يتوجب على كريس ويتي والسير باتريك فالانس، كبيرَي مستشاري رئيس الوزراء الطبيين والعلميين، أن يُجلسا بوريس جونسون أمامهما ويُطلعاه على بعض الحقائق الطبية الأساسية.
يجب عليهما، أولاً، أن يطلبا منه التراجع عن البيانات الخاطئة التي أدلى بها في المؤتمر الصحافي الذي عقده مساء السبت الماضي في 27 نوفمبر 2021. وينبغي لهما، ثانياً، توضيح أن مصلحتنا جميعاً تقتضي أن يغير جونسون مساره في التعامل مع أفريقيا، التي تعتبر المركز الحالي للمخاوف المتعلقة بكورونا.
أبلغتنا الحكومة البريطانية، على لسان جونسون، أن المملكة المتحدة "تقود" الجهود المبذولة في تلقيح العالم كله، وأنها الأكثر سخاءً بين الدول كافة في التبرع باللقاحات للدول الفقيرة، وأن العقبة الحقيقية تتمثل في "التردد حيال تلقي اللقاح" و"الإقبال المنخفض" عليه. ووفقما بدا أن جونسون يورده، لا تعود المأساة التي يواجهها الناس في أفريقيا اليوم إلى شح اللقاحات، بل إلى عدم استعدادهم لأخذ اللقاح.
واستطراداً، إنها ليست المرة الأولى التي يُظهر فيها جونسون تجاهلاً للحقائق ولا مبالاة بها. بيد أن ادعاءاته المغلوطة هذه المرة، ونتيجتها المتمثلة بالفشل على مدى أطول في تسريع تسليم لقاحات "كوفيد-19" غير المستعملة إلى أفريقيا، تعرض الأرواح للخطر ليس في تلك القارة وحدها بل في أنحاء العالم كافة. وبالتالي، إن كل لا مبالاة بشأن معدلات التلقيح والاختبار في الدول الأكثر فقراً، لن تعرض موسم عيد الميلاد هذه السنة للخطر، بل قد تؤدي بنا في العام المقبل وربما حتى في عيد الميلاد لعام 2022، إلى مواجهة مشاكل مماثلة لتلك التي بات يشهدها فعلاً عالم لم يلقح سوى نصف سكانه.
وفي عطلة نهاية الأسبوع الحالي، أضيفت موزمبيق وأنغولا ومالاوي وزامبيا إلى القائمة البريطانية الحمراء عن مجموعة الدول التي يحظر السفر منها وإليها، وتضم أصلاً جنوب أفريقيا وليسوتو وناميبيا وزيمبابوي. في المقابل، فإن موزمبيق التي لا يزال 89 في المئة من سكانها من دون تلقيح، في أمسِّ الحاجة إلى اللقاحات من أجل حماية شعبها من فيروس "كوفيد-19". وينطبق الأمر ذاته على أنغولا، حيث لم يتلق 92 في المئة من سكانها حتى الآن الجرعة الأولى من اللقاح، وكذلك زامبيا ومالاوي اللتان تبلغ نسبة السكان غير المطعمين في كل منهما 92 في المئة. وهناك أيضاً العاملون في قطاع الصحة ممن يجازفون بحياتهم يومياً لإنقاذ الآخرين، لكنهم لا يتمتعون بالحماية بل سيظلون، وفقاً للاتجاهات الراهنة، من دون لقاحات لبعض الوقت. ويرجع ذلك ليس لأنهم "مترددون" بشأن تناول اللقاح، وإنما لأن بلادهم لا تملك سوى النزر اليسير من اللقاحات، أو قد لا يكون في حوزتها أي منها، كي تقدمه لهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونظراً إلى وجود مخاوف لديها مما تسميه "موجات جديدة مقبلة من عدوى كورونا"، وجهت "المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها" التي تحظى باحترام كبير، نداءً عاجلاً إلى الدول من أجل الإسراع بعملية التحصين بهدف "منع الحالات الشديدة والوفيات".
