تعيش تونس منذ الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الماضي، على وقع إقالات مختلفة، شملت ما يزيد على ثلاثين مسؤولاً، بينهم ولاة دون أن يعيَّن بدلاً منهم.
وأصدر الرئيس التونسي قيس سعيد، الخميس 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أمراً رئاسياً يقضي بإنهاء تكليف محمد صدقي بوعون بمهام والٍ بولاية سيدي بوزيد، وإنهاء تكليف منصف شلاغمية بمهام والٍ بولاية قبلي.
ويأتي هذا القرار استكمالاً لسلسلة إقالات اتخذت في حق عدد من الولاة في تونس، منهم والي المنستير، أكرم السبري، ووالي مدنين، الحبيب شواط، ووالي زغوان، صالح مطيراوي، ووالي قابس، منجي ثامر.
كما شملت الإقالات والي بنزرت، محمد قويدر، ووالي قفصة، سامي الغابي، ووالي بن عروس، علي سعيد، ووالي صفاقس، أنيس الوسلاتي.
وقد شهدت ولاية صفاقس خلال الفترة الأخيرة سلسلة من الاحتجاجات، تدخلت على أثرها قوات الأمن، إثر تكدس القمامة في مختلف شوارع المدينة، بعد أن جرى غلق مصب عقارب لتجميع النفايات، وعجزت الإدارة المكلفة إدارة الشأن العام في الولاية عن إيجاد حل لهذه المشكلة.
فراغ إداري
ويُعَد الوالي (المحافظ) المسؤول عن تنفيذ السياسة الوطنية للتنمية على الصعيد الجهوي، إلى جانب كونه المؤتمن على سلطة الدولة، وممثل الحكومة بدائرة ولايته، ويملك صلاحيات واسعة في جهته، تمكنه من التصرف في ملفات التنمية والتشغيل والاستثمار وكل ما يتعلق بالملفات الاجتماعية في الجهة. فهل يؤثر هذا الفراغ الإداري في سير عمل المؤسسات؟
وأكد أستاذ القانون والوالي السابق عبدالرزاق بن خليفة، أهمية صلاحيات الوالي باعتباره "ممثلاً لرئيس الجمهورية وللحكومة في ولايته، وهي صلاحيات تشمل الأمن والجيش والتنمية والاقتصاد والشؤون الاجتماعية".
وأضاف، "من غير المعقول إن تبقى عديد الولايات دون ولاة، ما سيؤثر على سير المرفق العمومي في تلك الولاية، على غرار المشاريع التنموية، والإشكاليات الأمنية، والملفات الاجتماعية"، داعياً إلى "سد الشغور بالتعويل على الكفاءات الموجودة والقادرة على التغيير والإضافة".
وتابع بن خليفة، "الوالي له صلاحيات خاصة به، ولا يمكنه تفويضها للكاتب العام أو المعتمد الأول (خطط إدارية في المحافظة)"، مشيراً إلى أن الأمر 457 لسنة 1989، فوض بعض سلطات أعضاء الحكومة إلى الولاة.
أزمة ثقة
وأبدى بن خليفة اندهاشه من استمرار شغور مثل هذا المنصب الحساس في ولايات عدة تشهد صعوبات في التصرف الإداري والتنموي والاجتماعي، مستشهداً بمشكلة النفايات في ولاية صفاقس، ومشدداً على أهمية "ضمان السير السلس لدواليب الدولة في وضع استثنائي تعيشه تونس، وفي ظل أزمة اقتصادية واجتماعية حادة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أستاذ القانون تكليف بعض الكتاب العامين بالاضطلاع بمهمات الولاة في ولاياتهم قد يطرح إشكالا قانونياً في المستقبل، حول شرعية مصادقتهم على المشاريع أو الاتفاقيات باعتبارها صلاحيات حصرية للوالي.
وحول أسباب عدم سد هذا الشغور، أكد بن خليفة، أنها تعود إلى "عدم الثقة في الكفاءات الوطنية، بسبب التجاذبات السياسية"، لافتاً إلى أن "تونس تزخر بالكفاءات"، وداعياً إلى "تحييد هذه المواقع السيادية عن كل الصراعات السياسية".
الإدارة مستمرة
في المقابل، لا يرى الكاتب العام للنقابة العامة لخريجي المدرسة الوطنية للإدارة سيف الدين الرابحي، أي تعطيل للمرفق العام في ظل عدم تسديد شغور الولاة في عدد من الولايات، مشيراً إلى أن الإدارة التونسية استمرت في تقديم خدماتها إثر أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، على الرغم من غياب كبار المسؤولين. وأضاف أن المرفق العام مستمر بشكل عادي، على الرغم من بعض التعطيلات، تطبيقاً للفصل 15 من الدستور الذي ينص على أن "الإدارة العمومية في خدمة المواطن والصالح العام، وتعمل وفق الحياد والمساواة واستمرارية المرفق العام".
وأكد المسؤول النقابي أن "منصب الوالي له صبغة سياسية وفق التوجهات العامة الاقتصادية والاجتماعية التي تضعها الدولة"، لافتاً إلى أنه "خلال السنوات الأخيرة بات منصب الوالي حكراً على السياسيين، وجرى استبعاد خريجي المدرسة القومية للإدارة، وهو ما أثر في جودة الخدمات وتعطيل بعض المشاريع التنموية".
وشدد الرابحي على أن "الغموض الذي يسود المرحلة الراهنة قد يؤثر في بعض المشاريع المبرمجة أو المعطلة في عدد من الولايات، بخاصة منها المرتبطة بآجال، وبتمويلات خارجية من المانحين، ولها علاقة مباشرة بالمواطن كالمستشفيات والمدارس والطرقات، وغيرها من المرافق العامة"، داعياً إلى "التعجيل بسد الشغور في مختلف المناصب والتعويل على الكفاءات، بخاصة خريجي المدرس الوطنية للإدارة".
ولم تقتصر الشغور على الولاة، بل شملت عدداً من المؤسسات العمومية، التي تمت فيها بعض التعيينات للتسيير الوقتي، وبقيت أخرى من دون مديرين عامين، بينما تحتاج هذه المؤسسات إلى برنامج عمل متوسط وطويل المدى، من أجل إنقاذها أو إعادة هيكلتها وإدماجها في الدورة الاقتصادية.