يستضيف غاليري "أثر" في مدينة جدة حتى 10 من يناير (كانون الثاني) المقبل، معرضين فرديين لكل من عبدالعزيز الرشيدي وناصر السالم، وهما اثنان من فناني الخط العربي البارزين في السعودية. يتشارك كل من الرشيدي والسالم في سعيهما نحو استكشاف آفاق جديدة لفن الخط، والتعامل مع الحرف كمفردة جمالية وفنية معبرة وذات خصوصية.
يعرض عبدالعزيز الرشيدي أعماله تحت عنوان "درب"، ويضم مجموعة متنوعة من التشكيلات الخطية التي أنجزها أخيراً. ويعيش الرشيدي ويعمل في المدينة المنورة، ونادراً ما يتركها، فهي تعيش فيه بقدر ما يعيش فيها، وهو يجد السلام بداخله في زاويته المنعزلة، ويتحدث على نحو خاص مع الخط بإصرار، محاولاً الانتقال به إلى أبعاد جديدة والتقدم نحو مسارات لم يسبقه إليها أحد. يسعى الرشيدي في تكويناته الخطية إلى إبراز الجمال الخفي للحرف العربي، لذا فهو في كل معرض من معارضه يبحر بنا إلى أفق جديد ومختلف.
القواعد الموروثة
يروي الفنان تجربته مع الخط مؤكداً أن شغفه الأول ودافعه لدراسته كان الحبر، هذا السائل المتدفق الذي لا يستطيع التعامل معه إلا من تمسك بقواعده وعرف أسراره. ويرى الفنان أن أغلب الخطاطين ما زالوا ملتزمين بهذه القواعد الموروثة التي تناقلتها الأجيال حول مدارس الخط وفنونه، وهي قواعد لها أهميتها وضرورية لأي دارس للخط، وهو يحاول أن يتجاوز هذه القواعد من دون الإخلال بقوام الخط وروحه، فيمزج تارة بين نوعين من الخط، أو يحاول استكشاف جمالياته وإمكاناته اللينة مبتكراً أشكاله وأنساقه الخاصة به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الانطلاقة الحقيقة لفنان الخط السعودي عبدالعزيز الرشيدي كانت كما يقول، عندما حصل على كتاب تمرين الرسم الذي وضعه الخطاط هاشم البغدادي في عام 1987. أمضى الفنان سبع سنوات في تقليد هذا الكتاب ليجد أخيراً شغفه وروحه في الخط العربي. تلقى الرشيدي تعليمه على أيدي معلمين عظماء من بينهم عادل بري وأحمد ضياء. كما التقى معلمين آخرين خلال تلك الفترة، من بينهم شفيق زمان ومحمد بشير وعبدالعزيز مصطفى نجاة الدين. وفي قسم الفنون بجامعة الملك عبدالعزيز في المدينة المنورة، درس الرشيدي فن الزخرفة الإسلامية بالخط الكوفي على يد مصطفى عبدالرحيم، حتى استقر في البحر الواسع لحسن المسعودي. واستمر الفنان في تقليده لحسن المسعودي حتى انطلق بمفرده إلى عالم الوحي والجمال، ليمتلك أسلوبه الخاص النابض بالحياة والشغف.
إمكانات تشكيلية
لعل هذا التجاور بين معرضي الرشيدي والسالم يؤكد ما يحمله الخط العربي من إمكانات بصرية وتشكيلية واسعة. فحين الانتقال إلى مطالعة أعمال ناصر السالم ندرك مدى الاختلاف والتميز الذي تتمتع به كل تجربة، على الرغم من استلهامهما من المصدر نفسه. يعرض ناصر السالم أعماله تحت عنوان "أما بعد". والأعمال نفسها التي يعرضها السالم كان قد عرضها من قبل في عام 2019 في مؤسسة "دلفينا" البريطانية كأول معرض فردي له في المملكة المتحدة. تبدو أعمال السالم أقرب إلى الاختزال في استخدامه ومعالجته العبارة نفسها (أما بعد)، في هذه الأعمال يتوارى المعنى لصالح الشكل وجماليات الأحرف. ينثر السالم حروفه على مساحة الرسم كنقاط هائمة في فراغ واسع، أو يشكلها أحياناً وفق قوالب هندسية صارمة ومتنوعة، سواء على الورق، أو في هيئة مجسمات.
يركز هذا العرض الذي نسقته مايا الخليل العلاقة بين اللغة والزمان والمكان من خلال سلسلة من الأعمال النحتية والورقية لعبارة "أما بعد"، وهي عبارة غالباً ما تستخدم في المراسلات الرسمية المكتوبة، وتكتسب معناها من خلال موقعها في الخطاب أو الرسالة. وعبر التوظيف البصري للحروف العربية والتلاعب بالمعنى، يستكشف السالم إمكانات هذه العبارة التي تراوح بين معانٍ عدة من التأجيل والترتيب، أو الانتقال من فكرة إلى أخرى.