يصعب الحصول على الموظفين الضروريين، وفق القول الساخر القديم، ويحدث أن ذلك هو جزء رئيسي من أسباب التعافي البريطاني المتباطئ من جائحة كوفيد (التي لم "تنته" بالطبع بأي شكل). مع الاستثناء اللافت للولايات المتحدة، لم تستعد أغلبية الاقتصادات الرئيسية بعد مستوى الناتج الذي عرفته حين ضربها فيروس كورونا، ويجب القول إن المملكة المتحدة أبعد عن ذلك المستوى المعياري مقارنة بأقرب البلدان المجاورة – يقل الناتج البريطاني اليوم عنه في أوائل عام 2020 بنسبة 2.1 في المئة، مقارنة بفرنسا وألمانيا، حيث تبلغ النسبة 0.1 في المئة و1.5 في المئة على التوالي. ويعود بعض الفارق إلى أساليب مختلفة قليلاً في احتساب النمو، والتركيب المختلف لاقتصاد المملكة المتحدة، الذي يعتمد أكثر على قطاعات الخدمات (على رغم أن ذلك قد يعمل لصالح المملكة المتحدة هذه المرة).
في أي حال، يتباطأ النمو، وهو أقل من التوقعات. ووفق الحس السليم، يجب أن نبحث عن تفسير لتخلف المملكة المتحدة عن الركب وذلك في مراحل سابقة للمراحل الأخيرة. من المحتمل على الأقل أن يكون بريكست ترك أثراً محبطاً في النشاط الاقتصادي، مع عودة العاملين الأوروبيين إلى بلدانهم وزيادة الحواجز أمام التجارة وتدفق الطلبات والمكونات والمواد الأولية. وستفرض البيروقراطية الإضافية أيضاً تكاليف أعلى وهكذا دواليك. وهذا بدوره يهدد بزيادة معدل التضخم وبمرور الوقت بمعدلات أعلى للفائدة. ماذا سيعني هذا للعمل السياسي؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هو سيزيد بالتأكيد الضغوط على المالية العامة، على رغم أن التداعيات ستستغرق وقتاً قبل أن تصب في هذا المجال. وستزيد الضرائب والاقتراض العام، وسيقل الإنفاق العام، مقارنة بالحال المتوقعة في ظل نمو أكبر. ولن تحصل صدمة فورية، لكن في السنوات المقبلة تبدو مستبعدة الآمال المعلقة على قدرة المحافظين على الاحتفاظ بتصنيفاتهم على صعيد الكفاءة الاقتصادية في مواجهة أزمة متصاعدة في مجال تكاليف المعيشة. والأمران الغامضان البارزان هما مصير البطالة في عصر يشوبه نقص في العمالة، ومصير الأسعار، لكن التوقعات هي مجدداً أضعف مما كان قد يُؤمَل سابقاً. وستصعب هندسة تخفيضات ضريبية قبل الانتخابات، وسيقل الاستثمار في مشاريع "تحقيق المساواة" الأثيرة الموجهة سياسياً في الدوائر الانتخابية الهامشية.
وإذا واصل الاقتصاد الركود، سيضر بثقة الأعمال والمستهلكين، وثمة رابط ما عادة بين هاتين الثقتين والثقة في الحزب الحاكم. وسيظل المزاج العام أكثر إحباطاً إذا نفذ بنك إنجلترا ما يلمح إلي تنفيذه وبدأ برفع معدلات الفائدة. وسيكون الأثر الفوري مكبوتاً لأن الزيادات الفعلية ستكون صغيرة وستبقي المعدلات عند مستويات تاريخية منخفضة جداً، ولأن لحاق معدلات الفائدة والتسديدات الخاصة بالرهون العقارية سيتطلب وقتاً. لكن الأثر النفسي في الأسواق قد يكون قوياً. فمن السهل توقع أن يصب ذلك تبريداً في السوق العقارية، وانخفاضاً في أسعار البيوت – الأمر الذي سيسبب تآكلاً إضافياً في الثقة. والإيجابية السياسية الوحيدة هي أن بنك إنجلترا هو الطرف الذي سيشمله الاستنكار بسبب ارتفاع المعدلات وفواتير الرهن العقاري، وليس الحكومة، على رغم أن إجراءاتها المالية العامة الطارئة وسياستها الخاصة ببريكست هما جزء من السبب الذي يدفع الأسعار صعوداً. وستزيد الأجور (للبعض)، لكن مع معدل للتضخم يساوي خمسة في المئة أو أكثر، لن تواكب الأجور الأسعار المتزايدة.
إن التضخم هو الخطر السياسي الرئيسي. ومن الإشارات المنذرة بالسوء الصادرة عن الأسواق هي القيمة المتراجعة للجنيه الاسترليني دولياً. وهذا يعني ارتفاع أسعار الاستيراد لكل شيء، من فواكه الساتسوما المغربية إلى سيارات "فولفو" السويدية إلى الكهرباء الفرنسية – ستكون الزيادة شاملة. وهذا يشي إلى أن المستثمرين ومستشاريهم الاقتصاديين يعتقدون بأن أفضل طريقة تستطيع من خلالها المملكة المتحدة تجاوز مشاكل بريكست وكوفيد تتمثل في تقليص تكاليف مبيعاتها في الخارج وأسعارها وجعل الواردات أكثر تكلفة. وبعبارة مبسطة، يعني هذا تضخماً وانخفاضاً في القوة الشرائية الحقيقية للأجور.
من شأن هذا كله أن يضغط على شعبية الحكومة، لكن كما هي الحال دائماً، على أحزاب المعارضة أن تبين أنها لن تجعل الأمور أسوأ (حتى) في أوقات الصعوبة والخطر الاقتصاديين. وثمة مشكلة محددة تتمثل في ما يجب قوله عن بريكست. فإذا كان مسؤولاً عن النمو البطيء، فالخطوة الواضحة تتلخص في القول بقلبه، كلياً أو جزئياً، وفي "جعل بريكست ينجح"، كما يقول حزب العمال. وهذا يستتبع أيضاً مخاطر سياسية خاصة به. فالاقتصاد المتباطئ خبر سيء حتماً لـ(رئيس الوزراء) بوريس جونسون و(وزير المالية) ريشي سوناك، لكنه ليس الهدية كما يظهر من النظرة الأولى لـ(زعيم حزب العمال) كير ستارمر و(وزيرة المالية في حكومة الظل العمالية) راشيل ريفز.
© The Independent