في وقت يترقب اللبنانيون الانتخابات النيابية المقبلة لإعادة إنتاج سلطة سياسية تعكس تطلعاتهم وآمالهم، قفز رئيس "كتلة الوفاء والمقاومة" محمد رعد فوق التحضيرات الرسمية لإجرائها في الربيع المقبل مستبقاً نتائج الانتخابات ومتحدثاً عما بعدها، ليعلن أن "من يريد أن يحكمنا غداً بأكثرية مدعاة عليه أن يُدرك بأنها لن تستطيع أن تحكم لأن لبنان محكوم بالتوافق"، الأمر الذي فهم بأنه تهديد مباشر بتعطيل السلطة التشريعية ومفاعيل نتائج الانتخابات في حال خسر الحزب الأكثرية النيابية التي مكنته من السيطرة على مفاصل السلطة مع حلفائه وأبرزهم التيار الوطني الحر.
وكان لافتاً اتهام رعد المسبق القوى المعارضة والساعية لتغيير الأكثرية النيابية الحالية بأنها جزء من انقلاب لصالح ما سماه المحور "الإسرائيلي والتطبيعي". وأخيراً بات لافتاً تركيز قياديي "حزب الله" في خطاباتهم الإعلامية الانتخابية على معادلة أن الغالبية النيابية لا تستطيع أن تحكم وأن الميثاقية والوفاق والإجماع الداخلي ركائز الحُكم الوحيدة، وأياً تكن نتيجتها وأياً تكن هوية الغالبية النيابية الجديدة فهي مُضطرة إلى التوافق والحكم مع الآخرين، الأمر الذي قرأته المعارضة محاولة مسبقة لنسف نتائج الانتخابات، أو تهديداً مبطناً بعدم الاعتراف بنتائج المجلس النيابي المقبل وتعطيل جلساته، كما حصل عقب انتخابات العام 2005 ومن بعدها انتخابات 2009، حين فازت القوى المعارضة للحزب بالأكثرية النيابية إلا أن المجلس النيابي بقي مقفلاً لفترات طويلة، ومن ضمنها عملية تطيير نصاب انتخاب رئيس للجمهورية لمدة عامين ونصف العام قبل تسوية العام 2016 التي انتخب على أساسها الرئيس الحالي ميشال عون.
وتبع كلام رعد، كلام مشابه لعضو كتلة الحزب النائب حسن عز الدين، الذي اعتبر أن "السعودية بعدما فشلت في ابتزاز لبنان بسيادته وكرامته يبدو أنها تعود مجدداً إلى الساحة اللبنانية، من خلال اعتبارها أن الانتخابات فرصة لإيجاد معادلة جديدة تستطيع من خلالها أن تحقق أهدافها بتغيير معادلة الغالبية القائمة الآن في المجلس النيابي، تماماً مثلما يفكر الأميركي".
سقوط السلطات
ومنذ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) يشهد لبنان شللاً في السلطة التنفيذية، إذ استقالت حينها الحكومة التي ترأسها حسان دياب، واستمر الإخفاق بتشكيل حكومة نحو 13 شهراً قبل أن تتشكل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، التي عقدت ثلاثة اجتماعات وزارية قبل أن تدخل في مرحلة "شلل سياسي" وتتوقف عن الانعقاد على خلفية ربط "حزب الله" إعادة تفعيلها بإقالة المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت طارق بيطار.
وتخشى أوساط سياسية أن تكون حسابات "حزب الله" تتجه نحو تعطيل السلطة التشريعية في حال خسر الأكثرية الحالية بعد إجراء الانتخابات النيابية، لا سيما أن المجلس النيابي المقبل تترتب عليه مسؤولية انتخاب الرئيس المقبل للجمهورية بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022. فقد قد يلجأ الحزب إلى مقايضة تفعيل المجلس النيابي بعقد صفقة لانتخاب رئيس بالمواصفات نفسها التي انتخب بها عون، لا سيما أن كلامه بعدم تسليم الرئاسة للفراغ يعزز الهواجس المطروحة.