وعلى النقيض من ادعاءات جونسون، أورد الدكتور إيواد أولاتونبوسون– الاكيجا، الرئيس المشارك في "تحالف إيصال اللقاح" التابع للاتحاد الأفريقي، أن "ما يحدث الآن أمر لا مفر منه، ذلك أنه يأتي نتيجة إخفاق العالم في التلقيح بشكل عادل ومتكافئ وعاجل وبطريقة سريعة. إنه نتيجة ادخار اللقاحات من قبل البلدان ذات الدخل المرتفع في أنحاء العالم، وبمنتهى الصراحة، إنه أمر غير مقبول".
[وكذلك على النقيض من ادعاءات جونسون]، أعرب البروفيسور توليو دي أوليفيرا، مدير "مركز الاستجابة للأوبئة والابتكار"، عن رأي مفاده أنه يتوجب "على العالم أن يقدم الدعم لجنوب أفريقيا وأفريقيا، وألا يميزها أو يعزلها".
في المقابل، نعم. ثمة مقاومة لحقن الناس [باللقاح]، في كل مكان من العالم تبديه أقلية من معارضي التطعيم. لكن، بالنسبة إلى البلدين الموجودين حالياً على الخط الأول في المواجهة مع الفيروس، فقد وزعت بوتسوانا فعلياً 86 في المئة من إمداداتها [من اللقاحات]، فيما أعطت جنوب أفريقيا 78 في المئة مما لديها منها. وتعتبر هاتان النسبتان في استخدام جرعات اللقاح المتوفرة، أعلى بكثير مما سجل في بريطانيا وأوروبا وأميركا، حيث هنالك كميات كبيرة من اللقاحات غير المستخدمة، إلى درجة أن "أيرفينيتي"، وكالة خبيرة في بحوث البيانات، تتوقع أن 100 مليون جرعة ستكون قد دمرت مع حلول عيد الميلاد لأن صلاحيتها تنتهي قبل ذلك التاريخ.
وبالتالي، لا تكمن المشكلة الكبرى في امتناع الناس داخل أفريقيا عن أخذ اللقاح، بل في فشل الغرب في الوفاء بوعدنا توفير جرعات اللقاح لهم. وينهار ادعاء جونسون عن أن الحكومة البريطانية كانت أكثر سخاء من أي دولة أخرى في إهداء الجرعات، لدى معاينته بشكل دقيق. لقد وعدت مجموعة "الدول الكبرى السبع" في اجتماعها الذي عقد برئاسة جونسون في "كورنوال" خلال يونيو (حزيران) الفائت، بتلقيح العالم بأسره، غير أنها لم تنفذ ذلك الوعد.
واستطراداً، لقد تمثل الوعد الأول الذي حنث به الغرب في التعهد بتلقيح عشرة في المئة من أفقر 92 دولة في العالم مع حلول سبتمبر (أيلول). وكان من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحصين العاملين في قطاع الصحة والأشخاص المعرضين للخطر، إلا أن 82 من أفقر دول العالم قد حرمت من اللقاحات اللازمة كي تجعل تحقيق ذلك الهدف ممكناً. ويتجسد الوعد الثاني الذي جرى الإخلال به، وقد أعلن عن التعهد بتنفيذه في قمة عقدها الرئيس بايدن خلال سبتمبر 2021، في تلقيح 40 في المئة بحلول ديسمبر (كانون الأول). والحقيقة أن مجرد ثلاثة في المئة من الناس في الدول ذات الدخل المنخفض قد تناولوا اللقاح بشكل كامل، وتصل تلك النسبة إلى سبعة في المئة من سكان أفريقيا، بالمقارنة مع 67.3 في المئة [من السكان] في الدول ذات الدخل المرتفع.
