تضاربت المعلومات حول اشتباكات قبلية وقعت، الأسبوع الماضي، في منطقة جبل "مون" في ولاية غرب دارفور، فبينما قال مفوض العون الإنساني في الولاية عمر عبد الكريم لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الاشتباكات التي وقعت بين قبيلة "المسيرية جبل" ومجموعة من القبائل العربية خلفت أكثر من 35 قتيلاً من الطرفين، وأحرقت بالكامل حوالى 16 قرية معظمها يعود لقبيلة "المسيرية جبل"، ما أجبر سكان تلك المنطقة على الفرار إلى مناطق داخل الولاية، وهرب آخرون إلى دولة تشاد المجاورة، أكد مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة "أوتشا" مقتل 43 شخصاً وحرق 46 قرية، وإصابة عدد غير معروف من الأشخاص بسبب صراع قبلي في هذه المنطقة، مشيراً إلى أن أكثر من 4300 شخص قد تأثروا بشكل مباشر مع نزوح معظمهم.
عمليات نهب
في المقابل قال والي ولاية غرب دارفور خميس عبدالله أبكر، لـ "اندبندنت عربية"، "ما حدث من اشتباكات في منطقة جبل مون مسألة طبيعية جداً تحدث في أي منطقة في البلاد، لأنها تتعلق بعمليات نهب وسرقة، وقد تطور هذا الأمر ليؤدي إلى احتكاك بين المجموعتين بعد نهب 200 رأس من الإبل تتبع للمجموعة العربية من قبل بعض سكان المنطقة ومجموعات وأفراد أتوا من خارجها، ما تسبب في مقتل 17 فرداً (تسعة من البدو العرب، وثمانية من المسيرية جبل)، إلى جانب حرق ست قرى تراوحت نسبة الحريق والخسائر بين 40 إلى 80 في المئة، وهناك مساع مع الإدارات المحلية والأهلية لإعادة الإبل المنهوبة لأصحابها في أقرب وقت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف أبكر، "قمت بزيارة المنطقة واستمعت إلى مسؤولين في الوحدة الإدارية وكذلك المواطنين، ووقفت على ما حدث على أرض الواقع، وتم اتخاذ إجراءات وترتيبات أمنية وإدارية لمنع تكرار مثل هذه الأحداث، لا سيما نشر تعزيزات عسكرية في مواقع استراتيجية في المنطقة تتكون من 30 آلية مجهزة بكامل الأفراد والعتاد، فضلاً عن تكوين ثلاث لجان، أولها للتحقيق في ملابسات الأحداث، وثانيها تتعلق بحصر الخسائر من الطرفين، والثالثة للمصالحة بين طرفي الصراع برئاسة سلطان دار مساليت في دارفور سعد عبد الرحمن بحر الدين".
فراغ أمني
ورداً على سؤال، أجاب والي غرب دارفور، "لا يوجد فراغ أمني إطلاقاً، فالأمن موجود ومتوفر على مستوى الولاية، ومهما نشرت قوات وتعزيزات عسكرية في كل مناطق الولاية، فقد تحدث مثل هذه الاشتباكات، فهي حوادث عرضية لا تؤثر على استقرار الولاية بتاتاً، والتفلتات الأمنية موجودة داخل العاصمة الخرطوم، فالأمر ليس غريباً، والآن لا توجد مشكلة في منطقة جبل مون، حيث استقرت الأحوال، وتم إلزام الطرفين بألا يعتدي طرف على الآخر، وليس لدينا تخوف بأن يحصل انفلات مرة أخرى".
وعن أثر عدم تواجد حاكم الإقليم مني أركو مناوي لفترة طويلة في مقره الفاشر (العاصمة) للوقوف على تطورات الأوضاع الأمنية في بعض مناطق الإقليم وآخرها أحداث جبل "مون"، قال خميس، "ليست هناك علاقة لهذه الاشتباكات بوجود حاكم الإقليم من عدمه، فهي انفلاتات ظرفية وعارضة ليست لها جذور مشكلة تاريخية أو حديثة لتتم معالجتها من جذورها، فالأمر في غاية من البساطة، وتمت معالجته بشكل تام، ولا نرى أن هناك تطورات سلبية، فالوضع آمن ومستقر حالياً".
اتفاقية "جوبا"
وفي ما يتعلق بأثر اتفاقية "جوبا" للسلام التي وقعت بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، على الواقع الأمني في إقليم دارفور، قال والي ولاية غرب دارفور، "لا نستطيع أن نقول إن اتفاقية جوبا للسلام لم تأت بالإيجابيات، لكن عدم الإيجابية تتمثل في تأخير تنفيذ بنود السلام على أرض الواقع، وتحديداً البند المتعلق بالترتيبات الأمنية باعتباره صمام أمان للسودان كله، وإقليم دارفور على وجه الخصوص، ونأمل في الفترة المقبلة تكثيف المساعي والخطوات العملية لتنفيذه. فهذا البند يتضمن تشكيل قوة مشتركة من القوات الحكومية والحركات المسلحة لحماية المدنيين في الإقليم، لكن تشكيل هذه القوة مرهون ببدء عملية الترتيبات الأمنية، والآن تم تشكيل لجان للشروع في تنفيذ هذا البند، وتضم القوة المشتركة 20 ألف فرد مناصفة بين الجانبين، ستكون المرحلة الأولى قوامها 10 آلاف فرد بمعدل خمسة آلاف فرد من كل طرف، ثم المرحلتان الثانية والثالثة بمعدل خمسة آلاف فرد مناصفة أيضاً في كل مرحلة".
حرب أهلية
وشهد إقليم دارفور في عام 2003 حرباً أهلية خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل (نيسان) 2019، على إثر احتجاجات حاشدة ضد حكمه الذي استمر 30 عاماً، وذلك بسبب ضيق الحريات وتدهور الوضع الاقتصادي، وعمت كل مدن ومناطق السودان.
وخلفت الحرب 300 ألف قتيل وفق إحصاءات الأمم المتحدة، واندلعت عندما حملت مجموعة تنتمي إلى أقليات أفريقية السلاح ضد نظام حزب المؤتمر الوطني الذي كان يرأسه الرئيس البشير، بحجة تهميش إقليم دارفور سياسياً واقتصادياً.
وعلى الرغم من تراجع حدة القتال في هذا الإقليم منذ السنوات الأخيرة في حكم البشير، لكن أعمال العنف ما زالت تندلع في بعض مناطقه من وقت لآخر بسبب النزاعات المنتشرة بين المزارعين والرعاة، بخاصة في ظل انتشار السلاح في أيادي كثيرين من السكان.