كما تثير عملية تعطيل المؤسسات الرسمية الريبة من إمكانية أن تصاب السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بالشلل التام، الأمر الذي يضع القرار السياسي خارج إطار المؤسسات، وبالتالي يؤدي حكماً إلى الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي جديد يطيح اتفاق الطائف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتخابات انقلابية
وفي هذا السياق تؤكد مصادر في "حزب الله" أن "الحزب يصر على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري ورفض تأجيلها أو تطييرها، وأنه يتوقع أن يحافظ على الأكثرية النيابية التي يمتلكها مع حلفائه، إلا أنه يتوجس من عملية انقلاب غير ديمقراطية عبر أطراف محليين ودوليين، يريدون قلب الأكثرية ولو بتزوير النتائج وسرقة أصوات الشعب، بهدف استكمال محاصرة (المقاومة) واستهدافها بكل السبل الممكنة".
ورأت المصادر أن هناك ريبة من التجييش الذي برز في تسجيل المغتربين خلال الأسابيع الماضية، التي كانت تحت إشراف أميركي وإسرائيلي، وتزامنت مع إدراج بعض الدول الحزب على قوائم الإرهاب، من أجل ترهيب قواعد الحزب الشعبية في الخارج وحصر المسجلين في المعارضين، لافتة إلى أن الأمر يكشف عن المؤامرة التي يسعى "الانقلابيون" لاستكمالها بالانتخابات المقبلة، إذ يتوقع أن تستفحل الحملة الدولية على الحزب وتحميله مسؤولية الأزمات التي تواجهها البلاد.
وترفض المصادر الاتهامات الموجهة للحزب بأنه يسعى لضرب المؤسسات الرسمية، مشددة على أنه سيواجه أي محاولة لتجيير المؤسسات وتغيير هوية لبنان المقاومة إلى هوية مطبعة مع إسرائيل.
فرملة الثورة
إلا أن الناشط السياسي المحامي أمين بشير، يعتبر أن "تصريح رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد يأتي في سياق الحرب النفسية التي يقوم بها "حزب الله" لفرملة اندفاعة الثورة والمجتمع المدني باتجاه الانتخابات النيابية"، مشيراً إلى أن اندفاعة المجتمع المدني أعطت مؤشرات إيجابية عدة، آخرها الكم الهائل من تسجيل المغتربين للاقتراع في الانتخابات المقبلة. ويؤكد أن "كل هذه التصريحات، من بينها تهديد أمين حزب الله، حسن نصر الله، بأنه يمتلك مئة ألف مقاتل، تأتي في سياق تهويل وترهيب المجتمع المدني والمعارضة".
ويرى أن الرسائل المبطنة للحزب تستهدف التذكير بما حصل عامي 2005 و2009، عندما كانت قوى "14 آذار" لا تزال موجودة، وربحت في الانتخابات، لم يُسمح لها بالحكم منفردة، وأصر حينها على تشكيل حكومة وحدة وطنية، مشدداً على أن الحزب يؤكد من خلال تصرفاته أنه لا يحتكم إلى النتائج الديمقراطية إنما لسلطة العنف والهيمنة عبر قوة السلاح غير الشرعي. ورأى أن "المواجهة أصبحت مفتوحة في الانتخابات النيابية وغيرها، التي ستكون دافعاً لتكوين رأي عام لبناني يُعبر أمام المجتمع الدولي رفضه هذا السلاح"، لافتاً إلى أن الحزب سيُحاول منع إجراء الانتخابات، أو تغيير نتائجها".
تطيير الانتخابات
من جانبها تخوفت منسقة البرامج في "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" ديانا البابا، من عدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري كما حصل في العام 2013، حين تم التمديد للمجلس النيابي على الرغم من المعارضة الشعبية حينها، مشددة على ضرورة احترام المهل والدستور اللبناني.
وأوضحت أن لبنان يمر حالياً بوضع حساس للغاية ويترافق مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة، يمكن أن يؤثر في تعاطي الأحزاب السياسية مع الملف الانتخابي، إذ قد تؤدي أي مشكلة أمنية إلى تعرض العملية الانتخابية للتأجيل.
وأشارت إلى اهتمام المجتمع الدولي بإجراء الانتخابات في موعدها، وأن السياسيين تبلغوا بشكل مباشر أن مصير الدعم للبنان متوقف عليها، كونها أولى خطوات الإصلاح التي يطالب بها. مشددة على أن استغلال الأزمة الاقتصادية لتقديم خدمات للمواطنين، يعد نوعاً من أنواع الزبائنية، وأنه من المرجح أن ترتفع وتيرتها، الأمر الذي يضرب مصداقية نتائجها.