وثمة سبب وجيه يجعل الفجوة بين "من يملكون" ومن "لا يملكون" اللقاح، معبرة عن الشرخ المترسخ سلفاً بين أغنياء العالم وفقرائه. فقد احتكرت حتى الآن دول مجموعة العشرين الأغنى في العالم، 85 في المئة من عدد الجرعات التي جرى إنتاجها وبلغ عددها 9.1 مليار جرعة. وحتى في هذه الأيام التي اتضح فيها أن حاجة أفريقيا [للقاحات] هي الأكبر في العالم، فإن 71 في المئة من عقود إمدادات اللقاح تخضع لسيطرة دول مجموعة العشرين. و[منذ بداية التلقيح] وصولاً إلى 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أعطيت 7.9 مليار من الجرعات عالمياً، بيد أن واحداً في المئة، أي مجرد واحد من كل 160، من تلك اللقاحات كانت من نصيب الدول ذات الدخل المحدود، وثلاثة في المئة منها، أي واحد من كل 32، وجدت طريقها إلى أفريقيا على الرغم من أن عدد سكان القارة السمراء يبلغ 1.3 مليار نسمة.
بالنتيجة، إن الحكومة البريطانية متخلفة في تقديم التبرعات. وبينما تعهدت الولايات المتحدة بالتبرع بمليار جرعة، ووعدت أوروبا بتوفير 550 مليون جرعة، لأفقر مناطق العالم، فقد ذكرت المملكة المتحدة أنها ستقدم مجرد 100 مليون جرعة. إنه لفشل خطير بما فيه الكفاية ألا تقدم أميركا سوى مجرد 25 في المئة من الرصيد الذي وعدت به، وألا يوفر الاتحاد الأوروبي إلا 19 في المئة من إجمالي كميته الموعودة. وفي الواقع، سلمت بريطانيا مجرد 11 في المئة مما تعهدت بالتبرع به، ما يعرضنا جميعاً للخطر حين تجد مجموعة من الدول نفسها، وبسبب خطأ لم ترتكبه بنفسها، في صميم [أزمة] تفشي أنواع متحورة جديدة من الفيروس.
واستكمالاً، ينعكس نقص اللقاحات على هيئة نقص الاختبارات [للكشف عن كورونا]. وإذا كنا نريد أن نكتشف الداء وتحولاته الجديدة، فإننا سنكون في حاجة إلى زيادة قدرتنا على إجراء الاختبارات على مستوى العالم.
في ذلك الصدد، أجري أربعة مليارات اختبار في الـ18 شهراً الماضية، غير أن نصيب أفريقيا وصل إلى مجرد 70 مليون اختبار. ونتيجة لذلك، لم يجرِ التعرف حتى الآن إلا على نسبة ضئيلة ممن يحتمل أن يكونوا حاملين المرض في أفريقيا.
لقد كتب شابير ماضي، بروفيسور في علم اللقاحات من "جامعة ويتواترسراند" عن الحاجة إلى اللقاحات حالياً، مشيراً إلى أنه "لم يفت الأوان بعد على تغيير نداء الاستغاثة هذا". وبالتالي، لم يعد هناك متسع من الوقت للتراجع، فهناك 500 مليون جرعة لقاح مخزنة الآن في الغرب ويمكن إرسالها على الفور تقريباً.
مع حلول ديسمبر، قد يرتفع ذلك الرقم إلى 600 مليون جرعة. وبعدما يدرك جونسون أن تصريحاته مضللة، يجدر به أن يقول لنا إن بريطانيا ستقود الركب، بدلاً من تخلفها عنه فعلياً.
ولا يقتصر الهدف من ذلك على أفريقيا، إذ يعتمد عديد من الأرواح، وكذلك سبل العيش، على توفير اللقاحات للدول الفقيرة. ولا يقتصر الأمر على أن أحداً لن يكون في أمان حتى يصبح الجميع آمنين أينما كانوا، بل يشمل أيضاً أننا جميعاً سنبقى خائفين، حتى يتحرر الجميع من الخوف.
* غوردون براون هو سفير تمويل الصحة العالمية لدى "منظمة الصحة العالمية". وشغل منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة بين عامي 2007 و2010.
© The Independent