يشغل الوضع في دولة مالي المجموعة الدولية، كما الجزائر التي تواجه تحديات فشل اتفاق السلم والمصالحة الذي أشرفت عليه، وتأتي مطالبة الوساطة الدولية بتسريع تنفيذ الاتفاق لتؤكد حقيقة المخاوف من فوضى تتربص بالمنطقة.
اهتمام من ورائه مخاوف
وأوضح بيان للوساطة الدولية في مالي، نشر عقب انعقاد اجتماعها الافتراضي في 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، تحت رئاسة المبعوث الخاص للساحل وأفريقيا، بوجمعة ديلمي، أن أعضاء الوساطة الدولية أكدوا الأهمية الكبيرة التي يكتسيها تسريع متابعة اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر لاستقرار مستدام في مالي، وجددوا عزمهم على لعب دورهم كاملاً بما في ذلك ممارسة سلطة الوساطة في التحكيم. وأضاف البيان أن أعضاء الوساطة الدولية أشادوا بمبادرة الجزائر التي احتضنت من 22 إلى 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وفداً من مالي، مكوّناً من وزير المصالحة الوطنية وممثلين عن الفواعل الموقعة على اتفاق السلم، بغية مساعدتهم على تذليل كل الصعاب التي تعترض التنفيذ التام والمتزن والتوافقي للاتفاق، وأكد أن الأعضاء أعربوا عن أملهم في انعقاد اجتماع دعا إليه وزير المصالحة الوطنية المالي، بغية مناقشة كل القضايا التي من شأنها المساعدة على رفع الصعوبات والمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق، وشجعوا الأطراف على خوض نقاشات بنود الاتفاق بطريقة بناءة وصريحة.
وأكد أعضاء الوساطة -تابع البيان- وجوب الانتهاء سريعاً من عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، واضعين نصب أعينهم المواقف التي اتخذها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بخصوص هذه المسألة، كما دعوا إلى تحقيق تقدم سريع في الجوانب الأخرى لمسار السلام، بما فيها الإصلاحات المؤسساتية التي تتطلب التطبيق التام والمتوازن للركائز الأربع لاتفاق السلام.
تذكير حكومة باماكو
إلى ذلك، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية، المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، أن الطلب المتعلق بتسريع تنفيذ اتفاق الجزائر في مالي، جاء بالنظر إلى التغييرات الجذرية المقبلة عليها المنطقة، من حيث انطلاق العملية الانتخابية في ليبيا للخروج من أزمتها السياسية، وأيضاً، بداية سحب فرنسا قواتها من بعض المناطق وإعادة الانتشار في جهات أخرى، وكذلك عزم الحكومة المالية إبرام عقد مع شركة أمنية روسية خاصة، وعليه، فإن فريق الوساطة الدولية أراد وضع السلطة المركزية في باماكو أمام مسؤولياتها بتسريع تنفيذ اتفاق الجزائر ومواكبة هذه التغييرات والعمل على خروج دولة مالي من أزمتها.
وتابع كاهي أن فريق الوساطة الدولية الذي يعتبر الجزائر أهم فاعل فيه، أراد تذكير حكومة باماكو أن اتفاقياتها الخارجية، لا سيما مع روسيا أو شركاتها الأمنية الخاصة، يجب ألا تكون على حساب مسؤولياتها الداخلية، وقال إنه لا بد من الإشارة إلى نقطة أساسية وجوهرية وهي أن اتفاق الجزائر ينص صراحة على إدماج العناصر المسلحة التي تنشط في صفوف الحركات "الأزوادية"، والمقدر عددها بـ13 ألف عنصر، ضمن الأجهزة الأمنية الحكومية المالية، وهو ما يعتبر حماية لها بالدرجة الأولى من اندساس المرتزقة الذين سوف يخرجون من ليبيا بعد الانتخابات، كما أنه يسهم في خروج مالي من أزمتها واستعادة نظامها الدستوري، وشدد على أنه "لا يمكن القول إن اتفاق الجزائر تجاوزه الزمن، بل على العكس هو الضامن الوحيد للثقة بين أطراف الأزمة المالية، والأرضية الوحيدة التي تجمع الفرقاء للنقاش والحوار والبحث عن السبل الممكنة والمتاحة للخروج من الأزمة".
ليست المرة الأولى
وتتشكل الوساطة الدولية من ممثلين عن دول الجوار وهي بوركينا فاسو، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، وتشاد، إضافة إلى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ممثلة في الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، كما تشمل الدول التي تمثل الشركاء التقنيين والماليين لمالي وهي ألمانيا، وكندا، وممثلو المنظمات الدولية والقارية والإقليمية، وهي الأمم المتحدة من خلال بعثة "المينوسما"، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأفريقي من خلال بعثة الاتحاد الأفريقي إلى مالي والساحل، وكذلك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليست هذه المرة الأولى التي تطالب الوساطة الدولية بتسريع تنفيذ اتفاق الجزائر، بل سبق ذلك حثها الأطراف المالية على استغلال المرحلة المتبقية من الفترة الانتقالية لتنفيذ الإجراءات الأولوية الواردة في اتفاق السلم المنبثق عن مسار الجزائر، من أجل تحسين الوضع الأمني والحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية للسكان، عبر استئناف المشاورات على مستوى صنع القرار بشأن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والإصلاحات المؤسساتية والسياسية الناتجة عن الاتفاق.
وتقوم الجزائر بجهود كبيرة من أجل استقرار مالي التي تعتبر عمقها الاستراتيجي، وآخرها إشرافها منذ شهر بالجزائر العاصمة، على مشاورات قادها وزير الخارجية رمطان لعمامرة، وحضرها الوزير المالي للمصالحة الوطنية، العقيد إسماعيل واغي، وكذلك المسؤولون الأولون للحركات الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، بغية السماح للأطراف المعنية بإعطاء دفع جديد لمسار السلم والمصالحة في مالي.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وهم ديمقراطية كيتا
في الشأن ذاته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، المختص بالأمن الأفريقي، النيجري إدريس آيات، أن أسباب إلحاح الوساطة الدولية في مالي على مطلب تسريع تنفيذ اتفاق الجزائر، هو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وهم ديمقراطية أبو بكر كيتا، وكذلك، أن هذا الاتفاق استهلك كثيراً من الوقت والجهد والمال، ما جعل الحكومة "الانقلابية" لا تهتم به ولا تعترف بالموقّعين عليه، بالإضافة إلى الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى هذا الاتفاق، لضعف بعض بنوده.
طريق مسدود
الوساطة الدولية وصلت إلى طريق مسدود، ولا يمكنها إنجاز شيء أمام الوضع الحالي، أضاف آيات، لأن السلطة في مالي ما عادت لها آذان مصغية للوساطة الدولية أو الإقليمية بعد أن أصبحت ترى فرنسا المشرفة الرئيسة وراء مختلف المبادرات التي تستهدف إقصاء السلطات الحالية في باماكو. مبرزاً أن السلطة الانتقالية المالية تعتبر اتفاق الجزائر خطراً يهدد البلاد، إذ إن أهدافه تتجاوز الحكم الذاتي في الشمال بعد أن سمح لمسؤولي المنطقة باستغلال ما تحت الأرض من ثروات لتصبح دولة داخل دولة، وأشار إلى أن التوتر بين الجزائر وفرنسا كان له انعكاس كبير على الوضع في مالي، وختم أن الحكومة المالية الحالية تسعى لإطلاق حوار مالي - مالي يكون بديلاً لاتفاق الجزائر، لذا يمكن القول إن الاتفاق تجاوزه الزمن.