات التيسير النقدي وضخ التريليونات في الاقتصاد عبر حزم تحفيز لمواجهة أزمة الوباء وبرامج الإنفاق الحكومي التي تعتمدها إدارة بايدن تقف وراء ارتفاع معدلات التضخم بأسرع وتيرة لها منذ 30 عاماً.
وبدأ الرئيس بايدن يغير لهجته بشأن التضخم، ليصرح أخيراً بأن ارتفاع الأسعار يضر بغالبية الأسر الأميركية، ويعلن أن "تغيير هذا النهج هو أولوية قصوى" لإدارته. ومن بين إجراءات الإدارة محاولة تغيير معادلة العرض والطلب في سوق النفط لخفض أسعار الطاقة التي يعد ارتفاعها هي وأسعار الغذاء من أهم عوامل ارتفاع معدلات التضخم.
السياسة المالية والنقدية
هذا الأسبوع أيضاً اختار الرئيس بايدن استمرارية السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي بإعلان البيت الأبيض ترشيح الرئيس الحالي للاحتياط جيروم باول للمنصب، وكانت هناك توقعات بأن تستبدل الإدارة الديمقراطية باول، باعتباره جمهورياً عينه الرئيس السابق دونالد ترمب، بمرشحة ديمقراطية هي محافظ الاحتياطي الفيدرالي لايل برينارد، وتعتبر برينارد القريبة من المعسكر اليساري في الحزب الديمقراطي من "الحمائم" في مجال السياسة النقدية برأي الأوساط المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعني اختيار استمرار باول في دراسة الاحتياطي الفيدرالي ميل الإدارة إلى مواصلة سياسة "الصقور" باتجاه تشديد السياسة النقدية لكبح جماح ارتفاع معدلات التضخم، لكن السوق بالفعل تحسبت مبكراً لاحتمال بدء الاحتياطي في خفض برنامج شراء السندات بمعدل 120 مليار دولار شهرياً من الشهر المقبل، وبالتالي لم تحصل إدارة بايدن على التأثير الإيجابي المتوقع، ربما مثل قرار الإفراج عن النفط من المخزونات.
لكن توجهات الإدارة أصبحت تعني إدراكها أن تعليق ارتفاع معدلات التضخم على عوامل خارجية وحسب ليس صحيحاً تماماً، وأن السياسة المالية والنقدية مسؤولة أيضاً عن ذلك.
هذا ما خلص إليه أيضاً تحليل مطول لمجلة الـ "إيكونيميست" في عددها الأخير.
وعلى الرغم من الإشارة إلى أن هناك عوامل عالمية لارتفاع معدلات التضخم مثل مشكلات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الغاز والنفط، إلا أنها قارنت معدلات التضخم في أميركا وبقية الدول الصناعية الكبرى، والنتيجة أنه رغم ارتفاع التضخم في أغلب الدول إلا أن معدلاته في الولايات المتحدة أعلى بكثير.
مشكلة التضخم
وجاء ذلك رداً على آراء بعض الاقتصاديين الأميركيين الذين سايروا توجه الإدارة بأن التضخم "ليس مشكلة أميركية" وإنما "مشكلة عالمية"، إذ كتب دين بيكر من مركز دراسات السياسة والاقتصاد على "تويتر"، "يؤسفني أن أحبط كل من يقولون إن خطط الإنعاش الاقتصادي لإدارة بايدن تزيد الضغوط التضخمية، لكن بريطانيا أيضاً لديها ارتفاع في معدلات التضخم بشكل كبير، على الرغم من أنها لا تعتمد خطط تحفيز للاقتصاد".
أما الاقتصادي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، بول كروغر، فقارن بين أوروبا كلها والولايات المتحدة، ليخلص إلى أن "ما يحدث في الولايات المتحدة ليس بسبب سياسات الحكومة فقط".
لكن تحليل الـ "إيكونيميست" يستنتج أن معرفة مدى ارتفاع التضخم تكون أفضل بالمقارنة ليس على المعدل السنوي إنما قبل عامين، أي ما قبل أزمة وباء كورونا مباشرة، وبهذه الطريقة يكون معدل التضخم في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 7.5 في المئة، وهي نسبة أعلى بنقطتين مئويتين على الأقل عن معدل التضخم في أي من الدول الصناعية السبع الكبرى. ويرجع تقرير الـ "إيكونيميست" هذا الفارق بين الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع إلى حزم التحفيز التي بدأها ترمب العام الماضي وواصلها بايدن.
كما أن خطط الإنفاق الهائلة تجعل معدل عجز الموازنة الأميركية في 2020- 2021 عند نسبة 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة عجز أكبر بكثير من أي دولة في مجموع السبع، وتضاعفت قيمة مشتريات السندات على كشف حساب الاحتياطي الفيدرالي في تلك الفترة.